تقارير

حركة دبلوماسية نشطة محورها السودان: وإدارة بايدن ترمي بآخر كروت ضغطها بشأن الأزمات في المنطقة

المحقق – المحرر الدبلوماسي

ألقت الولايات المتحدة الأمريكية بثقلها خلف الجهود الدبلوماسية المتعلقة بالأزمة الإنسانية المتفاقمة في السودان، والتي كان السبب الرئيسي خلف حدوثها وتفاقمها الحرب التي أشعلها تمرد قوات الدعم السريع في منتصف أبريل الماضي، ثم تراجع هذه القوات عن الالتزامات التي وقع عليها ممثلوها في مدينة جدة السعودية في 11 مايو من العام 2023، وتراجعهم كذلك عن التفاهمات اللاحقة في نوفمبر من نفس العام، والقاضية بوقف التصعيد العسكري وخروج متمردي الدعم السريع من الأعيان المدنية ومنازل المواطنين التي احتلوها واتخذوها مساكن لعائلات مستجلبة من خارج ولاية الخرطوم، ومخازن للأسلحة والمهمات كما في حالة مقر هيئتي الإذاعة والتلفزيون في أم درمان.

سويسرا بدلاً من جدة

وأعلن مكتب وزير الخارجية الأمريكي (الثلاثاء) أن بلاده، والمملكة العربية السعودية ستنتقلان بجهود الوساطة التي كانا يقومان من خلالها بتسهيل التفاهم بين وفدي القوات المسلحة السودانية ومتمردي الدعم السريع من خلال “منبر جدة” إلى جنيف، مع توسيع قاعدة “المسهلين والمراقبين” لتشمل الإتحاد الأفريقي ومنظمة الإيغاد والاتحاد الأوروبي وكلاً من مصر والإمارات وربما دول أخرى، وذلك في منتصف أغسطس القادم.

ترحيب المتمردين

قبل أن يجف مداد البيان الأمريكي، والذي كانت قد سبقته بيومين، تسريبات نشرتها عدد من الصحف العالمية، أبرزها فورن بولسي، نشر حساب منسوب لقائد مليشيا الدعم السريع في منصة (×) أنهم يرحبون بالدعوة الأمريكية وعلى استعداد للانخراط في المفاوضات الإنسانية والعسكرية بكل ما يلزم ذلك من جدية، وقد فسر مصدر دبلوماسي مطلع تحدث إليه موقع “المحقق” الإخباري هذا الترحيب العاجل و “الحماسة” بأنه متفق عليه سلفاً بين متمردي الدعم السريع ورعاتهم الخارجيين وذلك – والحديث للمصدر – لإصابة هدفين رئيسيين في وقت واحد، أولهما إظهار القوات المسلحة السودانية بأنها متعنتة وغير مهتمة بمعاناة الناس، في حال رفضت أو تحفظت على المشاركة في مفاوضات جنيف المزمعة، وبالتالي تعريض السلطة القائمة في السودان لاحتمال فرض عقوبات دولية عليها، وثانيهما رفع الحرج عن قبول مشاركة الإمارات ضمن مجموعة “المسهلين” بعد أن كانت السلطة السودانية تتحفظ على ذلك وتشترط أن توقف الإمارات دعمها للمتمردين، وهو الدعم الذي اتخذ عدة أشكال و وثقته تقارير خبراء الأمم المتحدة المعنيين بمراقبة قرار مجلس الأمن الدولي 1591 الخاص بمراقبة تدفق السلاح إلى إقليم دارفور وبعض وسائل الإعلام الدولية.

حراك دبلوماسي كثيف

الأسبوع الماضي، حطت طائرة نائب وزير الخارجية السعودي في بورتسودان، وأبلغ الوزير السعودي الذي تستضيف بلاده مفاوضات الجانب الإنساني والعسكري، رسالة من القيادة السعودية إلى رئيس مجلس السيادة الإنتقالي، ورجحت مصادر دبلوماسية أن تكون القيادة السعودية أبلغت نظيرتها السودانية بقرار نقل مفاوضات منبر جدة إلى جنيف، على أن تظل القضايا التي سيجري بحثها هي ذاتها، وهذا بالفعل ما أكده بيان وزير الخارجية الأمريكي أمس بشكل لا لبس فيه.

وفي اليوم التالي لزيارة وزير الدولة السعودي، حطت في مطار بورتسودان طائرة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ومن المطار إلى مقر قصرالضيافة ومكان الاجتماعات (نحو 22 كيلومتر) اصطحب الرئيس البرهان ضيفه منفرداً به في سيارته، ويبدو أن كل ما أرادا قوله قد تمّ خلال هذه المسافة، وأن بقية تفاصيل الزيارة كانت “برتوكولية”.

ولم يمض وقت طويل حتى تفاجأت الأوساط السودانية بخبر إجراء مكالمة هاتفية بين رئيس مجلس السيادة السوداني ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد، قيل أنها كانت إحدى ثمار زيارة آبي أحمد إلى بورتسودان، وأن رئيس الوزراء الإثيوبي هو مَن تابع ترتيبها وإتمامها.

وأمس (الثلاثاء) عقد وفدان سوداني ومصري برئاسة وزيري خارجية البلدين، اجتماعات في القاهرة بحثا خلالها عدداً من القضايا ذات الاهتمام المشترك، في الوقت الذي أنهى فيه الجانب المصري، قبل اسبوعين من ذلك، اجتماعاً ناجحاً لعدد من فصائل القوى السياسية السودانية المتخاصمة في إطار تهيئة المسرح لحوار شامل سوداني سوداني.

بينما حطت اليوم (الأربعاء) في مطار بورتسودان طائرة قطرية تحمل نائبين لوزير الخارجية القطري هما وزير الدولة سلطان بن سعد المريخي ووزيرة الدولة لولوة الخاطر، وهما يحملان، ضمن أشياء أخرى، رسالة شفوية من سمو الأمير تميم بن حمد أبلغاها الرئيس البرهان، وهنا من المهم ملاحظة أن مركز فض النزاعات في الدوحة قد أنهى، الأسبوع الأول من يوليو الجاري، مؤتمراً كبيراً جرى خلاله بحث الأزمة السودانية من كافة أوجهها من خلال أوراق علمية قدمها وشارك في نقاشها عدد من العلماء والخبراء من السودانيين ومن غيرهم.

وتوقعت مصادر دبلوماسية رفيعة، تحدثت إلى موقع “المحقق” الإخباري أن أحد كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية (ربما مساعدة الوزير مولي فيي) سيزور بورتسودان خلال الأيام القليلة القادمة رفقة المبعوث الأمريكي الخاص للسودان توم بيرييلو، والغالب أنهما سيشرحان لرئيس مجلس السيادة الإنتقالي دواعي نقل مفاوضات جدة إلى جنيف، ولم تستبعد تلك المصادرأن يحرص المسؤولان الأمريكيان على إبلاغ رسالة واضحة للقيادة العسكرية يلوحان فيها بالجذرة والعصا معاُ لحث القوات المسلحة السودانية أن يذهب وفدها إلى جنيف بروح إيجابية للمشاركة في المفاوضات المزمعة، فإدارة بايدن التي فشلت في تسوية أي من الحروب المشتعلة في المنطقة، تبحث عن أي قدر من النجاح يتحقق في جنيف قبل أن ينكفئ رجالها على الداخل لدواع إنتخابية.

دبلوماسية رئاسية

قبل أيام، انفردت صحيفة “السوداني” بخبر مفادة أن قمة ثلاثية مزمعة في أديس أبابا ستجمع رئيس مجلس السيادة السوداني ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة مع مضيفهما الأثيوبي، وذلك لوضع أساس لتطبيع العلاقات بين الرجلين ومن ثم البلدين، ومن جهة أخرى، نقل هذا الموقع “المحقق” الإخباري عن مصادر دبلوماسية وجود تحركات بين القاهرة وبورتسوان ، محاطة بقدر كبير من السرية والتكتم، تهدف هي الأخرى لوقف التدهور المتسارع في علاقات الخرطوم وأبو ظبي، وأنه من غير المستبعد أن يزور الرئيس السيسي بورتسودان، كما فعل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لغرض الوساطة.

غير أن المصادر الدبلوماسية التي تحدث إليها موقع “المحقق” الإخباري، وضعت الأمر في إطار أشمل، وأفادت بأن تنسيقاً عالياً يجرى بين العواصم الأربع هدفه “تصفير” عداد المشكلات وإحداث مصالحة شاملة ،لا تقتصر على العلاقات بين أبو ظبي وبورتسودان وإنما تمتد إلى مصالحة بين أديس أبابا والقاهرة، وأن الرئيس البرهان يقود بنفسه جهود الوساطة بين آبي أحمد والرئيس السيسي، مثلما يقود الأخير أتمام المصالحة بين الإمارات والسودان، ولم تستبعد تلك المصادر أن ينتقل الرؤساء الثلاثة من أديس أبابا إلى القاهرة، التي من المرجح أن تكون قد أعدت العدة لتحتضن في أغسطس القادم ، وربما قبل مفاوضات جنيف، قمة رباعية تجمع آبي أحمد والبرهان ومحمد بن زايد بضيافة الرئيس السيسي تمهد لطي صفحة الخلافات بين البلدان الأربعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى