رأي

علاقات إسرائيل بدول الآسيان ومدى تأثرها بالحرب الإسرائيلية على غزة (الدول الإسلامية نموذجاً) 3-4

د. أحمد عبد الباقي

تتخذ إسرائيل المداخل الاقتصادية والثقافية، المساعدات الفنية، في مجال الزراعة والري والتدريب وبيع الأسلحة مدخلاً لإقامة علاقات بدول الآسيان، وتستفيد أيضا من التأثير الأميركي على بعض هذه الدول لاستمرار تلك العلاقات وتمتينها، كما تلجأ إسرائيل إلى أطراف ثالثة أو شركات وهمية أو شركات أجنبية للتواصل مع الدول التي لا تقيم معها علاقات دبلوماسية كما هو في حالة ماليزيا وإندونيسيا وبروناي دار السلام (دول الآسيان المسلمة). وترتبط إسرائيل بعلاقات دبلوماسية متبادلة مع دول الآسيان غير المسلمة وهي: تايلند، فيتنام، الفليبين، وسنغافورة وماينمار بينما تحتفظ بتمثيل دبلوماسي غير مقيم في كل من لاوس التي تغطيها فيتنام وكمبوديا تغطيها تايلاند.

*علاقات إسرائيل بدول الآسيان غير المسلمة*
*تايلند:* بدأت علاقات إسرائيل بتايلند منذ عام 1958م، وافتتحت تايلند سفارتها في إسرائيل في عام 1996م، ويعزى التأخير في فتح سفارة تايلند بإسرائيل إلى تردد تايلند في اتخاذ هذه الخطوة، والتي أقدمت عليها بعد اتفاقية أوسلو واعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل، انطلقت العلاقات بين البلدين بقوة في عام 1988م، وشملت الجوانب الاقتصادية والثقافية والفنية في مجال الري والزراعة والمنح الدراسية لطلاب تايلند وذهاب العمالة التايلندية إلى إسرائيل، جاءت علاقة تايلند بإسرائيل في وقت كانت فيه إسرائيل بأمسّ الحاجة إلى الاعتراف الدولي، والبحث عن حلفاء لها في المجتمع الدولي، وتحقيق شرعية في المؤسسات العالمية، حققت إسرائيل بهذه العلاقة طموحات سياسية خاصة انطلاق علاقاتها تجاه منطقة الآسيان بشكل عام، وامتلكت تايلند بموجب هذه العلاقة أسلحة وتقانة عسكرية إسرائيلية، مثل الصواريخ الإسرائيلية من طراز SPIKE وتزويد طائرات F-5 Super Tigris التابعة للقوات الجوية الملكية التايلاندية بأنظمة إسرائيلية من طراز EBIT و Rafael. وتجدر الإشارة إلى العلاقة بين البلدين تتأثر بوجود أقلية مسلمة مؤثرة بتايلند يبلغ تعدادها (7.5) مليون نسمة أي حوالي 12% من تعداد سكان البلاد الذي بلغ (69.6) مليون نسمة (تعداد 2023م). يرجع تأثير الأقلية المسلمة على العلاقات بين البلدين إلى تخوف كلاً من تايلند وإسرائيل من أن تساعد مساندة المسلمين التايلنديين للقضية الفلسطينية ودعمهم لحماس على بث روح التطرف والإرهاب وسط هذه الأقلية، وربما نشوء علاقات بينها وبين تنظيمات القاعدة وداعش، مما جعل جنوب تايلند حيث تعيش الأقلية المسلمة محط نظر ما يسمى بالحرب على الإرهاب.

*الفلبين:* تمحورت بداية العلاقة بين إسرائيل والفلبين حول موقفين مهمين للفلبين-يعكسان المواقف السياسية للقيادة الفلبينية في حينه- وهما: قرار الرئيس الفلبيني فتح أبواب الفلبين أمام اليهود في أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث استضافت الفلبين في حينه حوالي 1300 يهودي قادم من أوروبا وتصويت الفلبين لصالح إسرائيل في الأمم المتحدة عام 1947، وذلك بدعمها قرار تقسيم فلسطين، الذي فتح الباب لإقامة الدولة اليهودية، والاعتراف الأممي بها، علمًا بأن الفلبين كانت الدولة الآسيوية الوحيدة التي وافقت على ذلك، ثم استمرت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ عام 1957، وأصبحت كاملة بعد توقيع اتفاقية الصداقة بينهما في 26 فبراير 1958، وتم افتتاح السفارة الإسرائيلية في مانيلا، والسفارة الفلبينية في تل أبيب عام 1962. استفادت الفلبين من إسرائيل عسكريا حيث تدمج الفلبين الرادارات الإسرائيلية في طائراتها المقاتلة FA-50، وتنشر صواريخ الدفاع الجوي SPYDER-MR المصنوعة في إسرائيل، وتعتمد على الطائرات بدون طيار الإسرائيلية في عمليات المراقبة.
يمثل التعاون الزراعي بين البلدين من أهم مجالات التعاون التي تربط بينهما، ومما يشير إلى ذلك إقامة منظومة علاقات مشتركة للتعاون الزراعي وتطوير الخدمات، حيث دربت إسرائيل بها حوالي 3000 متدرب فلبيني عن طريق وكالة المساعدات الإسرائيلية، وسافر آلاف الطلاب الفلبينيين إلى إسرائيل في السنوات الأخيرة للاستفادة من خطط تعليمية سنوية تقيمها إسرائيل لهم علاوة على وجود ما يقرب (41) ألفا فليبينا يعملون في إسرائيل. تجدر الإشارة إلى أن الأهداف الإسرائيلية من تقديم هذا التدريب والتعليم، لا تقتصر على التعاون الفني والاقتصادي وتقديم الخبرات، وإنما تمتد إلى أبعد من ذلك، بما يشمل تشكيل كفاءات فلبينية تحتل مواقع هامة في المجتمع الفلبيني، وتدافع عن المواقف الإسرائيلية، وربما تشكّل جماعات ضغط لصالح “إسرائيل”، من خلال الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وغيره.
تتأثر العلاقة بين البلدين بنشاط الأقلية المسلمة في الفلبين التي تبلغ حوالي (6.4%) أي ما يعادل (6,981,710) مليون نسمة من إجمالي سكان البلاد البالغ (109,703,396) نسمة (تعداد 2020)، تدرك وتشعر الأقلية المسلمة بجنوب الفلبين معاناة الشعب الفلسطيني وتتعاطف معه؛ لأنهم أحفاد من واجه الاستعمار الإسباني والأميركي لمناطقهم، وقاتلت أجيال منهم خلال عقود مضت حتى نالوا الحكم الذاتي في عدد من الأقاليم ذات الأغلبية المسلمة جنوبي البلاد، لذا يعلنون تضامنهم مع الفلسطينيين وغزة، ولكن حكومة الفلبين، وساستها يعلنون تأييدهم لإسرائيل، ويخشى البلدان من أن يكون تعاضد وتعاطف هذه الأقلية مع فلسطين وغزة حافزا لانتشار الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش التي بدأت تظهر وسط بعض الجماعات المحلية بجنوب البلاد مثل جماعة أبوسياف، والتي نالت نصيبا من تنكيل ما يعرف بالحرب على الإرهاب التي تتعاون فيه الفلبين مع أمريكا، وربما إسرائيل بطريقة سرية لما لها من علاقات وطيدة مع الحكومة الفلبينية.

*فيتنام:* بدأت علاقات فيتنام بإسرائيل في أوائل التسعينات، حين انهار الاتحاد السوفيتي، وبدأ عهد جديد من علاقات إسرائيل مع العديد من الدول بما فيها الاتحاد السوفيتي نفسه الذي دخل مرحلة التفكك، افتتحت السفارة الإسرائيلية في فيتنام في عام 1993م، ثم ازداد النفوذ الإسرائيلي في فيتنام لدرجة أنه أصبح من المعتاد أن يكتب على السلع والبضائع الإسرائيلية التي تباع في فيتنام عبارة صنع في ISRAEL، تدعم إسرائيل فيتنام بالوسائل الحديثة في مجال تنمية زراعة الأرز، والمساعدات الفنية والاستثمارات كما يوجد بفيتنام ثلاثة معابد يهودية، رغم أن الجالية اليهودية في فيتنام ليست كبيرة، فهي تتراوح بين 70-100 شخص فقط، معظمهم يعملون في السفارة الإسرائيلية.

*ماينمار:* نشأت الروابط الدبلوماسية بين ماينمار وإسرائيل منذ 1953 ولإسرائيل سفارة في يانغون، ولميانمار سفارة في تل أبيب، وتعد ماينمار من بين البلدان الأولى في آسيا التي تعترف بقيام إسرائيل، ولا تعترف بدولة فلسطين، هناك تعاون كبير بين البلدين، لا سيما في مجالات الزراعة والتعليم وبيع الأسلحة وتدريب جيش ميانمار مقابل الدعم السياسي، استمر دعم إسرائيل لجيش مينمار رغم فساده وتنكيله بخصومه السياسيين خاصة أقلية الروهينغا المسلمة حيث تحدثت تقارير عالمية في عام 2017 عن تعرض هذه الأقلية لجرائم قتل واغتصاب وتعذيب وعبودية وعنف ضد الأطفال وعمليات تهجير وتدمير لعشرات القرى التي تسكنها، ورغم وصف الأمم المتحدة ما يجري للروهينغا بأنه “تطهير عرقي”، فإن إسرائيل واصلت حتى عام 2018 -ومن دون أي رادع- بيع الأسلحة وتوريدها لميانمار، حتى اضطرت لوقف صادراتها العسكرية مؤخرا عقب ضغوطات وحملات حقوقية وإعلامية دولية.
يقدر تعداد المسلمين المسجلين بماينمار بمليون و(147) ألف و495 نسمة، من إجمالي تعداد سكان البلاد البالغ (51.5) مليون نسمة (تعداد 2014م) ويعيش حوالي (1.2) مليون من المسلمين في مخيمات وبيوت بدائية بولاية “أراكان”، فيما تحرمهم السلطات الحكومية من حق المواطنة منذ عام 1982، بحجة أنهم مهاجرون بنغاليون غير شرعيين، بينما تصفهم الأمم المتحدة بـ “أقلية دينية تتعرض للأذى”، ويبدو أن انشغال الأقلية المسلمة بابتلاءاتها حال دون رصد تفاعل ظاهر لها مع القضية الفلسطينية خاصة في ظل تعرضها بشكل متواصل للاستهداف الممنهج من قبل سلطات ماينمار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى