رأي

‘بشيرو’ السنغالي والتحولات المرتقبة

د. حسن عيسى الطالب

 

انتخاب الرئيس السنغالي – بشيرو فاي – البالغ من العمر 44 عاما وبنسبة 54% من جملة أصوات الناخبين، بعد أن ظل معارضاً سجيناً، لأنه أضحى وقتها ناطقاً جاهراً باسم الجيل المتحرر ثقافياً، والمنتمي وطنياً، الذي نبذ الارتكاس للشروط الاستعمارية لفرنسا، التي ظلت تستخدم البلاد كنقطة انطلاق لسياستها الخارجية الأفريقية، ومثال صارخ لإرثها الثقافي، ومرءآة لهيمنتها السياسية على الشعوب، وذلك منذ الاستقلال الذي مُنح للبلاد في مطلع الستينيات من القرن الماضي. وقد تعزز انتصار “بصيرو” بعد توحيد أحزاب المعارضة، وتوجيه المعارض عثمان سونكو، المحكوم عليه قضائياً بالحرمان من الترشح، مؤيديه لدعم بصيرو.

وقد تعهد الرئيس الجديد بمحاربة الفساد عبر الجهاز القضائي وانعاش الإقتصاد الوطني بالشراكات الواسعة والانفتاح.

لقد أثبتت السنغال التي ظلت تجري فيها الانتخابات منذ استقلالها عام 1960م، أن شعوب أفريقيا تتوفر لديها القدرة والإرادة لإدارة شئونها دون تدخل خارجي. وقد تعزز هذا الافتراض في السنغال بقوة وحكمة المحكمة الدستورية وجسارة قضاتها، الذين لم تأخذهم لومة لائم في إنفاذ حكم القانون، حيث قضت بعدم دستورية قرار تأجيل موعد الانتخابات، التي حاول تمديدها الرئيس مكي صالح (سال) في فبراير الماضي، وقصد بذلك التصرف توفير حظوظ أوفر لمرشح حزبه ورئيس الوزراء الأسبق أحمدو با.

نتذكر ههنا بإعزاز موقف مولانا القاضي الدكتور محمد علي أبو سبيحة، الذي أنصف المظلومين المحكوم عليهم تعسفياً من موظفي الخدمة المدنية والدبلوماسيين بقرارات لجنة التمكين المسيسة والظالمة الهادمة، التي كانت السبب الأساسي في تقويض شعارات العدالة والحرية والتغيير والتطلع لسودان الأفضل.

فالسنغال دولة متواضعة المساحة، تغطي أراضيها أقل من 200 ألف كيلومتر مربعا، ويقطنها حوالي 18 مليون من السكان، ولا يتعدى الدخل السنوي للفرد 3500 دولار أمريكي.

بيد أن هذا الحدث السياسي يعد تحولاً مفصلياً على نطاق مسيرة الديمقراطية والتداول الدستوري للرئاسة في أفريقيا عموما، وفي منطقة أفريقيا الغربية خصوصاً. إذ ظل مرتقباً منذ أمد مديد، ومن لدن إطلاق مبادرة الشراكة الجديدة للتنمية في أفريقيا NEPAD التي تتعزز ببرنامج الحكم الراشد والتحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة السياسية، عبر الآلية الأفريقية لمراجعة النظراء APRM التي اعتمدت منذ إعلان تأسيس الإتحاد الأفريقي عام 2002 بمدينة ديربان بجنوب أفريقيا.

يمضي هذا التحول السنغالي المفصلي في الإتجاه الصحيح من مسير الزمن والتاريخ، ولتأكيد إمكانية الإستقلال السياسي، والانعتاق الحقيقي لدول أفريقيا من حكم شعوبها بالوكالة عن المستعمر، وخاصة في عموم مستعمرات فرنسا الخالفة، التي ظلت مقهورة ثقافياً واقتصادياً ومعزولة سياسياً عن إرثها الحضاري، ومحيطها الجغرافي، بقبضة فرنسا الخانقة وعقليتها الاستعمارية الناشزة.

هذا أوان صعود الجيل الجديد في أفريقيا الناهضة، الذي تشرب قيم الوطنية وأدبيات التحرر الشامل، فانقطعت وشائجه الثقافية ومشاربه القيمية بالإرث الاستعماري المفروض، بعد مرور ٦٠ عاما من خروج المستعمر جسديا وانزواء النخب المؤتمرة بولاءاته.

لا شك أن هذا التحول السياسي المهم سوف يعزز من خطوات التحرر الأفريقي، وتحقيق الاستقلال الثقافي، في منطقة الساحل وغرب أفريقيا عموما، وإبدال حكومات النخب المصطنعة المؤدلجة بحكومات تمثل إرادة الشعوب وخياراتها. ولا يزال أوار جيشان التحولات السياسية النازعة للتحرر والانعتاق، يحظى بالتنامي المضطرد في دول مثل بوركينافاسو ومالي والنيجر وجوارها، التي اضطرت للانقضاض عسكرياً لمجابهة القهر العسكري الفرنسي المفروض على الأرض، ولبناء وتعزيز السيادة الوطنية المستندة على الثوابت الشعبية والأولويات القومية، لا لخدمة الأجندة الاستعمارية والامتثال للإملاءات الأجنبية التي استنتها نخب ما بعد الإحتلال التي تشربت قيم الاستعمار وثقافته ففرضتها على الشعوب المقهورة التي سلطت عليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى