تأخير تشكيل الحكومة.. التأثير على عجلة دوران الاقتصاد السوداني

المحقق – نازك شمام
في الأول من يونيو الماضي، أعلن رئيس الوزراء السوداني د. كامل إدريس عن حل الحكومة وتكليف الأمناء العامين ووكلاء الوزارات بتسيير المهام حتى تشكيل حكومة جديدة.
ويعيش السودان حالة فراغ تنفيذي منذ ذلك الوقت، في ظل ظروف أمنية بالغة التعقيد، مما يزيد من تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
ومنذ أدائه القسم، شرع رئيس الوزراء السوداني في بدء المشاورات لتكوين الحكومة، غير أن ثمة خلافات باتت تطفو على السطح تعمل على تأخير تشكيل الحكومة.
وأكد رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، لدى مخاطبته فعاليات المؤتمر الرابع لتمويل التنمية بإسبانيا، أن السودان خطى خطوات مهمة في مسيرته نحو الاستقرار المدني عبر تعيين رئيس مدني لمجلس الوزراء في الحكومة المدنية الانتقالية.
وأضاف أن هذا التعيين يعكس إرادة السودان الثابتة في استكمال مؤسسات الدولة وتعزيز الانتقال المدني الديمقراطي، تمهيدًا لبناء مستقبل أفضل للشعب.
*بداية التشكيل*
وكبداية لتشكيل الحكومة، أصدر إدريس الأسبوع الماضي قرارًا بتعيين الفريق حسن داؤود كبرون كيان وزيرًا للدفاع، كما تضمن القرار ذاته تعيين الفريق شرطة بابكر سمرة مصطفى علي وزيرًا للداخلية. غير أن الفراغ التنفيذي القائم بالبلاد يتسبب في تعطيل دولاب العمل ويؤثر بشكل بالغ على دوران عجلة الاقتصاد القومي.
*تسليم التصاديق*
وطفت آثار هذا الفراغ على السطح، وانعكست بصورة واضحة في غياب بعض الخدمات المقدمة للقطاع الاقتصادي، في ظل غياب واضح للإجراءات والترتيبات المنظمة في عدد من القطاعات.
وأكد رجل أعمال – فضل حجب اسمه- على تعطل العمل بوزارة الاستثمار وعدم تسليم تصاديق المشروعات الاستثمارية.
وقال في حديثه لـ”المحقق” إن وزارة الاستثمار أوقفت تسليم تصديقات المشروعات الاستثمارية بسبب غياب الوزير خلال الفترة الماضية.
وأوضح أن الوزارة لم تصدر تفويضًا لشخص آخر للتوقيع على التصديقات، بالإضافة إلى وجود مشاكل فنية بالنظام المالي للوزارة.
وكشف عن أن الوزارة بدأت أمس الأول في تسليم بعض التصديقات القديمة، لافتًا إلى أن التأخير في تشكيل الحكومة سيخلق بلبلة وتأخرًا في الإجراءات، مما يؤثر سلبًا على المناخ الاستثماري المتأثر أصلًا بظروف الحرب.
*تداعيات اقتصادية*
من جهته، يرى الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي، سنهوري عيسى، أن هناك تداعيات اقتصادية عديدة لتأخر تشكيل الحكومة، تشمل تأمين إمدادات السلع والخدمات وتأمين مخزون استراتيجي من السلع الأساسية، خاصة بالولايات التي تتأثر بفصل الخريف سلبًا نتيجة لانقطاع الطرق وارتفاع تكلفة الترحيل والمضاربات في أسعار السلع والمغالاة من قبل التجار، إلى جانب تأمين إمدادات السلع واللوجستيات للقوات المسلحة قبيل حلول فصل الخريف.
ويقول عيسى لـ “لمحقق” إن التأثير سيشمل الاستعدادات للموسم الزراعي الجديد، مضيفًا أن الزراعة مواقيت.
وأوضح أنه “حانت مواقيت الزراعة بالقطاعين المطري والمروي، ولابد من تأمين احتياجات الموسم الزراعي مبكرًا لضمان نجاحه”.
*فقدان الموارد*
وأشار إلى أن تأثر العمل بدولاب الدولة مما انعكس بصورة مباشرة على تحصيل الإيرادات، خاصة التي بنيت عليها الموازنة العامة للدولة من رسوم جمركية وضرائب ورسوم مصلحية تفرضها الوزارات الخدمية، كوزارات الصحة والتربية والتعليم العالي والزراعة والتجارة والثروة الحيوانية والصناعة والداخلية والخارجية والمعادن والموانئ، وغيرها من المؤسسات الإيرادية، إلى جانب تأثر حركة الاستيراد والتصدير وانعكاسها على إعمار ما دمرته الحرب بمناطق العودة الطوعية.
ولفت سنهوري عيسى إلى تأثير فقدان الموارد عن طريق التهريب، خاصة تهريب الذهب والثروة الحيوانية والمنتجات الزراعية كالصمغ العربي والمعادن والإبل، فضلًا عن التأثير النفسي للمواطن الذي يعول على الحكومة الجديدة، والتي تواجه عسرًا في الولادة واختلافات حول المناصب.
*تباين واسع*
وبدوره، يقول الخبير الاقتصادي والمحلل السياسي د. محمد تورشين أن مسألة تأخير تشكيل الحكومة معقدة للغاية، وربما هناك تباينًا واسعًا في وجهات النظر بين الجهات المعنية المنوط بها المشاركة في الحكومة، خاصة حركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق سلام جوبا.
وقال تورشين لموقع “المحقق” الإخباري إن هذا التباين “ساهم في تعقيد مسألة الإسراع في تشكيل الحكومة، وهذا سيؤثر بشكل سلبي على عمل الحكومة في المستقبل”.
وأشار إلى أن هذه المسألة قد تجعل عمل الحكومة غير متجانس ومتوائم مع الخطة التي أطلقها رئيس مجلس الوزراء، وسيكون الأمر شبه مستحيل.
وأوضح أن التفاؤل بشأن مستقبل عمل الحكومة بقيادة كامل إدريس قد يكون بعيدًا كل البعد عن الواقع، لأن ذلك بدأ يظهر الآن بشكل واضح من خلال التباين في وجهات النظر والتأخر في تشكيل الحكومة.