رأي

بين أبريلين .. استنساخ التاريخ و صناعة الكارثة

سلمى حمد

تاريخ متكرر في ذاكرة الشعب السوداني. في 6 أبريل 1985 أطاحت القوات المسلحة بقيادة المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب بالرئيس النميري الذي تصاعدت الاحتجاجات والمظاهرات على حكمه بعد أن بطش بجميع التيارات والأحزاب السياسية، و آخر من انقلب عليهم هم الاسلاميين بعد مصالحة ناهزت السبع سنوات .. فقد النظام أحد أقوى حلفائه، وتحرك الشارع ضده بمظاهرات واحتجاجات لم تفتر ليلاً ونهاراً، وشاركت فيها كل التيارات السياسية والشعبية وانحاز لهم الجيش.

كانت البلاد حينها تمر بأزمة إقتصادية خانقة وكان التمرد في جنوب السودان يقاتل بشراسة و الحرب في اتساع .. و أذاع المشير سوار الذهب البيان الأول وأعلن عزل النميري عن السلطة و وعد بإجراء الانتخابات بعد عام واحد .. وشكل حكومة تكنوقراط غير حزبية، ترأسها نقيب الأطباء د. الجزولي دفع الله الذي لم تستطع التيارات الداخلية أو القوى الخارجية جره ليكون طرفاً في الصراع السياسي، فلم يعادي جهة ولم يصرح ضد حزب أو ضد تيار فكري أي كان .. وتعالت أصوات اليسار مطالبين حينها بإقصاء الإسلاميين وأسموهم ب (السدنة) أي سدنة نظام مايو برغم أن انقلاب مايو في 1969 كان صناعة يسارية خالصة، وطالبوه بإلغاء قوانين الشريعة الإسلامية فلم يفعل . و التزم بأنه رئيس وزراء لفترة انتقالية تنحصر مهامها في الحفاظ على أمن واستقرار البلاد واستقرار اقتصادها حتى قيام الانتخابات التي يختار فيها الشعب من يحكم وكيف يحكم، وأن نتائج الإنتخابات هي مَن تقصي أو تتوج و البرلمان المنتخب هو من يُشرع .

و نجح سوار الذهب و دكتور الجزولي دفع الله في العبور بالبلاد إلى بر الأمان وتسليم السلطة في ميعادها إلى الحكومة المنتخبة والبرلمان المنتخب.

ظلت 6 أبريل 1985 ذكرى عظيمة في نفوس الشعب وسفر التاريخ. و سعى البعض إلى صناعة 6 أبريل جديدة في العام 2019. وعمل لصناعة ذات الظروف .. أزمة اقتصادية فاقمتها قرارات إقتصادية خاطئة عن عمد ، واحتجاجات شعبية قوبلت بعنف مستفز وتراخٍ أمني مقصود .. ثم صناعة مشهد اعتصام جماهيري حول القيادة العامة في انتظار البيان الأول .. وقد كان. .. وبدل البيان أثنان في 11 أبريل ثم 12 أبريل .. ولكن، لم يكن بين أسوار القيادة سوار الدهب بصرامته التي لا تلين والتزامه بحيادية القوات المسلحة ورمزيتها التي ترفض أن تكون طرفاً من أطراف الصراع السياسي، و بزهده في السلطة والتزامه بعهده وحرصه على قومية و وحدة القوات المسلحة والتزامها الأخلاقي تجاه كل الشعب .. ولم يكن هناك د. الجزولي دفع الله الذي استعصم فلم يخضع لأي ابتزاز سياسي من أي جهة كانت . وقاد البلاد كرئيس وزراء مدني حر لا يحابي أحدا ولا يظلم أحداُ، فأدار دولاب البلاد بمهنية وحنكة لا تقبل التطفيف فلم يسمح لجهة داخلية أو خارجية بأن تتدخل في شؤون حكومته أو أن تملي عليه قراراً ولم ينشغل بالكيد السياسي والتصريحات الجوفاء حتى أوصل البلاد إلى صناديق الانتخابات ؛ أما النسخة المقلدة الرديئة فقد بأن عوارها من أول يوم عندما ظل الحصار منعقداً حول القيادة العامة . ورفضت قوى اليسار وحلفاؤها أن تكون الإنتقالية ذات مهام محددة تختص بحفظ الاستقرار وإيصال البلاد إلى محطة التحول الديمقراطي كما هو متوقع منها ، فسعت لإقصاء مخالفيها ومارست ضدهم فاشية مدنية و وضعت وثيقة دستورية معيبة لتكرس وجودها في السلطة دون شرعية انتخابية، وشكلت حكومة محاصصات حزبية ضيقة وفشلت في إدارة البلاد، وانهار الاقتصاد، وضاعت السيادة الوطنية فأصبحت دول الجوار والسفارات ومندوبو الأمم المتحدة هم من يديرون البلاد وهم من يرسمون خطها السياسي ، و تدحرجت البلاد نحو القاع حتي أسلمنا اعتصام 6 أبريل حول القيادة العامة إلى حرب 15 أبريل وحصار القيادة العامة، الذي تم فكه بعد معارك ضارية بعد عام وتسعة أشهر من الحصار ليكون أحد أهم بشريات النصر الذي يمضي نحو الاكتمال بأذن الله ..

ذكريات 6 أبريل الأولى والثانية جديرة بالوقوف عندها واستخلاص الدروس والعبر .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى