رأي

جرائم الحرب: جريمة الإبادة الجماعية

د.إيناس محمد أحمد

تعتبر جريمة الابادة الجماعية جريمة دولية لها اتفاقية دولية خاصة بها ،

فقد اعتمدت الأمم المتحدة اعتمدت نص اتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية والمعاقبة عليها في 9 ديسمبر 1948 ، بعد الحصول علي التصديقات العشرين اللازمة وفقاُ للمادة 13 ، وبدأ سريان الاتفاقية في 12 يناير 1951.

وقد استُخدم تعبير الإبادة الجماعية لأول مرة من الباحث البولندي رافائيل ليميكين في كتابه (حكم المحور في أوروبا المحتلة) والذي صدر في أواخر العام 1944، وقد تمت صياغة نص الاتفاقية علي ثلاث مراحل:

1/ وضعت الأمانة العامة للأمم المتحدة مشروعاُ للنص ، والذي اعتمده ثلاثة من الخبراء هم (رافائيل ليملكين، فسياسيان بيلا ، هنري دونيديودي فاير) ، باعتباره خلاصة لمفاهيم من شأنها مساعدة الجمعية العامة للأمم المتحدة وليس محاولة لتقديم نص يمكن استخدامه لأي تسوية سياسية.

2/ تكوين لجنة متخصصة تحت سلطة المجلس الاقتصادي الاجتماعي لصياغة مشروع الأمانة العامة.

3/ اتخذت اللجنة السادسة للجمعية العامة مشروع اللجنة المتخصصة أساساً للمفاوضات التي أجرتها في أواخر العام 1948 ، والتي تمت الموافقة فيها علي النص النهائي للاتفافية وتقديمه إلى الجمعية العامة لاعتماده رسميا في جلسة عامة.

وقد شكلت المناقشات التي سبقت اعتماد اتفاقية منع الابادة الجماعية إرثاً قانونياً مكّن العالم من اعتماد ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية، بعد مرور نصف قرن من الزمان. إذ لم تنعقد المحكمة الدولية لتطبيق هذه الاتفاقية لأول مرة إلا بعد صدورها بحوالي خمسة عقود ، وذلك من خلال العمليات القانونية القضائية التي اعقبت الصراع في عدد من الدول كما حدث في رواندا ويوغسلافيا سابقا، حيث اعتبرت مذبحة سربنيتشا، ومذبحة صبرا وشاتيلا، وما قام به النازيون الألمان ضد اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية، وما يحدث في غزة من الاحتلال الصهيوني كلها نماذج دولية لجريمة الإبادة الجماعية، وينطبق ذات الوصف على ما يحدث في السودان الآن من قتل جماعي يستهدف المدنيين من قبل المليشيا المتمردة، وما يحدث من استهداف عرقي لعرقيات معينة ودفنهم أحياء، بما يشكل جريمة إبادة جماعية.

إن سعي المجتمع الدولي لوضع اتفاقية مستقلة لمنع جريمة الإبادة الجماعية يجعله أمام تحدٍ في الوفاء بالالتزامات الدولية وأهمها التزام الدول بمنع الجريمة ، والالتزام بسن تشريع ووضع عقوبات لمرتكبها، فضلاً عن الالتزام بالتعاون الدولي في مجال تسليم المتهمين والمجرمين، وقد منحت المادة التاسعة لمحكمة العدل الدولية ولاية قضائية علي المنازعات بين الدول الأطراف فيما يتعلق بتفسير الاتفاقية وتطبيقها.

والملاحظ للاتفاقية يجد أنها في مادتها الأولى أوضحت أن جريمة الإبادة الجماعية يمكن ارتكابها في وقتي السلم والحرب ، بمعني أنه لا يشترط وجود نزاع مسلح حتي تقع جريمة الإبادة الجماعية، وتربط المادة أيضاً بين المنع والعقاب.

كذلك أوردت في المادة الثالثة قائمة بأربعة أفعال إضافية لجريمة الإبادة الجماعية بالإضافة إلي الارتكاب الفعلي المباشر للجريمة ، وهي: التواطؤ علي ارتكاب الجريمة، أو المشاركة في ارتكاب الفعل ، أو ارتكاب أفعال تمهيدية تؤدي لارتكاب الجريمة، أو التحريض المباشر العلني لارتكاب الجريمة.

كما تلزم المادة الرابعة رؤساء الدول وغيرهم من الشخصيات السياسية الرئيسية بعدم الحق في الدفع بالصفة الرسمية.

وتلزم المادة الخامسة الدول بأن تسن قوانين وتشريعات متوافقة مع الاتفاقية.

ويكون بموجب المادة التاسعة لمحكمة العدل الدولية الولاية القضائية علي المنازعات المتصلة بتفسير او تطبيق أو إنفاذ الاتفاقية.

ومن المهم الإشارة إلى أن جريمة الإبادة الجماعية لا تسقط بالتقادم وأن مرتكبها لا يستفيد من أي حصانة ، إذ يتم ملاحقة المتهمين بارتكابها دون النظر إلى مناصبهم سواء كانوا حكاماً، أو موظفين عامين أو أفراداً عاديين.

ولابد أن نشير هنا إلى مبدأ عالمية العقاب بمعنى أن لكل دولة الحق في القبض علي مرتكب جريمة الإبادة الجماعية دون النظر إلى جنسيته، أو مكان ارتكاب الجريمة وتقديمه للعقاب في أية دولة طرف في الاتفاقية، وقد كان هذا هو المعمول به إلى أن تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية فأصبح لها الاختصاص في ذلك.

أيضاً لا يجوز العفو أو التنازل عن الحق القانوني كله أو جزء منه في جريمة الإبادة الجماعية، لأنها من أخطر الجرائم الدولية، ويقصد بالعفو هنا العفو (الخاص) حيث يملك رئيس الدولة السلطة التقديرية في العفو عن المجرم بعد أن تثبت إدانته، فيسقط عنه العقوبة المحكوم بها كلياً أو جزئياً ،

أو العفو (العام) و يتمثل في إجراء تشريعي يكون الغرض منه إزالة صفة الإجرام عن كل فعل مدان طبقا للقانون.

من كل ما سبق لا يجوز العفو في جريمة الإبادة الجماعية، وقد تم التأكيد علي عدم العفو كمبدأ في عدد من الاتفاقيات مثل الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليه ، واتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب المترتبة ضد الانسانية، ومبادئ التعاون الدولي في تعقب واعتقال وتسليم ومعاقبة الأشخاص المتهمين بارتكابها.

كما نلاحظ ان النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لم يشر لأي نظام عفو لجريمة الابادة الجماعية.

لقد سمحت السوابق القضائية لمحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية وضع نهج تقييدي لتفسير الأفعال التي تشكل جريمة إبادة جماعية يستند في اطاره القضائي لعدد من الأفعال مثل التطهير العرقي والهجمات المماثلة ضد جماعات من المدنيين بهدف تشريدهم ونهبهم.

كما اوضحت الاتفاقية أن ارتكاب الفعل أو التآمر بغرض ارتكابه أو التحريض عليه أو الاشتراك في ارتكاب الفعل أو المساعدة علي ارتكابه كلها مجرمة قانوناً، وتتعهد الأطراف المتعاقدة في مثل هذه الحالات بتلبية طلب التسليم وفقاً لقوانينها المتوافقة مع معاهداتها الدولية التي تستوجب التعاون مع الجهات الدولية ذات الصلة.

لجريمة الابادة الجماعية مبادئ وأحكام قانونية تلزم أعمالها كافة الدول بصرف النظر عن كونها دولة متعاقدة أم لا ، فهي مبادئ دولية معترف بها ، تستهدف تحقيق غايات انسانية وحضارية تتمثل في حماية الحياة للجماعات البشرية، وتتلخص في:

1/ جريمة الإبادة الجماعية جريمة دولية ، تقع تبعاتها علي الدولة من جهة وعلي الاشخاص الطبيعيين مرتكبي الجريمة من جهة أخرى ،سواء ارتكبت في أثناء الحرب أو السلم.

2/ لابد من توافر صفة في المجني عليهم ، بأن تكون قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية ، تتعرض لأفعال إبادة جماعية.

3/ الصفة غير السياسية لجريمة الابادة الجماعية ، وفقا للمادة 7 من الاتفاقية إذ لا تعتبر جريمة الإبادة الجماعية والأفعال المنصوص عليها في المادة 3 من الجرائم السياسية ، فيما يتعلق بتسليم المجرمين ، وتتعهد الدول المتعاقدة في هذه الحالة بإجراء التسليم وفقا لتشريعاتها والمعاهدات القائمة في هذا الشأن.

4/ لابد من التعاون الدولي للقضاء علي جريمة الابادة الجماعية، حيث لا يمكن القضاء علي هذه الجريمة بالمواثيق الدولية المكتوبة أو العرفية فقط، لذلك لابد من تعاون دولي ميداني جاد علي أرض الواقع ، بعيداً عن التقاطعات والمصالح السياسية بتفعيل مبدأ عالمية العقاب بحيث يحق لأية دولة إلقاء القبض علي المتهم وتقديمه للمحاكمة دولياً، وكذلك أن يتم تسليم المجرمين المدانين في جريمة الإبادة الجماعية مباشرة وبأسرع وقت، وتقديم مبدأ حماية الإنسانية أولاً كمبدأ دولي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى