علاقات إسرائيل بدول الآسيان ومدى تأثرها بالحرب الإسرائيلية على غزة (الدول الإسلامية نموذجا) 2-4

د. أحمد عبد الباقي
لموقع لدول الآسيان الجغرافي والاستراتيجي دورا محوريا في أن تصبح هذه الدول ركنا أساسيا لأمن الطاقة العالمي الذي يعتمد على الممرات البحرية المشاطئة للإقليم وعلى رأسها مضيق ملقا وبحر الصين الجنوبي واللذين يربطان بين شرق-غرب المحيط الهندي والهادي، من جانب وربط شمال-جنوب أستراليا ونيوزيلاندا بشمال شرق آسيا من جانب آخر، وأيضا ربط جنوب آسيا بدول الشرق الأوسط، فالممران يشكلان عصب الحياة الاقتصادية لاقتصاديات شمال شرق آسيا التي تستورد عبرهما النفط والموارد الطبيعية وتصدر السلع لبقية دول العالم إذ تنقل هذه الممرات 50% من التجارة العالمية و33% من النفط العالمي، مما أهلّها لأن تصبح من المساهمين الرئيسيين في النمو الاقتصادي العالمي، ومما زاد أهمية هذه الممرات أن معظم دول رابطة الآسيان ذات طبيعة ساحلية وتفتقر لقواعد أرضية للتنقل لذا تعتمد أغلب التجارة البينية الإقليمية على هذه الطرق المائية التي تقع على ما يسمى بنقاط الاختناق (choke points) وهي: مضيق ملقا (Straits of ) Malacca ، مضيق سوندا (Sunda)، مضيق لومبوك (Lombok) التي تمر بهم تقريبا معظم سفن الشحن البحري على الصعيد العالمي، وتقع بمحاذاة هذه النقاط ثلاث دول إقليمية وهي: ماليزيا، إندونيسيا وسنغافورة مما يمنح هذه الدول إمكانية التحكم في نسبة معتبرة من مجموع التجارة البحرية العالمية.
تشكل هذه الممرات البحرية من منظور عسكري وأمني أهمية كبرى أيضا لحركة القطع البحرية الحربية كما هو الحال في حركة القوات الأمريكية من غرب المحيط الهادئ إلى المحيط الهندي والخليج الفارسي، كان في أثناء فترة الحرب الباردة، الهدف الأسمى للاستراتيجية الأمريكية آنذاك هو الحفاظ على حرية الملاحة لسفنها العسكرية التي تستخدم هذه الطرق المائية إلا أنه ومع زوال تهديدات الحرب الباردة أصبح الاهتمام يتركز بصورة أكبر على حرية الملاحة والإبقاء على موضع قوة لمنع الخصوم المحتملين خاصة الصين من الإبحار بحرية مع أن الولايات المتحدة تتعامل مع الصين بسياسية الاحتواء فيما يلي النزاع حول بحر الصين الجنوبي بين الصين ودول الآسيان مع الأخذ في الحسبان محاولة وسعي الصين لتأكيد أحقيتها التاريخية على بحر الصين الجنوبي ومحاولة بسط هيمنة شبه كاملة عليه مما يثير أحيانا بعض التوترات بين الدول المتنازعة، كما أيضا يبدو أن للولايات المتحدة مصلحة استراتيجية في تعزيز الثقة بين دول شرق آسيا والتي تظل ضامناً جديراً بالثقة لحرية الملاحة العالمية، رغم أن حجم التجارة الأمريكية التي تمر عبر هذه الطرق المائية قليلة ولكن حلفاءها مثل اليابان، كوريا، أستراليا، الفلبين والدول الصديقة كسنغافورة تعتمد على الطرق البحرية بجنوب شرق آسيا، فعلى سبيل المثال، أكثر من 40% من تجارة اليابان، أستراليا والآسيان تمر عبر هذه المضائق، أضف إلى ذلك أن اقتصاديات الولايات المتحدة وحلفائها مثل اليابان، كوريا الجنوبية، الفلبين، تايوان وأستراليا تعتمد من حيث تجارتها وأمن طاقتها على استقرار منطقة جنوب شرق-آسيا، وعلى وجه التحديد أمن الممرات البحرية التي تمر عبر دول الآسيان.
الميزات المذكورة عاليه منحت دول الآسيان أهمية جيوسياسية فأصبحت محط تنافس للقوى الكبرى ، خاصة أن الإقليم يزخر بثروات طبيعية هائلة مثل: (78.7%) من الإنتاج العالمي للمطاط الطبيعي، (14.3%) من إنتاج الأرز (6.7%)، وفرة الثروات السمكية إلى جانب الغاز الطبيعي علاوة على انخفاض أجور الأيدي العاملة المؤهلة والتنوع العرقي وتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي أسهمت في رفع اقتصاديات الآسيان إلى مصاف الدول المصنعة حديثا، وأضحت ثاني أنجح منظمة إقليمية في العالم، بعد الاتحاد الأوروبي، ووفقا لبيانات عام 2023 م لدول الآسيان فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء 3.8 تريليون دولار، وباتت الآسيان من أكثر المناطق استقطاباً للاستثمارات الأجنبية المباشرة التي بلغت خلال عام 2023م (230.00) مليار دولار، وبلغ عدد سكان الآسيان في عام 2025م -وفقا لإحصائيات الأمم المتحدة- (698,481,793) نسمة أي ما يعادل (8.52%) من سكان العالم والثالث على مستوى قارة آسيا ولهذا يُتوقع أن تتبوأ الآسيان بحلول عام 2030 المرتبة الرابعة كأكبر اقتصاد في العالم وستصبح سوق جاذبة للمنتجات العالمية.
علاقات إسرائيل بدول الآسيان
عمدت إسرائيل منذ قيامها في عام 1948م لتوطيد علاقاتها مع دول العالم خاصة آسيا لتصبح الفليبين (العضو الحالي رابطة الآسيان) أول دولة آسيوية تصوت في مجلس الأمن في عام 1947م لصالح قيام إسرائيل (مايو 1948م)وانتظم الجانبان منذ حينها في علاقات اقتصادية ودفاعية، توالت محاولات إسرائيل للمضي قدما نحو تطبيع أو إقامة علاقات مع دول جنوب شرق آسيا وإن اتخذت بعض تلك العلاقات طابع السرية لحساسية الجبهة الداخلية خاصة في الدول المسلمة التي تعادي شعوبها التطبيع مع إسرائيل أو إقامة علاقات معها، تهدف إسرائيل من تعضيد علاقاتها مع دول الآسيان لتحقيق عدد من الأهداف مثل: تحقيق منافع اقتصادية لتسويق منتجاتها في دول الآسيان ذات الكثافة السكانية العالية (698) مليون نسمة، تزويد دول الآسيان بالأسلحة، زيادة التبادل الثقافي للمساعدة على تطبيع علاقاتها، نقل التقنية إلى دول المنطقة وإجراء بحوث علمية مشتركة مع هذه الدول، الحصول على الدعم السياسي إزاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لذلك ابتدع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو شعار “الاتجاه نحو آسيا” (Pivot to Asia) في أثناء زياراته إلى سنغافورة في عام 2017م.