ثقافية

خيانتئذ

السر السيد 

 

“خيانتئذ” هو عنوان الرواية الفائزة بالجائزة الأولى في الدورة العاشرة مناصفة مع رواية “أتبرا خاصرة النهار” للروائى الجميل عادل سعد بجائزة الطيب صالح للإبداع الروائى التى ينظمها مركز عبد الكريم ميرغنى الثقافي.

و”خيانتئذ” من تأليف الروائية الشابة سارة الجاك وصدرت في طبعتها الأولى في 2013 من مركز عبد الكريم ميرغنى وتقع في 188 صفحة من القطع المتوسط..الرواية التي تنهض بالأساس على فضاء الطبيعة التي تمثله الأنهار والجبال والبحار والصحارى كفضاء خارجي ورمزي لمسار أبطالها، تمزج هذا الفضاء الجغرافي بالتحولات الفكرية والنفسية لأبطالها جراء ما يواجهونه من وقائع وأحداث ويعيشونه من علاقات عبر عالم أسطورى يصل حد الفنتازيا، يعتصر الواقع المعاش اعتصاراً ينهض على أسلوب ينز خصوبة وشبقا..

الرواية وهى تنسج عالمها المتداخل والشبق والوعر والعنيف هذا توظف تقنية يلعب فيها الراوي دوراً إضافياً لدوره المألوف في السرد إذ أنه يقوم في أحيان كثيرة بالتدخل في إعادة ترتيب حكي الشخصيات الأخرى، وهذه تقنية تساعد كثيراً في كسر الإيهام الذي يفرضه منطق تسلسل الأحداث، كما تلعب هذه التقنية على تكرار الحدث المركزي في الرواية في أكثر من موقع بعد أن تقوم بالحذف الدال لجزء منه هنا وهناك، وهو تكرار لا يأتى اعتباطاً لأنه بشكل أو بآخر ينظم عملية السرد بما يمكن تسميته بعمليتي الإسراع والإبطاء وهما عمليتان مهمتان للسرد في رواية بهذا التداخل وهذا الثراء.

فالرواية التي يقوم معمارها للسرد على خمسة عناوين لخمسة فصول هي “ومضة” و”ضياع” و”خيبات” و”يأس” و”قصاص” ويبدأ حدثها الأول وهو الحدث الذي يستعاد أكثر من مرة وفى مواضع مختلفة في سياق تطور السرد..يبدأ بشنق امرأة بطريقة مخالفة للمألوف قررها القاضي وهى أن تشنق كما جاء في الرواية ( رأسها إلى أسفل وجسدها إلى أعلى، في وضع مقلوب بحيث يكون رأسها بين ثدييها المتدليين ويكونون جميعاً بين ذراعيها المعلقتين، وينفتح ساقاها كزاوية منفرجة,عارية بلا ثياب..)…الرواية تصور العالم السفلى “المسكوت عنه” للمدينة أو فلنقل للوطن حيث الفساد في بلاغته..فنسمع العفن..ونشم البشاعة ونلمس العنف..ففي هذا العالم نلتقي بالمثليين من كل نوع وبتجار المخدرات وبالفساد الإداري بل يصل الأمر إلى أن نلتقي بالذين يتاجرون في الحيوانات المنوية، لكن ما تجدر الإشارة إليه هنا فهو أن هذا العالم السفلي يتمثل ربما لحيلة سردية تراها الكاتبة في صورة تقربه كثيراً من الأسطوري وتبعده قليلاً عن الواقعي..إنه “عالم الموت” إذا جازت التسمية بينما ما يمكن تسميته بأعلى المدينة أو “المعلن منها” “عالم الحياة – عالم المقاومة” – يبدو واقعياً فنرى البيت ونرى الجامعة بكل ضجيجها ونرى الشوارع بحركتها وسكونها ونرى أقسام الشرطة ونتعرف على الشخوص “سماح وأسرتها وعم عبد الدائم ووالدته وحاجة خديجة وطلاب وطالبات الجامعة وحسام..نرى عالماً منقوصاً يسعى لاكتماله ونسعى نحن القراء للتعرف عليه واكتشافه عبر رواية لا تكتفي بوصف المستور وإنما تضئ المعلن أيضاً..

هذه قراءة عامة ومنقوصة.. أدعو محترفي السياسة لقراءة هذه الرواية المختلفة الممتعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى