تقارير

تصريح بيريللو بنشر قوات في السودان… التوقيت والمآلات

خبراء لـ "المحقق" التصريح مربك وغير مناسب ويزيد من تعقيد الأمور

القاهرة – المحقق- صباح موسى

في وقت يبذل فيه المبعوث الأمريكي الخاص بالسودان توم بيريللو مساعي وجهود كبيرة لإقناع الحكومة السودانية للمشاركة في مفاوضات جنيف، كشف المبعوث عن قنوات اتصال مع الاتحاد الأفريقي بخصوص تهيئته لإعداد وتجهيز قوات للتدخل في السودان بهدف حماية المدنيين.

خطوة جديدة
وكشف المبعوث الأمريكي الخاص للسودان عن خطوة جديدة في المرحلة المقبلة تتعلق بوقف النزاع في السودان، بعد تعثر محادثات جنيف في التوصل إلى وقف إطلاق النار والعدائيات، بسبب رفض الجيش السوداني المشاركة فيها.
وقال بيرييلو، الأربعاء الماضي، خلال لقاء مجموعة محدودة من ممثلين عن المجتمع المدني في العاصمة الكينية نيروبي، «فتحنا قنوات اتصال مع الاتحاد الأفريقي بخصوص تهيئته لإعداد وتجهيز قوات للتدخل، بهدف حماية المدنيين في السودان، لكنه أحجم عن الكشف عن الوقت المحدد لذلك».،  موضحاً أن هناك «إجماعاً كبيراً من دول العالم، برز خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، على وقف الحرب في السودان، والعودة إلى مسار الحكم المدني الديمقراطي. غير أن الضغط على الطرفين المتحاربين في الوقت الراهن يعد غير كافٍ لتحقيق ذلك.

استهجان وتساؤلات
هذا التصريح للمبعوث الأمريكي آثار استهجان كثير من القوى السياسية والمدنية السودانية والمراقبين للأوضاع في السودان، معتبرين أن مثل هذا التوجه يعقد الأزمة أكثر، وأنه سيزيد من رفض الحكومة السودانية للمشاركة في مفاوضات جنيف، مع تساؤلات واسعة حول جدوى التصريح في وقت يحقق فيه الجيش السوداني انتصارات كبيرة على أرض المعركة، كما لاقى تبرير بيريللو بأن نشر قوات في السودان هو طلب تنسيقية القوى المدنية تقدم، استياءا ملحوظا في الأوساط السودانية، مؤكدة  أن تقدم التي أصبحت منبوذة جماهيرياً على نطاق واسع في البلاد، أصبحت فاقدة أيضاً للرؤية والبوصلة السياسية.

فما هي قراءة هذا التصريح للمبعوث الأمريكي الخاص للولايات المتحدة في السودان في هذا التوقيت، وماهي مآلاته على المشهد السوداني، وهل يؤدي إلى مشاركة الحكومة السودانية في جنيف أم سيزيد الأمور تعقيداً وهل الاتحاد الأفريقي نفسه يدعم هذا الاتجاه ويحضر لنشر قوات بالسودان؟

غير مناسب
من جانبه رأى وكيل وزارة الخارجية السودانية المكلف حسين الأمين أن تصريح بيريللو – إن صح – فهو غريب. وقال الأمين لـ “المحقق” إن التصريح يأتي في وقت قام فيه مجلس السلم والأمن الأفريقي بزيارة السودان والتقى برئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وذلك بمبادرة كريمة من الرئاسة المصرية للمجلس،  مبينا أنه لم يتم التطرق خلال الزيارة إلى موضوع نشر قوات في السودان، مضيفاً: نرى أن أي حديث عن هذا الموضوع في هذا التوقيت من أي جهة كانت غير مناسب في ظل تطورات الوضع ، موضحا أنه لاجديد حتى الآن بشأن مفاوضات جنيف، وبسؤاله عن طلب “تقدم” نشر قوات في السودان قال الأمين لا تعليق.

رفع التجميد
من جهته لفت نائب الأمين العام لحركة العدل والمساواة الدكتور محمد زكريا إلى أن حراك الإتحاد الأفريقي الآن مربوط برئاسة مصر لمجلس السلم والأمن الأفريقي. وقال زكريا لـ “المحقق” إن القاسم المشترك في لقاءات وفد المجلس في بورتسودان مع القوى السودانية هو ضرورة رفع تجميد عضوية السودان في الإتحاد الأفريقي، مضيفاً استشهدنا في لقاءاتنا مع الوفد بأحداث كثيرة في القارة لم يتخذ فيها الاتحاد قرارات مثلما أخذ في السودان، موضحاً أن الاتحاد يربط بين رفع تجميد العضوية وتشكيل حكومة تصريف أعمال مدنية في السودان، وقال إن موقف القوى السياسية مؤيد لاتجاه تشكيل حكومة جديدة، مستدركاً في الوقت نفسه أن التوافق على تشكيل حكومة مهم لكنه يتطلب حيز من الوقت والتفكير والاتصالات، وتابع لكن هذا لا يعني عدم تشكيل حكومة، ومن جانبنا قدمنا رؤى ومقترحات لهذا التشكيل ونأمل في التنفيذ قريباً.

تصريحات مربكة
وأشار زكريا إلى أن مسألة نشر قوات لم تطرح في نقاشات الوفد في بورتسودان، وقال لكننا أكدنا رفضنا القاطع لأي تدخل عسكري في البلاد، وتلقينا تطمينات من رئيس الوفد بأنهم لا يدعمون هذا الاتجاه، واصفا تصريحات بيريللو في هذا الموضوع بـ “المربكة”، وقال لم تدر أو تطرح نقاشات حول هذا الموضوع في الاتحاد الأفريقي، واتضح أن الطلب جاء من تقدم وليس من المبعوث، مؤكداً أنه في ظل التعقيدات الحالية التي يمر بها الإتحاد الأفريقي، لن يستطيع المضي قدما في هذا السيناريو، وأن الشعب السوداني لن يوافق عليها، موجها اللوم لـ “تقدم” التي طلبت من المبعوث ذلك، وقال بشكل عام الملاحظ أن خطط المبعوث تجاه الملف السوداني تعاني من ارتباك واضح، مضيفا إذا كانت أمريكا حريصة على الحل في السودان عليها بالرجوع لإعلان جدة في مايو 2023، وبحث آليات تنفيذ هذا الإتفاق، مؤكدا أن هذا هو المدخل السليم، وأن أي حلول أخرى لن تجد قبولاً سواء من الحكومة أو الجيش أو القوى السياسية.

مجرد تلويح
بدوره أوضح رئيس تحرير صحيفة التيار عثمان ميرغني أن تصريح بيريللو جاء موازيا لمسار التفاوض. وقال ميرغني لـ “المحقق” إن التصريح يشير إلى أنه إذا لم ينجح مسار التفاوض فهناك طريقة أخرى خلف الكواليس من تقرير لجنة تقصي الحقائق  التي تتبع مجلس حقوق الإنسان والذي أوصى بنشر قوات، مضيفاً تلك التوصية ستنفذ عن طريق الإتحاد الأفريقي بنشر قوات غير محددة هل هي أفريقية أم قوات هجين، معتبرا أن هذا التصريح مجرد تلويح وأنه لم يصل بعد مرحلة التنفيذ في محاولة للضغط على الحكومة للمشاركة في مفاوضات جنيف، وقال إنه يظل سيناريو قائم، وإنه في كل الأحوال هناك خارطة طريق للحل، ورأى أن هذا خطأ من حيث المبدأ، وأنه سيزيد من ممانعة المشاركة في جنيف، وسيزيد الأزمة تعقيدا، وقال إن تصريحات بيريللو غير موفقة، وأنها ستفهم خطأ في ظل انتصارات الجيش الأخيرة، وستعطي انطباعا على أنها تقطع الطريق على هذه الانتصارات.

قلة الخبرة
وحول طلب تقدم بنشر قوات في السودان، قال ميرغني إن تقدم لديها مشكلة حقيقية في الرؤية، وإنها تحاول انتزاع أدوار في المشهد السياسي، مضيفاً أنها عادة تتجه للأسلوب الخطأ، ونتج عن ذلك أنها في وضع لا تحسد عليه جماهيريا، وأنها أبعد مايكون عن الجماهير داخل وخارج السودان، معتبرا أن قرارات تقدم الخطأ ناتج عن قلة الخبرة السياسية، وقال إن تقدم تحاول أن ترضي أطرافاً دولية غير واضحة في المشهد، مبينا أن هناك عدم قبول لهذا الدور من الجانب الأمريكي، مؤكدا أن هذا دليل على عدم قدرة تقدم على ادارة العملية السياسية، في الوقت نفسه لفت ميرغني إلى أن السودان إذا لم يستجب للمشاركة في جنيف ستصعد توصية لجنة تقصي الحقائق إلى مجلس الأمن، وقال إنه قد لايفضي ذلك إلى نشر قوات أممية بصورة مباشرة، ولكنه قد يفضي إلى إعلان حظر الطيران، مؤكدا أن هذا السيناريو خطير وأنه سيزيد أوضاع المدنيين سوءا، وسيكون هناك مزيد من الفوضى والتنظيمات المتطرفة.

تعقيد الموقف
ورأت مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتورة أماني الطويل أن أي نوع من التدخل العسكري سواء كان اقليميا أو دوليا سيساهم في تعقيد الموقف. وقالت الطويل لـ “المحقق” لدينا تجارب كثيرة في أفريقيا بنشر قوات في عدد من دولها، ووجدنا أنها زادت من التنظيمات الإرهابية، واستعدت المقاومة الشعبية وصعدت من تعقيد المشهد في هذه البلدان، مستشهدة ببعثة اليوناميد في دارفور من قبل والتي كان يتم الهجوم عليها، داعية إلى التحلي بقدر من الصبر في الأزمة السودانية، وعدم اتخاذ مسار فرض حلول من هذا النوع، معتبرة أن آداء بيريللو لم يكن أفضل في الفترة الأخيرة، وأرجعت ذلك إلى احباطه في جنيف بعد التجهيزات الكبيرة التي رتبها لهذا المنبر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى