الهيئة الوطنية للمفقودين وضحايا الجرائم الجماعية

عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
كشفت صحيفة الغارديان البريطانية عن مقبرة جماعية تضم أكثر من 500 شخص، يُعتقد أنهم تعرضوا للتعذيب أو التجويع حتى الموت قبل دفنهم سرًا داخل قاعدة لقوات الدعم السريع شمال الخرطوم. ووفقًا لمصادر عسكرية، عُثر على ناجين بحالة صحية متدهورة وعليهم آثار تعذيب منهجي، فيما وصفت هيومن رايتس ووتش الموقع بأنه “أحد أكبر مسارح الجرائم الفظيعة في السودان”، مطالبةً بفتح تحقيق دولي.
هذه الفاجعة تؤكد الحاجة الملحة لإنشاء هيئة وطنية للمفقودين وضحايا الجرائم الجماعية، تتولى توثيق حالات الاختفاء القسري، وتقديم إجابات لعائلات الضحايا، والعمل على تحقيق العدالة عبر آليات قانونية واضحة. هذه الهيئة يجب أن تشمل قاعدة بيانات وطنية للمفقودين، وأن تتلقى البلاغات من الأسر عبر مكاتب ميدانية وخطوط ساخنة، مع تقديم الدعم القانوني والنفسي لهم. كما ينبغي أن تتولى تنسيق الجهود بين الشرطة والنيابة العامة لإجراء تحقيقات فعالة، إضافةً إلى التعاون مع المنظمات الدولية المتخصصة لضمان تحقيق العدالة وكشف الحقيقة.
قد يتساءل البعض: لماذا لا تتولى الشرطة والنيابة هذا الملف؟ الواقع أن هذه القضايا تتطلب تعاونًا بين عدة جهات، بما في ذلك القانون، الطب الشرعي، والتنسيق الدولي، وهي مهام تتجاوز الإمكانيات التقليدية للمؤسسات القائمة. كما أن استقلالية الهيئة يمنحها مرونة وفاعلية أكبر، مما يعزز مصداقيتها أمام الرأي العام.
السودان ليس الدولة الوحيدة التي واجهت مثل هذه التحديات. فبعد حرب البلقان، تأسست اللجنة الدولية لشؤون المفقودين (ICMP) عام 1996 وساهمت في تحديد هويات آلاف الضحايا عبر تحليل الحمض النووي. في كولومبيا، أُنشئت وحدة المفقودين عام 2016 بعد اتفاق السلام، وركزت على البحث عن المقابر الجماعية. أما المكسيك، فقد أنشأت لجنة وطنية للبحث عن المفقودين عام 2017 لمعالجة حالات الاختفاء القسري.
كل يوم يمر دون إنشاء هذه الهيئة يعني ضياع الأدلة وصعوبة التعرف على الضحايا، خاصة مع تحلل الجثث بمرور الوقت. كما أن آلاف الأسر تعيش في قلق دائم دون معرفة مصير أحبائها. وتشير تقارير عدة إلى أن هذه المقبرة الجماعية ليست الأولى، فقد وثقت صور الأقمار الصناعية وجود مقابر أخرى في عدة ولايات سودانية.
إن إنشاء الهيئة الوطنية للمفقودين وضحايا الجرائم الجماعية لم يعد خيارًا، بل ضرورة وطنية وإنسانية، لأن غياب العدالة سيُبقي آلاف الأسر في حالة انتظار مؤلم، ويهدد بطمس الحقائق دون محاسبة المسؤولين عنها.