القيادة الغائبة في السودان: القائد المنظومي أم التقليدي؟ (2-4)

د. إسماعيل ساتي
استعرضنا في الحلقة الأولى من هذه السلسلة مفهوم القيادة المنظومية، وسنحاول في هذه الحلقة أن نجيب على سؤال: مَن هو القائد المنظومي وماذا يفعل وما هي خصائصه؟ وكيف نميّزه عن القائد التقليدي؟
فالقائد المنظومي هو مَن يركِّز جهوده على إدراك وفهم جميع ما يبصره من مناظيم؛ علاقاتها الترابطية والتفاعلية، وحلقات التغذية الراجعة، والأنماط الناشئة؛ بدلاً من معالجة المكونات المنعزلة بطريقة تفتيتية كما سبق وأشرنا بالجزء الأول من مقالنا.
والقائد المنظومي يمكن التعرف عليه بسهولة عند مقارنته بالقائد التقليدي. فهو (أو هي) تهتم برسم خرائط تبين العلاقات والتفاعلات بين الأشخاص والعمليات والبيئة التي يحيون فيها. هم من يرون المجتمع أو المنظومة البيئية ككائن حي ينبض ولا يروها من منظور ميكانيستي له مدخلات ومخرجات يسهل التنبؤ بها في بيئة داخلية مغلقة.
ومن الأدوات الأساسية التي يحتاج لها القائد المنظومي والتي سنؤخر بيان تفاصيل بعضها لمقالات مستقبلية، ما يلي:
• مخططات تبين حلق السبب والنتيجة (Causal-loop diagrams)
• النمذجة المنظومية (Systems Archetypes)
• نماذج “المخزون والتدفق” (Stock and flow models)
• تحليل اللماذات الخمسة للوصول إلى جذور المشكلة (The 5-Whys to trace root causes of a problem)
• رسم حدود للمنظومة قيد الدراسة (Boundaries) يشترك في تحديدها أصحاب الشأن لتمثيل وجهات نظر متعددة.
*مقارنة القائد المنظومي مع القائد التقليدي*
*• الإطار الزمني:* إطار القائد التقليدي الزمني من يتراوح بين سنة إلى خمس سنوات، أما القائد المنظومي فالزمن عنده لحظي، والتغيير مستمر على المديات القصيرة والمتوسطة والطويلة، والأهم عنده هو التركيز اللحظي على إدراك الأنماط التي تشكل سلوك المنظومة وبالتالي وضع يده على الخلل.
*• صياغة المشكلة:* يركز القائد التقليدي على تحديد العقبة الكؤود الكبرى التي تسبب المشكلة، بينما يدرس القائد المنظومي لتفعالية وترابطية أجزاء المنظومة ويتعلم منها حتى ولو أدى جهده لعدم حلها، فالأهم عنده هو التعلّم من الرحلة وليس الوصول للوجهة.
*• أسلوب اتخاذ القرار:* يتبنى القائد التقليدي الأسلوب التوجيهي والتشاوري، بينما يدعم القائد المنظومي التشاركية للتجارب التكرارية (Iterative Experiences) مع أصحاب الشأن لتطوير قدراتهم الإبداعية.
وعليه، فليس غرض القائد المنظومي هو اتخاذ القرار الصائب بقدر ما هو التعلّم من التشاركية تعلّماً منظومياً.
*• نقاط الرفع:* للقائد التقليدي أذرع رفع محددة كالحوافز والموارد، أما القائد المنظومي فنقاط الرفع لديه تكمن في تحسين هيكلية وديناميكية المنظومة وتسليك قنوات تدفق المعلومات.
*• معايير النجاح:* يضع القائد التقليدي أهدافاً ومؤشرات أداء يقيس بها مستوى النجاح. بينما معايير النجاح لدى القائد المنظومي ترتكز على قدر المرونة والتعلم الذاتي الذي يبرز للمشاركين وأصحاب الشأن.
*• التوجه:* يقوم القائد التقليدي بالتركيز على تحديد الرؤية وتحقيق الأهداف، بينما يبني القائد المنظومي قدرته وقدرة جميع المشاركين على فهم مستمر لترابطيات وتفاعلات المنظومة ومن ثم التعلّم والتطور.
*• التعامل مع المخاطر:* يسعى القائد التقليدي إلى تقليل التباين للحد الأدنى، بينما يستثمر القائد المنظومي هذا التباين كمصدر للتعلّم.
*• أسلوب التواصل:* يغلب على القائد التقليدي أسلوباً تواصلياً رأسياً، بينما أسلوب التواصل لدى القائد المنظومي هو شبكي ومتعدد الأصوات.
*• وأخيراً،* يركز القائد التقليدي على التبادلية: “افعل (س) فتحصل على (ص)”، بينما يُركز القائد المنظومي على النشوئية والإبداع المشترك.
*الخلاصة:*
• القائد المنظومي يهتم بالأنماط الناشئة والتي تكمن تحت السطح عن سلوك المنظومة عبر الزمن ولو طال، ويضع يده على الترابطية بين أجزاء ومكونات المنظومة وتفاعلياتها؛ بينما القائد التقليدي يركز على الأهداف أو الأفراد أو العمليات في إطار تفتيتي منعزل.
• القيادة المنظومية ليست لقباً وظيفياً بقدر ما هي ممارسة مستمرة لرؤية يشترك فيها جميع المشاركين وأصحاب الشأن بلا استثناء، لاستكشاف الترابطية بين مكونات المنظومة قيد الدراسة، وصقل قدرة القائمين عليها على التعلم المنظومي.
وبعد أن عرفنا المقصود بالقائد المنظومي وفهمنا كيف هو مختلفاً عن القائد التقليدي، دعونا نطبق هذه المعرفة على أمثلة لمجريات بلادنا، السودان.
وهذا ما سوف نطلع عليه في الجزء الثالث من هذه السلسلة.