رأي

حين تتحدث قوى الفشل السياسي باسم السودان !!  

 

 

مهند عوض

 

في خطوة تفتقر إلى الحكمة وتعبّر عن أزمة عميقة في الفهم السياسي، بعثت مجموعة من الشخصيات المحسوبة على قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي، خطاباً إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تطعن فيه في أداء مبعوثه الشخصي إلى السودان، السيد رمطان لعمامرة، وتطالبه صراحة بإعفائه وتعيين بديل له.

 

ويبدو أن هذه الخطوة ليست سوى تعبير عن امتعاض سياسي من مبعوث لم يخضع لإملاءات جماعة تظن نفسها الوصي الوحيد على القرار السوداني.

 

الخطاب، الذي يحمل توقيعات عدد كبير من الشخصيات، أبرزهم من الجانب السياسي: ياسر عرمان (الحركة الشعبية – التيار الثوري الديمقراطي)، صديق الصادق المهدي (حزب الأمة القومي)، أسماء محمود طه (الحزب الجمهوري)، وجدي صالح (حزب البعث)، وعمر قمر الدين (وزير سابق بالخارجية في حكومة الحرية والتغيير)، يضم كذلك بعض الدبلوماسيين السابقين، والأكاديميين، والناشطين من قوى مدنية كانت ولا تزال تعتبر نفسها (ناطقًا باسم الثورة) رغم أن الواقع تجاوزها. هؤلاء لا يملكون تفويضاً ولا وزناً شعبياً، ولم يُنتخبوا على مستوى وطني، ولا يمثلون غير أنفسهم ومَن يقف وراءهم.

 

اللافت أن الهجوم على السيد لعمامرة لا يستند إلى تقييم مهني أو مراجعة دقيقة لأدائه، بل يبدو تحركًا انفعاليًا لأنه لم يكرر سلوك سلفه، الألماني فولكر بيرتس، الذي تحوّل خلال فترة عمله إلى ما يشبه المتحدث الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير، متغاضيًا عن دوره كمبعوث أممي مستقل، ومنخرطًا في عملية سياسية مغلقة، إقصائية، أدت في النهاية إلى انسداد سياسي وحالة انهيار شاملة. فولكر تجاهل مؤسسات الدولة، وأقصى الجيش، وتماهى مع تيار سياسي واحد، مما فاقم الاحتقان وأسهم – بشكل غير مباشر – في ما وصل إليه السودان من صراع.

 

في المقابل، جاء رمطان لعمامرة – الدبلوماسي الجزائري المعروف – بمقاربة مهنية هادئة، تعامل فيها بندية مع جميع الأطراف، وعلى رأسها الحكومة السودانية المعترف بها دوليًا. لم يمنح الامتياز السياسي لقوى مدنية فقدت وزنها، ولم يتبنَّ خطابها، بل حافظ على التوازن وركز على أولويات واضحة، كوقف الحرب، ودعم الدولة الوطنية، وتفادي الانجرار إلى صناعة سلطات موازية في المنفى. وهذا ما أغضبهم، لا لضعف أدائه كما يزعمون، بل لأنه لم يكن أداة في خدمتهم كما كانوا يأملون وكما كان فولكر.

 

الجزائر، التي ينتمي إليها لعمامرة، اتخذت موقفًا مبدئيًا داعمًا لوحدة السودان، ورافضًا لأي تدخل يقوّض مؤسساته. ولهذا يُفهم هذا الهجوم على لعمامرة أيضًا في سياق أوسع، باعتباره امتعاضًا سياسيًا من تطابق الرؤية بين الجزائر والخرطوم، في مقابل تصدّع العلاقات بين قوى الحرية والتغيير والدول المؤثرة التي كانت حاضنتها في السابق.

 

ومن الناحية الإجرائية، فإن خطابهم لا يحمل أي صفة قانونية، ولا يُلزم الأمم المتحدة بشيء. ومن الواضح أن الهدف منه ليس إصلاح العملية السياسية، بل الضغط لتغيير شخصية لم تنحز لهم، واستعادة امتيازاتهم القديمة عبر واجهة دولية. إنه استهلاك إعلامي داخلي في محاولة لإعادة تموضع داخل مشهد تجاوزه الشارع السوداني.

 

ما لا يريد هؤلاء الاعتراف به هو أن السودان ليس ساحة لعروضهم السياسية، وأن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لا يُفترض أن يكون مندوبًا لقوى سياسية فشلت مرارًا في إدارة الانتقال. إن رمطان لعمامرة، رغم كل التحديات، يبقى حتى اللحظة المبعوث الأكثر توازنًا واستقلالية في ملف السودان، والأقدر على التعاطي مع الواقع كما هو، لا كما يُراد له من دوائر الضغط.

 

والأهم من كل ذلك، أن من سيحكم السودان لا تُحدده رسائل إلى نيويورك، ولا تقارير ترفع من غرف المعارضة في المهجر، بل تُحدده الإرادة الوطنية، وسيادة الدولة، والانتصار على التمرد، وتهيئة بيئة سياسية جديدة تعيد بناء السودان على أسس واقعية.

 

أما دعاة التدويل والتدخل، فلن يجلبوا للسودان إلا المزيد من التشرذم. والسودانيون اليوم، وقد انكشفت الأقنعة، أولى بأن يقودوا مشروع السلام الحقيقي بأنفسهم، لا عبر أدوات الخارج. ومن لا يستطيع سوى الشكوى، لا يصلح شريكًا في بناء المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى