بنك السودان المركزى يستيقظ ولكن بعد…
بروفسور أحمد مجذوب أحمد
طالعنا السيد محافظ بنك السودان ببيان عن الغاء فئات عملات من التداول بسبب مخاطر تتهدد الوضع النقدي فى البلاد، وقد لجأ البنك المركزىً لذلك لأن نهباً قد أصاب المؤسسات وتزويراً قد اعترى عملتنا الوطنية ، بعد مضى (18) ثمانية عشر شهراً من حدوث الكارثة الاقتصادية المالية والنقدية.
نحن نكتب هنا عن البنك المركزى المؤسسة التى تمثل ضلعاً أساسياً فى النشاط الاقتصادي المالي والنقدي والمصرفي.
أين كانت طيلة هذه الفترة السابقة التى امتلات بالمقالات والتنبيهات للمخاطر المحدقة بالاقتصاد من جراء عمليات النهب والسلب والتدمير للبنى التحتية الاقتصادية التى قام بها المتمردون ، فطالت ذات البنك المركزي، رئاسته وفروعه وكافة الأجهزة المصرفية، منذ اللحظات الأولى للتمرد ، ما حدث لم يكن سراً مكنوناً ، وإنما حدث وثقته فيديوهات التمرد قبل أن توثقه كاميرات الشرفاء من أبناء هذا الوطن الغالى.
وقد كتبت – وكتب غيري – منذ الأيام الأولى منبهين لأهمية المعالجة الاقتصادية وإتخاذ التدابير اللازمة للإصلاح أولا بأول وتقليل الآثار السالبة وتجنب الأضرار..
ففى 3 يونيو 2023 كتبت ( أن الملف الاقتصادي لا ينفصل عن الملفات الأخرى ويزيد عليها بأنه يمثل القاعدة الأساسية التي تساعد على سلامة سير الملفات (الأمنية والإنسانية والإعلامية والخارجية)، وأكدت أن معالجة التحدي الاقتصادي تؤمن مسيرة القوات المسلحة فى تحرير وتأمين الوطن)،
وذكرت فى موضع آخر من ذات الخطة، عن أهمية تكوين مجموعة عمل للملف الاقتصادى من المختصين في الجانب الحكومي و القطاع الخاص. تتفرع عنها مجموعات عمل متخصصة مثل: القطاع المالي
• القطاع النقدى والمصرفى
• الصادر (مؤسسات وسلع واجراءات)..
وأن تختص مجموعات العمل هذه ب (إصدار القرارات الإدارية والمالية اللازمة لتسهيل وتنزيل الإجراءات الاقتصادية وحشد الموارد لمقابلة الأولويات وتقنين هذه الاجراءات. واستدعاء الكوادر المفتاحية فى وزارات القطاع الاقتصادي للعمل مع وزير المالية فى تنفيذ البرنامج الاسعافي المتناسب مع الظروف الأمنية و يتولى الوزير قيادة كل المجموعات العمل.
. والجهات المستهدفة هي : (المالية / البنك المركزي / الجمارك /الضرائب/الزراعة/المعادن /الكهرباء/ الصناعة …الخ).
كما اقترحت الآتي في محور تمكين الجهاز المصرفي من ممارسة مهامه المصرفية:
– إصلاح نظم الدفع القومية ونظم شركة(EBS)
– إصلاح النظم التقنية الداخلية لكل مصرف والتأكد من وجود واستخدام النسخ البديلة والاحتياطية لتأمين المعلومات.
– تمكين المصارف من مقابلة السحب على الودائع بمنحها تسهيلات تمويلية لسد العجز السيولى المتوقع
– معالجة مشكلة شبكات الاتصال لأنها روح التقنية المالية .
– دراسة العمليات التمويلية للقطاع الانتاجي والخدمي والتجاري بإعادة جدولتها.
كما كتبت فى 26 سبتمبر 2023 في مقال عن أسباب تدهور سعر صرف الجنيه ، وعن دور نظم التقنية المصرفية فى تسهيل التحويل من حساب لحساب وإنشائها لسوق موازي واسع خارج رقابة البنك المركزي ، وذكرت أن المشكلة ليست فى النظم التقنية المالية والمصرفية، لأن المصارف لا تملك تقييد المودع عن التصرف فى وديعته، وإنما المشكلة في البنك المركزي الذى يصدر السياسات الموجهة للمصارف لضبط وتنظيم التحويل من حساب لحساب.
وما كتب عن الاقتصاد ومؤسساته والبنك المركزي وسياساته ، كان كافياً للمساعدة فى تنبيه القائمين على حجم التحديات والمخاطر لاتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة القائم منها و المتوقع، لكن : لقد أسمعت لو ناديت حياُ ** ولكن لا ……..لمن تنادي.
سؤال يخطر على بال كل عاقل: أين كانت قيادة البنك المركزي السابقة والحالية من هذه التطورات ؟ هل كانوا نائمين أو منومين طيلة الفترة الماضية ، ثم فجأة تذكروا أن هناك أموالاً منهوبة من البنوك ومن المواطنين ؟ والكل يعلم أن ذات رئاسة وفروع البنك المركزى نهبت بما فيها مطابع العملة ، فهل البنك المركزي لم يعلم بذلك طيلة الفترة الماضية ، في حين أن القاصي والداني يعلم أن أوراق البنكنوت المنهوبة تم تداولها قبل أن يتم ترقيمها ولا حتى قصها.
ولكن لئن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي، وهذا القرار يتطلب جملة من التدابير ، فتغيير واستبدال العملة إجراء متزامن يتم إعلانه و تنفيذه في الظروف العادية عند استلام العملات الجديدة ، بالسحب التدريجي للعملة الملغاة والتعامل بالجديدة، أو في الظروف الطارئة يتم الاستبدال الفوري عند إكمال إجراءات طباعة واستلام العملة البديلة ، لأن التأخير عن التنفيذ قد يدفع بكثير من العملاء لاتخاذ إجراءات تحميهم من أى آثار سالبة لإيداع أموالهم لدى المصارف وخاصة المشكوك فيها ، مثل شراء العملات الأجنبية مما يؤدي لانخفاض سعر صرف الجنيه الذى يشهد تحسنا طفيفا خلال الأسابيع الماضية ، أو شراء معادن أو سلع (محاصيل وغيرها) وهذا الاجراء يضعف أثر السياسة خاصة فى حق المستهدفين بها، وتنقل العبء لآخرين يصبحوا ضحية لخلل الإجراءات ، ولهذا فلابد من تبني حملة إعلامية مصاحبة لهذه الاجراءات لضمان تحقيق أهداف سياسة استبدال العملة.
كما ينبغي المحافظة على ثقة الجمهور فى النظام المصرفي ، لأن اهتزاز هذه الثقة يؤدي إلى إحجام المودعين عن الإيداع وازدياد السحب للمبالغ المودعة .وهذا عمل يؤكد الحاجة لخطة إعلامية محكمة تخلق قدرا من الطمأنينة.
لأن المحافظ إن لم يكن قد اتخذ التدابير اللازمة قبل القرار ، فإن قراره هذا سيكون بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير.
أشار البيان إلى أن دوافع ذلك هو: وجود عملات مجهولة المصدر ؟ وهنا فإن على البنك المركزي إعلان الجمهور بنوع وخصائص العملة مجهولة المصدر ، لأنه لا يقل اهمية عن اجراءات الإلغاء والاستبدال، حتى يراجع كل مواطن ما بحوزته من عملة ، وهو يعلم مصدرها الذي استلمها منه ، ولا أظن أن أجهزتنا الأمنية والاستخباراتية وفنيو البنك المركزي والمصارف لا يعلمون مصدر وصفات هذه العملة.
ومما ينبغي الاهتمام به والترتيب له هو: كيف تتعامل المصارف مع حاملي هذا النوع من العملات مجهولة المصدر؟
من الحقائق المعلومة أن المطابع التى تتعامل في العملة محدودة ومعروفة عالميا بل وحتى الشركات المصنعة لماكينات الطباعة معلومة وأن الشركات المنتجة لورق العملة معلومة، فهل تعجز مؤسساتنا عن معرفة من يشنون عليها مثل هذه الحرب؟ وما هي الضمانات إذا لم تتخذ الأجراءات القانونية اللازمة ضد المزورين ، حتى لا تواصل ذات الجهات فى طباعة العملة الجديدة؟
إن التوسع فى التقنية المالية وتحقيق الشمول المالي ونشر نقاط البيع وتسهيل فتح الحسابات وإصدار البطاقات الائتمانية هو المخرج من هذه الدوامة، والكل يعلم أن بعض فئات العملة تقل قيمتها عن تكلفة طباعتها، ولا سبيل غير التوسع فى التقنية المالية وسن التشريعات اللازمة التي تنظم ذلك وتلزم جمهور المتعاملين بالدفع عبر بطاقات الدفع الآلي ، ولم تعد نظم التقنية المالية مكلفة كما كانت من قبل، فهي تحتاج فقط للقرارات الحاسمة من الأجهزة المختصة.
ولنا عودة