رأي

العزم والتوكل هو المطلوب لتغيير الواقع

دكتور حسن عيسى الطالب

الاستهداف المتواصل من الميليشيا للمدنيين في المساكن والأسواق، وفي كل المدن، وخاصة في أسواق ومساجد ومستشفيات ومساكن أمدرمان، في الآونة الأخيرة يستدعي تغيير تكتيكات واستراتيجية القوات المسلحة الحالية في إدارة العمليات، لأن المقصود من ميليشيا هو تفريغ المدن من مواطنيها لتعلن مناطق مسيطر عليها واستخدامها ورقة في أي تفاوض قادم وتسكين مرتزقتها فيها.

إن أهم ما يعزز مشروعية الجيش في ظل الوضع الراهن، وسلطة الأمر الواقع، هو القيام بواجب توفير الحماية وتأمين الأرواح والممتلكات والحدود. فإذا ما استشعرت القيادة الحالية في مسارح العمليات عن عجزها في ذلك، أو عدم توفر الإرادة لديها، فيتعين عليها بموجب أمانة التكليف، وللمصلحة الوطنية العليا أن تفسح المجال لمن هو أقدر للفعل، وللأقوى إرادة للتقدم والإقدام. في مسارح المعارك يتم تغيير القادة باستمرار للتجويد ولمقتضيات المعركة وطبيعة سيرها؛ وكان عمر بن الخطاب قد استبدل خالد بن الوليد بالقائد أبو عبيدة بن الجراح في قلب المعركة وهو بالشام.

تحتاج المعركة لمراجعة الاستراتيجية الحالية والتكتيكات الميدانية، التي فشلت طيلة الأشهر الماضية في استرجاع مواطني مدني والسوكي وجبل موية وسنجة، ولا يدري أي مواطن ما المقصود من هذا التقاعس، فقد طال الانتظار وأصبح التململ العام في أوساط المواطنين هو العنوان.

يتعين إعادة النظر في الخطط الحالية المعتمدة من قيادة الجيش العليا، والتعامل بجدية مع هذه الحرب المفروضة، وفرض السلم إما منّاً بعد أو فداءا. فالمؤمنون كتب عليهم القتال شرعاُ، “يقتلون ويُقتلون” ووعدهم الله بجنة عرضها السموات والأرض، وأشهد على نفسه بصدق وعده المسؤول في التوراة والإنجيل والقرآن.

وعليه يتعين أن تفهم السلطة القائمة أن أي تأخير في حسم هذه المعركة أكثر مما هو حاصل، يصب في صالح الميليشيا؛ وأنها أضحت تستفيد من انتهاء موسم الأمطار والخريف؛ وكذلك اتاحة مساحة للتدخل الخارجي ومن أصحاب الأجندة المعروفة، ومن كل من هب ودب في شئون السودان؛ كما أن التقاعس في الحسم العسكري يعزز الدعاوى التي تبثها أبواق التمرد الخارجية وداعميه التي تفيد بأن الجيش مسترخ، وغير قادر على هزيمة الميليشيا؛ وبث دعاوى بأن الحرب لن تنتهي إلا بشروطها هي، وأنها تسيطر على 90% من البلاد…

يجب استصحاب الواقع السياسي والإقليمي والدولي، فهذا جزء من المعركة، وإلا فإن المقاومة الشعبية ومن معها من المستنفرين وبقية أفراد الشعب المحزونين المناصرين لهم ستأخذ زمام المبادرة، وستتخطى الجيش الوطني والتنسيق معه، لاعتقادهم أنه لم يعد يقوم بما تقوم به الجيوش من أدوار، بل يصبح ضحية لتداعيات وتوعد السياسة الدولية وأجندتها الماكرة، وعندها سوف تفرز الوقائع على الأرض ظروفاً جديدة وستقودها قيادات جديدة.

لقد أصبح المواطن ينتابه الشعور بأنه لم يعد يقف معه أحد يستحق أن يسنده أو يؤيد مواقفه، وهو نازج ومشرد ومُهان في كل مكان.

للأسف هذا هو السيناريو المتوقع، ويجب أن يعلمه الجميع كما هو، ولا مكان للتخاذل ولا للتدليس، ولا لتخفية الواقع، وتسفيه الآراء، واللعب على ساحات السياسة الدولية القذرة. عندما تستهدف الميليشيا المدنيين في شخوصهم، سيقوم المدنيون بحماية أنفسهم بلا شك؛ ولكنهم سيتخلون عندئذ عن القوة الوطنية التي كان يتعين أن تكون في خط الدفاع الأول لحمايتهم.

الحرب صبر واللقاء ثبات. والتقاعس ليس وسيلة عسكرية، ولا خطة ولا استراتيجية لتحقيق الانتصار في أي حرب مهما كان نوعها، قديما أو حديثا، فالركون للدفاع والتقاعس، والاختباء في الخنادق، وعدم الحرص على ملاقاة العدو المعتدي لن يقود لإنتصار. الهجوم خير وسيلة للدفاع. هذا أمر معلوم حتى في مباريات وميادين كرة القدم؛ وبالأمس القريب جرت مباراة بين مانشستر سيتي و آرسنال، وكان هو المتقدم فيها؛ لكن انتصر في نهاية المباراة المدرب الحصيف قارديولا، وفي آخر 7 دقائق من نهاية المباراة، لاستمراره ومثابرته على خطة الهجوم وذلك طيلة الشوط الثاني، فلم يكتف بالدفاع لخوف حصول خسارة أكبر، كما يفعل المتقاعسون الخاذلون والخاسرون. يتعين العلم والإيمان والإيقان بأن النصر هو من عند الله، ولكن النصر مع من يطلبه ويستدعي متطلباته. “إن تنصروا الله ينصركم”. هذه هي عقيدة أهل الإسلام. الهزيمة مع من يتقاعس. ويقول المولى سبحانه وتعالى في محكم التنزيل، مخاطبا نبيه في ساحة الجهاد: “فإذا عزمت فتوكل على الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى