رأي

جنوب أفريقيا .. ماذا دهاك؟

عثمان صديق

أكبر السوادنيون كثيراً ما أقدمت عليه جنوب أفريقيا بتقديم شكوى رسمية ضد الكيان الإسرائيلي، لما ارتكبه من جرائم وانتهاكات ضد المدنيين العزل من أهل غزة الفلسطينية، واعتبروا هذا موقفاً مشرفاً، يليق بموطن مانديلا، في الدفاع عن المظلومين والمستضعفين والوقوف ضد الظالمين والمعتدين وسفاكي الدماء.

لكن شعب السودان أصابته الدهشة وأخرسته الصدمة عندما عرف أن نائب رئيس مجلس السيادة، القائد مالك عقار ، غادر محتجاً، جلسات المنتدى السنوي الذي أقامته مؤسسة أمبيكي في جنوب أفريقيا، حول الأمن والسلم في القارة السمراء ، حيث أفاد عند عودته للبلاد بأن السبب وراء ذلك هو وصول وفد من مليشيا الدعم السريع المتمردة، للمشاركة في ذات المنتدى، الأمر الذي عدَّه القائد مالك عقار – وهو محق – استسهالاً لحرمة دماء الشعب السوداني، ومحاولة لإجبار السودانيين على التعايش مع جرائم المليشيا وانتهاكاتها لكل القوانين والشرائع، وهو أمر غير مقبول.

وأوضح عقار ، في إفادات صحفية عقب مغادرته جلسات المؤتمر، إن دعوة وفد المليشيا الفاشية للمشاركة في مؤتمر عن السلم والأمن في أفريقيا يشكل استهانة بالغة بما يتعرض له السودانيون على يد مرتزقتها المجرمين.

إن الكثيرين ليتساءلون: ما هو الفرق بين جرائم الاحتلال الاسرائيلي في أرض فلسطين وجرائم مليشيا الدعم السريع في السودان ؟ أليس هو نفس القتل والتشريد للمواطنين العزل واحتلال وتدمير المنازل والمرافق العامة واستهداف حتى المستشفيات بمن فيها من المرضى؟

لماذا تستقبل مؤسسة جنوب أفريقية، يقوم عليها خليفة مانديلا، مَن كان سبباً في كل المأساة التي يعايشها شعب السودان “أزمة وصفتها المنظمات العالمية بأنها أسوأ مأساة إنسانية يشهدها العالم في الوقت الراهن” ؟

ألم تعلم مؤسسة إمبيكي بأن ضحايا الحرب التي أشعلتها مليشيا الدعم السريع ، وتصر على مواصلة السير فيها، قد بلغوا عشرة مليون (رُبع سكان البلاد تقريباً) ما بين نازح ولاجيء ؟ ألم يعلموا أن المواطنين في الولايات والمدن التي دنستها المليشيا المارقة عن الدين والأخلاق والإنسانية نزحوا إلى المناطق والولايات تحت سيطرة الجيش الوطني؟ بعد أن عانوا القتل والنهب والتشريد القسري من ديارهم ، وحرموا حقوقهم الأساسية في الأمن والعمل والإنتاج وحرية التنقل ؟

لقد دمرت المليشيا المجرمة كل المرافق الخدمية من مستشفيات ومدارس وأسواق وحقول زراعية ونهبت أموال الناس ومدخراتهم ومحاصيلهم ومواشيهم.. وفوق ذلك كان هناك التطهير العرقي لأهل غرب دارفور وتصفية والي الولاية ، خميس أبكر، والتمثيل بجثته لأنه من قبيلة المساليت !!

ما هو تبرير استقبال وفد لمجرمي حرب يهرب المواطنون منهم خوفاً على أنفسهم وأعراضهم ؟ ما هي النتائج التي كنتم تتوقعون من لقائه (المتوهم) بنائب رئيس مجلس السيادة ؟ هل للاعتذار علنا عن جرائمهم والتعهد بتنفيذ تعهداتهم في منبر جدة بالخروج من منازل المواطنين ومن الأعيان المدنية ؟ أم كنتم تريدون اقحام المليشيا شريكاً في السلطة؟ هل كنتم تتوقعون أن يرضى بهم الشعب (عشرة مليون نازح واثنين مليون لاجيء) أن يكونوا على سدة الحكم؟ من يأمنهم على نفسه وماله وعرضه وهم الذين فعلوا ما فعلوا وهم شركاء في السلطة، فماذا كانوا سيفعلون عندما تكون السلطة كلها في يدهم؟ إفراغ السودان من كل مواطنيه ؟

لقد ساهم السودان بقدر كبير في دعم ومساندة معظم حركات التحرر الأفريقية من الاستعمار الغربي، ومن بينهم المناضل نيلسون مانديلا الذي رفضت سلطات الفصل العنصري منحه جواز السفر حتى لا يفضح جرائمهم أمام العالم .فانبرى السودان لذلك ومنحه جواز سفر سوداني دعماً لنضاله المشروع ضد الظلم والعدوان، وهو لا يمتن بذلك وإنما يعده من واجباته.

لقد تورطت عدد من الدول الأفريقية بدعم خارجي في دعم مليشيا الدعم السريع بالسلاح والمؤونة والمرتزقة وفتح الحدود لقتل وتشريد السودانيين، وقد كنا نتوقع أن تقوم جنوب أفريقيا بإدانة السلوك الاستعماري والغزو الأجنبي ضد السودان – الدولة الافريقية – وأن تدين تواطؤ بعض دول الجوار لدورها في تقويض استقرار دولة جارة ودعمها لفصيل متمرد يحاول الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح.

كما كنا نتوقع من الاتحاد الأفريقي أن يرسل فريق خبراء للتقصي في الجريمة التي يتعرض لها السودانيون والتحقق من الأدلة التي قدمها السودان ، فتجميد عضوية السودان لايلغي وجوده الجغرافي داخل القارة، كما لا يعني التخلي عن حماية الشعب الذي لجأ الى إثيوبيا مقر رئاسة الاتحاد الأفريقي كما لجاوا إلى تشاد الدولة التي أتى منها رئيس مفوضية السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي، وأيضاُ واجهوا صعوبات كثيرة.

كنا نتوقع أن يصدر الاتحاد الأفريقي إدانة شديدة اللهجة لدولة تشاد لأنها فتحت أجواءها وحدودها لدخول المعدات والآليات الحربية القادمة من الخارج، وكذلك المرتزقة وتسهيل دخولهم إلى الأراضي السوادنية وهم يعلمون أنها معدات لدعم المجهود الحربي لمليشيا الدعم السريع. وبالضرورة أن يكون رئيس مفوضية السلم والأمن الأفريقي موسى فكي ، والرئيس الحالي لتشاد، محمد دبي، على علم بأن الراحل إدريس دبي اعتقل تشالز ماسي المعارض لحكومة أفريقيا الوسطى، لأنه كان يحاول المرور بشكل غير قانوني عبر الأراضي التشادية للإطاحة برئيسه فرانسوا بوزيزي، وقال دبي وقتها، في مقابلة مع مجلة “جون آفريك” الصادرة بتاريخ 15 يوليو 2009م: (لن أقبل أي عمل من شأنه زعزعة استقرار جمهورية أفريقيا الوسطى) احتراماً لمبدأ حسن الجوار – فكان الأجدر بهما أن يمتنعا عن المشاركة في هذه الجريمة ضد الحكومة والشعب السودانيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى