
جنيف – المحقق
سجلت المنظمات الدولية ولأول مرة منذ اندلاع الحرب في السودان انخفاضاً في أعداد السودانيين النازحين، وهو تطور يتزامن مع انتصارات القوات المسلحة في الميدان و إحساس المدنيين بالطمأنينة والتطلع لغد أفضل مما يحفزهم للبقاء في مناطقهم و عودة مَن نزح أصلا بعد أن اختفى مصدر التخويف والترهيب و انتفت الحاجة إلى النزوح.
فقد أعلنت منظمة الهجرة الدولية أن أعداد النازحين داخليًا في السودان قد انخفضت بنسبة 2.4% خلال الأشهر الثلاثة الماضية، لتسجل بذلك أول انخفاض موثق منذ اندلاع الحرب قبل نحو عامين. ولكن المنظمة لم تشر إلى أن هذه الفترة هي نفسها الفترة التي بدأت فيها القوات المسلحة السودانية في الانفتاح وأخذ زمام المبادرة هجوماً، عوضاً عن الوضع السابق في ميادين القتال، وهي ذات الفترة التي شهدت إستعادة مناطق واسعة في النيل الأبيض وفي ولايات الجزيرة وسنار والخرطوم و شمال كردفان والتي التي توجت باستعادة القصر الجمهوري ومطار الخرطوم وإعلان رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان “الخرطوم حرة”.
والنزوح في أبسط تعريف له هو خروج المواطن من مكان إقامته الأصلي إلى موقع آخر دون طوعه بحثاً عن الأمن أو المأوى أو السكن و المأكل و العلاج مما لا يتوفر أو حرم منه لسبب خارج وقاهر في منطقته، وقد يكون السبب طبيعياً كالكوارث الطبيعية وقد يكون بفعل الإنسان كالحروب مثلا أو الصراعات المجتمعية أو القبلية الخ.
وتقول منظمة الهجرة الدولية إن هذا الانخفاض يعزى في المقام الأول إلى عودة النازحين إلى مواطنهم الأصلية وهو أمر يعد في خانة الايجاب لكن المنظمة تنبه بأن العائدين يذهبون إلى مناطق تضررت بشدة، حيث تعاني من نقصٍ كبيرٍ في المأوى والغذاء والبنية التحتية والتعليم وغيرها من الخدمات الأساسية.
و يشير بيان صحفي أصدرته المنمة اليوم (الخميس) إلى أنه في ديسمبر 2024، عاد 396,738 شخصً إلى مواطنهم الأصلية في ولايات الجزيرة وسنار والخرطوم وهي حركة تعكس “تحولًا حذرًا ولكنه مُفعم بالأمل”، حيث تسعى المجتمعات المحلية إلى استعادة منازلها واستئناف حياتها بعد أشهر من الصراع العنيف.
ومع هذا الجانب الموجب فقد تزامن معه ازدياد النزوح من ولايتي شمال دارفور والنيل الأبيض بسبب تفاقم انعدام الأمن، بما يعني وفقا للمنظمة أن الحاجة ما تزال مرتفعة للغاية ومستمرة إلى زيادة المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء السودان.
و نقلت المنطمة عن السيد محمد رفعت، رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في السودان، قوله أنه “في حين يتوق الكثيرون للعودة إلى ديارهم، إلا أن ظروف العودة الآمنة والمستدامة وإعادة الاندماج في مجتمعاتهم لم تتهيأ بعد”.
وأضاف: “الخدمات الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية والحماية والتعليم والغذاء، شحيحة، وسيُصعّب نقص البنية التحتية العاملة والقدرة المالية على الأسر إعادة بناء حياتها”.
ويقول بيان المنظمة إنه ووفقًا لآخر تحديث لمصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة، يوجد في السودان حاليًا ما يُقدر بـ 11,301,340 نازحًا داخليًا، بمن فيهم النازحون قبل وبعد بدء النزاع. وقد نزح غالبية النازحين داخليًا من الخرطوم وجنوب وشمال دارفور. وعبر حوالى أربعة ملايين شخص الحدود إلى الدول المجاورة، غالبيتهم إلى مصر وجنوب السودان وتشاد.
ويعيش معظم النازحين داخليًا في ظروف إنسانية هشة، مع محدودية الوصول إلى الخدمات الأساسية. أكثر من نصف النازحين أطفال، 27% منهم دون سن الخامسة. ويكشف التقرير أن الفتيات دون سن 18 عامًا يشكلن حوالي 28% من النازحين داخليًا.
وتنفذ المنظمة الدولية للهجرة أنشطة استجابة طارئة منذ بدء الأزمة، حيث قدمت مساعدات فورية منقذة للحياة لما يُقدر بنحو 3.8 مليون شخص في السودان والدول المجاورة حتى الآن.
و تقول المنظمة إن الدعم الإنساني أمر بالغ الأهمية لضمان العودة الآمنة وتوفير الإغاثة الفورية، مثل الغذاء والمأوى والرعاية الصحية والحماية، والوصول إلى الخدمات الأساسية لمساعدة هؤلاء السكان على التعافي وإعادة بناء حياتهم.