حوارات

رئيس هيئة الأركان السابق الفريق هاشم عبدالمطلب لـ(المحقق): هذا هو الطرف الذي فض اعتصام القيادة العامة وليس الجيش

نجح فريق موقع “المحقق” الإخباري ، بعد جهد مضنٍ في إقناع الفريق هاشم عبد المطلب بأن يدلي بشهادته للتاريخ حول كثير من الأحداث والوقائع التي أعقبت الإطاحة بنظام الرئيس البشير، والتي كانت وما تزال محل جدل، ولئن كان الفريق هاشم عبد المطلب قد تحفظ على كثير من الأسئلة التي طرحناها عليه، فهو في نفس الوقت أضاء بإجاباته على أسئلة أخرى، كثيراً من مناطق العتمة في أحداث ما زال بعضها يجري، والأهم من ذلك هو أنه أكد أنه يعكف على تدوين مذكراته التي سيقول فيها كل ما يعرفه عن الأحداث التي عصفت بالسودان وكان هو شاهداً عليها، فإلى أقواله في هذا الحوار ..

حاوره – عزمي عبد الرازق

*سعادة الفريق هاشم عبد المطلب أنت لزمت الصمت لفترة طويلة، وقد علمنا أنك تعمل على كتاب توثيقي حافل بتجربتك الثرّة في القوات المسلحة، ما القصة؟
طبعاً نحن مشكلتنا في السودان، وخصوصاً في القوات المسلحة عدم التوثيق، هناك القليل ممن وثقوا تجاربهم ونشروها، ولو أهملنا كل الماضي يجب أن لا نهمل هذه الفترة العصيبة من تاريخنا، و ما أسميها بالسنوات العجاف، وأنا كنت شاهداً رأى كل شيء، رأيت وسمعت وشاركت في بعض الأحداث قبل اعتقالي.
*هذا يعني بأن الكتاب سيحفل بأسرار خطيرة؟
نعم، وأنا أتعهد للشعب السوداني والقوات المسلحة بأنني سوف أكون أميناً، وأقول الحقيقة ولو على نفسي، فالمرحلة فعلاً تحتاج إلى توثيق، لأن ما دار فيها من أحداث عاصفة وتطورات مهمة تحتاج إلى رصد وتوثيق وتفسير، ويمكن أن يستفيد منها الشعب السوداني والأجيال القادمة، بمن في ذلك العسكريين، حتى نستخلص العبر والدروس من التجارب، ولا نقع في المزيد من الأخطاء، خصوصاً وأن هنالك أخطاء استراتيجية كبرى حدثت.

“هنالك أخطاء استراتيجية تم ارتكابها تحولت إلى مهددات أمنية”

*ماذا تقصد بالأخطاء الاستراتيجية الكبرى؟
هنالك أخطاء استراتيجية تم ارتكابها تحولت إلى مهددات أمنية، ليس على المستوى الداخلي فقط ولكن حتى على المستوى الإقليمي، وربما تجاوزت ذلك، فالكتاب عبارة عن عرض لحقيقة كل ما حدث قبل الثورة المختطفة.

*وهل كانت ديسمبر ثورة مختطفة؟

نعم، والكتاب سوف يتناول ذلك قبل وبعد الثورة، وكيف وجد الشباب فرصتهم فيها وانحازوا لها، لكن هنالك من اختطف تلك الثورة وانحرف بها عن مسارها، ووظفها لخدمة أجنداته وأجندات الخارج الذي يعمل لصالحه.

“دخول الأحزاب بأجندتها لإدارة الفترة الانتقالية أفشل تلك الفترة وخلق الأزمات”

*حسناً، على ضوء التجارب الانتقالية التاريخية هل كان الأفضل للقوات المسلحة السودانية استلهام تجربة سر الختم الخليفة وسوار الذهب (ثورتي أكتوبر 1964 وأبريل 1985)، أم الدخول في شراكة مع قوى سياسية كما حدث بعد التوقيع على الوثيقة الدستورية في أغسطس 2019؟

كان من الأفضل أن تكون الفترة الانتقالية محدودة، لا تتجاوز العام، كما فعل المشير الراحل سوار الذهب، وأن يكون هنالك مجلساً خالصاً من العسكريين يشرف على الشؤون السيادية وقضايا الأمن القومي ويضمن الأمن في البلاد حتى قيام الإنتخابات، فذلك سيكون أكثر تناسقاً، ومن ثم تشكيل حكومة مدنية تدير الشأن التنفيذي وترتب للانتقال عبر تنظيم الإنتخابات، ويكون هناك مجلس قضائي ومحكمة دستورية، لكن دخول الأحزاب بأجندتها لإدارة الفترة الإنتقالية هو  الذي أفشل تلك الفترة وخلق الأزمات.

“هذا هو الطرف الذي فض اعتصام القيادة العامة وليس الجيش، ولا بد من استكمال التحقيق في هذا الموضوع”

*من الصعوبة بمكان أن نتجاهل ما حدث في ميدان الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش، خصوصاً وأنك كنت شاهد على ما جرى، فمن الذي فض ذلك الاعتصام؟

قوات الدعم السريع هى التي قامت بفض الاعتصام، وكذب من يقول أن القوات المسلحة فعلت ذلك أو شاركت فيه.

  *هل كانت قوات الدعم السريع تتحرك دون تنسيق مع قيادة الجيش؟

الخطة المتفق عليها كانت تتحدث عن فض امتداد الاعتصام عند ما عُرف بمنطقة (كولومبيا) أسفل جسر النيل الأزرق، لأنها أصبحت وكراً للمخدرات، وحسب الاجتماع الذي حضرته فقد كان الترتيب مقتصراً على منطقة كولومبيا، وهى منطقة منفصلة عن ميدان الاعتصام، وأن يتم ذلك بواسطة قوات الشرطة، وقد أكد مدير عام قوات الشرطة وقتها أن لديهم الخبرة والقوة الكافية للقيام بذلك، لكن الدعم السريع تجاوز ما تم الإتفاق عليه ، وليس صحيحاً ما يقوله البعض  “جات قوات من تلك التي كلفت بفض منطقة كولومبيا وقامت بفض اعتصام القيادة ، فهذا غير صحيح، الدعم السريع هو الذي فض اعتصام القيادة وقد اتضح أنه كانت لديه خطة متكاملة، وقد تحركت قواته من أربع مناطق حول الخرطوم.

*من أين جاءت بالتحديد؟

من معسكر طيبة في منطقة جبل أولياء، ومن كرري ومن شرق النيل، وكذلك من الجيلي، وهى قوات تحت قيادة ضباط في الدعم السريع تحركت بشكل منسق ووصلت إلى نقطة معينة أمام القيادة العامة وقامت بفض الاعتصام، أما القوات المسلحة فلم يشارك منها لا ضابط ولا جندي واحد في فض الاعتصام.

*طيب بما أن الاعتصام كان أمام القيادة العامة، لماذا لم يتحرك الجيش ويحمي المعتصمين؟

بالفعل كانت هنالك قوة من الجيش في رئاسة القوات البرية وقد تحركت ناحية الدعم السريع مع بدء إطلاق النار على المعتصمين، ولكن بعض قادتها أوقفوها، وكانت تقديراتهم أنهم إذا تدخلوا وحصل اشتباك سوف يتضاعف عدد الشهداء وسط المدنيين، خصوصاً وأن مكان المعتصمين يقع وسط القوتين وعلى مرمى النيران، كان هذا تبريرهم، ويمكن لأي لجنة تحقيق أن تتقصى في الأمر، وتطرح ذلك السؤال، والشهود كلهم موجودين.

  *هل صحيح أنك أدليت بشهادة أمام لجنة التحقيق في فض الاعتصام التي يرأسها نبيل أديب وماذا دار خلف الكواليس؟

نعم، وكان ذلك أثناء سير محاكمتنا بتهمة تقويض النظام الدستوري، أو الانقلاب على النظام القائم حينها، وذهبت فعلاً وطالبت اللجنة أن تكون شهادتي تحت القسم لكن اللجنة لم تقبل ذلك وقالت إن إجراءاتها تتم بدون قسم، وأدليت بشهادة كاملة توضح مَن  الذي خطط وفض اعتصام القيادة.

   *ما علاقة فض الاعتصام والظروف الأمنية والسياسية حينها بالتخطيط للانقلاب الذي تم اتهامكم به؟

قبل المحاولة التي تم اتهامنا بها كانت هنالك محاولتان، فكل الظروف الأمنية والأوضاع الاقتصادية في البلاد كانت تحرض على ذلك.

*متى كانت تلك المحاولات الانقلابية؟

الأولى كانت أيام البشير، والثانية بعد رحيل نظام الإنقاذ، وفي المرة الأولى كان هنالك أكثر من 37 ضابطاً اُعتقلوا وتم التحقيق معهم وأطلق سراحهم، وفي المرة الثانية كان فيها 13 ضابطاً تم التحقيق معهم أيضًا وأطلق سراحهم.

*ماذا تريد أن تقول بالضبط؟

الأجواء العامة في البلاد  كانت مشحونة، وفي مثل هذه الظروف طبيعي أن تكون هنالك آراء وأفكار مختلفة داخل القوات المسلحة.

“ليس صحيحاً أن حميدتي استجوبني، والفيديو الذي تمّ بثه هو جزء من مواجهة كلامية في بيت الضيافة كان طرفها الآخر هو والرئيس البرهان”

*من أكثر الفيديوهات تداولاً وأثار سخط الشارع ما رشح عن تولي حميدتي التحقيق معك في تلك المحاولة، فهل حقق معك حميدتي بالفعل؟

– أبداً، هذا لم يحدث، والحقيقة أن مواجهة كلامية ساخنة تمّت بيني وكل من الفريق البرهان وحميدتي في بيت الضيافة، حول التحركات داخل القوات المسلحة، ويبدو أن ذلك الحوار كان مسجلاً بكاميرا سرية ومنه تمّ اجتزاء الفيديو الذي تتحدث عنه، وقد كان حميدتي منفعلاً ويريد أن يلصق تهمة محاولة الإنقلاب بالنظام السابق، أما التحقيق معي ومع المتهمين الآخرين فقد تمّ بواسطة رئيس هيئة الاستخبارات ومدير عام جهاز الأمن والمخابرات.

*هل صحيح أنك سبق ورفضت تدريب قوة من الدعم السريع في سلاح المدرعات؟

– نعم صحيح..

*وماهى ملابسات تلك الواقعة ؟

كان ذلك في العام 2013 وقتها كنت قائداً لسلاح المدرعات، جاءني أحد الضباط برتبة لواء وتربطني به علاقة مميزة، وقال لي أنه جاء ليطلب مني الموافقة على تدريب 70 فرداً من الدعم السريع على المدرعة الروسية المتطورة BNP وكانت هنالك علاقة شخصية  تربط بيني وذلك الضابط، وقد علمت أنه تمّ تكليفه بذلك إثر إجتماع انعقد برئاسة فريق أول متقاعد حينها، وكان حميدتي ضمن حضوره، لبحث أوضاع الدعم السريع.

*كيف كانت وضعية قوات الدعم السريع وقتها؟

لم تكن تتبع للقوات المسلحة، وكان حميدتي قائد ثاني لتلك القوات برتبة عميد، ولم يكن هو الرجل الأول فيها، وقد رفضت تدريبهم، وهو أمر طبيعي فأي قائد عسكري، متشبع بقيم القوات المسلحة، كان سوف يتصرف بنفس الطريقة.

*لماذا رفضت تدريبهم وقد جاءك الطلب عبر صديق تثق فيه ؟

لأن طريقة تكوين وتجنيد تلك القوات لم تكن مطمئنة لنا، وهى في أساسها مليشي، ولا يمكن أن نمكنها من سلاح استراتيجي مثل المدرعات، والرفض هذا لم يكن مني فقط وإنما كان من كافة ضباط سلاح المدرعات، وإلى اليوم هم على العهد، نسأل الله أن يتقبل شهداءهم ويشفى جرحاهم، وهذا تأكيد على وفاء ضباط وجنود القوات المسلحة لشعبهم وحرصهم على أمن وسلامة الوطن.

*في تقديرك ما سر اهتمام وحرص حميدتي على سلاح المدرعات والهجوم المتواصل عليها خلال هذه الحرب رغم الخسائر الكبيرة في صفوف قواته؟

لأنه يخشى سلاح المدرعات، ويريد أن يضمن أن يكون لديه سلاحاً وقوة من المدرعات، وهذا يؤكد أن نوايا حميدتي للاستيلاء على السُلطة قديمة، وهو أخذ يتمدد في مساحات كثيرة على حساب القوات المسلحة.

*أي مساحات تقصد؟

حرصه على تدريب قواته لم يكن على سلاح المدرعات فقط، وإنما كان يخطط لإمتلاك قوات بحرية وجوية، وإنشاء كلية حربية، ولم يكتف بذلك بل حاول الحصول على 250 قطعة مدرعة منها (100 دبابة T72) ، و(150 مدرعة BTR وBMP)، ولكن الاستخبارات العسكرية كشفت تلك المخططات، وجرى ترتيب وتنسيق لإفشالها، وقد تمّ ذلك بحمد الله.

*ما يزال سؤال، مَن الذي أطلق الرصاصة الأولى في الحرب الحالية يتم تداوله، هل لديك معلومات حول هذا الأمر ؟

هناك لغط كثير حول هذه النقطة بالتحديد، ورغم أنني لم أكن بالخدمة وقت بداية الحرب، لكن الذي أستطيع أن أؤكده  هو أن حميدتي كان يجهز للاستيلاء على السلطة منذ وقت مبكر جداً، فالإشارات والدلائل واضحة، وهو قد جلب عدداً من القطع المدرعة إلى داخل العاصمة، ودرّب أعداداً كبيرة وضمها تحت قيادته، وقام  باحتلال مطار مروي قبل ساعة الصفر، وكانت عنده قوات جاهزة لاحتلال مطار كنانة وكذلك مطار الأبيض، وحشد قواته في المدينة الرياضية وجهزها قبل يوم 15 أبريل، وهناك رواية أعتقد بوجاهتها تقول إن القوات المسلحة وهي تراقب تحشيد قوات الدعم السريع في المدينة الرياضية، أرسلت قوة محدودة ،أقرب لقوة الاستطلاع ، لتقلق الطريق بين القيادة العامة والمدينة الرياضية في حال تحركت قوات الدعم السريع نحو القيادة العامة، وكانت قوات حميدتي وقتها قد احتلت مطار مروي، وربما حدثت توتر بين تلك القوة المحدودة وقوات الدعم السريع المحتشدة في المدينة الرياضية، صباح يوم 15 أبريل، لكن ما أستطيع أن أؤكده هو أن خطة حميدتي للاستيلاء على السلطة بدأ تنفيذها عملياً منذ يوم 12 أبريل وأن القوات المسلحة كانت في جميع مواقعها في وضعية دفاع، في حين أن الدعم السريع هو الذي بدأ العدوان.

*كيف تقرأ سير المعارك العسكرية بين القوات المسلحة وميليشيا الدعم السريع بعد مرور 16 شهراً؟

هذا جانب يحتاج إلى تفصيل كثير، ولكن ما يمكن قوله هو أنه في بداية الحرب حشد التمرد أعداداً كبيرة جداً تقدر بقرابة المائة ألف وربما تزيد، وكان ممسكاً ببعض المواقع الاستراتيجية حول وداخل العاصمة بما يمكنه من السيطرة على العاصمة في دقائق، ولكن بعد توفيق من الله وتصدي الحرس الرئاسي لتلك المؤامرة، والتضحية بأرواحم فداءاً للقائد العام، باعتباره يمثل رمزية للجيش، أجهضوا تلك المحاولة، ورفعوا الروح المعنوية للقوات المسلحة، ليتوالى الصمود وتتوالي الانتصارات بعد ذلك في كرري والمهندسين والمدرعات والقيادة العامة وسلاح الإشارة وغيرها من المواقع.
ومع إيماني بأن النصر في الأول والآخر من الله سبحانه وتعالى، فأنا أثق أن القوات المسلحة سوف تنتصر في نهاية الأمر، وما نراه الأن من جملة مؤشرات يؤكد أن المعركة في خواتيمها، وأن النصر قريب.

“توجيهات قادة الدعم السريع وتصرفاتهم أوضح دليل على أن الهدف من هذه الحرب تهجير المواطنين، وإحلال آخرين مكانهم”

  *كيف تنظر إلى انتشار الدعم السريع في عدد من الولايات واستهدافه المواطنين والأعيان المدنية؟

توجيهات قادة الدعم السريع وتصرفاتهم مع المواطنين من نهب وقتل وتدمير وإغتصاب أوضح دليل على أن الهدف من هذه الحرب هو تهجير المواطنين، ومنعهم حتى من التفكير في العودة إلى بيوتهم وأعمالهم، كما أن الشعب السوداني بكافة مكوناته هو المستهدف الأول من هذه الحرب، وليس القوات المسلحة فقط، نحن مستهدفون في قوميتنا و وحدتنا، وفي مواردنا وفي توجهاتنا، وعلى الشعب أن يكون واعياً بهذه المخططات.

*بأي قوة بشرية يقاتل حميدتي في هذه الحرب؟

حميدتي تجاوز قوانين القوات المسلحة في التجنيد، وجند مرتزقة من 9 دول أفريقية، من تشاد والجنوب وأثيوبيا والنيجر وليبيا، وحتى معه ضباط من الإمارات.

*كيف ترى السيناريو الذي ستنتهي إليه الحرب؟

هنالك ثوابت يجب أن نعلمها قبل أن نخوض في ذلك، ومنها أن القوات المسلحة السودانية قوية وذات خبرة قتالية متراكمة، وهنا لا بد أن نشكر الرعيل الأول، وكل ما قاموا به من جهد وتضحيات في تطوير وتأهيل القوات المسلحة، وطالما أن الشعب السوداني داعم ومُلتف حول القوات المسلحة وهى وفية له فلن يتغلب عليها أحد.
وأحب أن أطمئن الشعب السوداني وأتمنى أن لا يقلق، الحرب في نهاياتها ونحن موعودين بنصر مؤزر، وحتى إذا كانت هنالك أخطاء في بعض المعارك فهى ليست مقصودة، الجيش والأمن والحركات المسلحة والمجاهدين والمقاومة الشعبية، وكذلك الإعلام الايجابي، كلهم مشهود لهم بالوفاء والصدق، وهذه الجهود ستقود إلى النصر بإذن الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى