ثقافية

دروب السماء

السر السيد

 

من الأشياء المبهرة في الثقافة العربية والإسلامية، خاصة في عصورها الزاهيات، ازدهار حركة التأليف في مختلف ضروب المعرفة ومن مختلف التيارات والمذاهب الفكرية والفلسفية والأدبية، وبالرغم من احتدام الصراع السياسي في الكثير من فترات تاريخ المجتمعات الإسلامية و ما ترتب عليه من تصفيات جسدية ومصادرات لحرية التعبير إلا أن بعضاً من التيارات المذهبية و الفكرية والسياسية آنذاك، وبسبب من سيادة ثقافة التدوين، قد تمكنت من أن توثق لما أنتج من معارف وان تحافظ على بعض ما كان محظوراً وهو ما حفظ لنا كل هذا الكم المتنوع والمختلف من تراث الثقافة العربية والإسلامية والذي من بينه يأتى تراثنا من “الدعاء” خاصة ما يعرف بأدعية “آل البيت”عليهم السلام.

وعلى الرغم من أن هذا الإرث الكبير والمتميز لم يجد نفس الاهتمام من باحثين و محققين كثر فى مختلف الحقب كالذى وجده الحديث والتفسير والفقه والأدب إلا أنه شكل علامة بارزة في المعارف الإسلامية “فالدعاء” بما أنه نوع من الكلام يعبر به منشؤه بصورة مختزلة عن إيمانه بالله وعن محبته له وعن احتياجه له، كان من الطبيعى أن يجسٌد اشتغالا بديعاً فى جماليات الأسلوب وفى تفجير اللغة وتوسعة أخيلتها ليكون أو يكاد قادراً على التعبير عمّا احتشد به من معارف عقائدية ومن أسئلة وجودية ومجتمعية وسياسية ومن أشواق عرفانية تتيح للذي يدعو فرصة أن يضع خطوته الأولى في “دروب السماء” فالدعاء في أبسط تعريفاته هو تمظهر “خاص” للعلاقة بين العبد والرب..بين الخالق والمخلوق.، لذلك وصف ب”مخ العبادة” كما في الحديث الشريف.

إن تراثنا من أدعية “آل البيت” وبرغم الإهمال والتهميش الذى تعرضت،الا أنها استطاعت أن تبقى مع الزمن بوصفها وثيقة عرفانية وعقائدية وفلسفية وسياسية لم تحصرها الحدود السياسية أو المذهبية فقد أصبحت عابرة لكل الحدود ولكل المذاهب..أصبحت إرثاً لكل المسلمين، بل لكل الناس، تعلمهم المحبة والاحتجاج وتسموا بذواتهم وتعرفهم بالله وجماله ورحمته بل تمنحهم القوة والأمل في كل زمان ومكان.

ولعلي هنا لا أجد خاتمة أفضل من هذا الجزء من دعاء ” كميل” لأمير المؤمنين عليا كرم الله وجهه، وكميل هذا، هو كميل بن زياد النخعى، من خلص أصحاب الامام و من المشهود لهم بالعلم والالتزام عند علماء المدرستين “السنة” و”الشيعة” وقد جاء فى سيرته إنه افتدى قومه بتسليم نفسه للحجاج ابن يوسف الذى قتله كما قتل المئات من خيار الأمة.

من دعاء كميل:

( يا إلهي وربي وسيدي ومولاي..لاى الأمور إليك أشكو ولاى منها أضج وابكي؟

 لأليم العذاب وشدته؟ 

أم لطول البلاء ومدته؟

 فلأن صيرتني في العقوبات مع أعدائك وجمعت بيني وبين أهل بلائك

 وفرقت بيني وبين أحبائك وأوليائك 

فهبني يا الهي وسيدي ومولاي صبرت على عذابك فكيف اصبر على فراقك؟! 

وهبني صبرت على حر نارك فكيف اصبر عن النظر إلى كرامتك

أم كيف أسكن في النار ورجائي عفوك؟ 

فبعزتك يا سيدي ومولاي أقسم صادقاً، إن تركتني ناطقا لأضجن إليك بين أهلها ضجيج الآملين

ولا صرخن إليك صراخ المستصرخين

ولأبكين عليك بكاء الفاقدين

ولأنادينك أين كنت يا ولي المؤمنين

يا غاية آمال العارفين

يا غياث المستغيثين

 ويا حبيب قلوب الصادقين, ويا اله العالمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى