تقارير

فرصة أم اختطاف.. لماذا جنيف بدلاً من جدة؟ انقسام في الآراء حول المبادرة الأمريكية في السودان

القاهرة – المحقق – صباح موسى

استمراراً لحالة الحراك الملحوظة الذي يشهده الملف السوداني في الفترة الأخيرة، وبعد حراك سياسي، عبّر عن نفسه بجمع معظم القوى السياسية والمدنية في القاهرة، تلته اجتماعات أخرى تحت مظلة الإتحاد الأفريقي في أديس أبابا، ومناقشات موازية للمسار الإنساني بين الحكومة و متمردي الدعم السريع في جنيف، وبعد الزيارات المهمة التي تشهدها بورتسودان من السعودية وأثيوبيا وقطر، أعلن وزير الخارجية الأمريكية، أنتوني بلينكن، أن بلاده وجهت الدعوة للقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع للمشاركة في محادثات لإنهاء الحرب بالسودان، وتبدأ في 14 أغسطس القادم بسويسرا برعاية أمريكية سعودية سويسرية.

استغراب وتساؤلات

وسارع محمد حمدان دقلو “حميدتي” قائد متمردي الدعم السريع بموافقته على الدعوة الأمريكية فور إعلانها، في وقت لم يصدر أي بيان رسمي من الحكومة السودانية حتى لحظة إعداد هذا التقرير عن قبولها أو رفضها لهذه المبادرة.

وتأتي المبادرة الأمريكية وسط استغراب وتساؤلات حول مغزى التوقيت والمكان، ولماذا تسارع واشنطون لإنهاء الصراع في السودان بعد خمسة عشر شهراً من الحرب، وما الجدوى من نقل المفاوضات التي كانت ترعاها مع المملكة العربية السعودية في جدة، هل هو إفراغ لمنبر جدة من محتواه والبداية من جديد في جنيف، وبالتالي الخروج من مأزق ضرورة التزام الدعم السريع بما سبق وأن وافق عليه، وما هو الهدف الحقيقي خلف كل هذه التحركات لإنهاء الأزمة، هل هي نية أمريكية حقيقية خالصة أم أنها مجرد دعاية للإدارة الأمريكية الحالية وهي مقبلة إنتخابات حرجة ؟

بعد إعلان المبادرة الأمريكية وتحديد مكان المفاوضات في سويسرا، انقسمت الآراء الداخلية السودانية حول الأمر بين مَن يرى كونها مجرد محاولة لاختطاف منبر جدة، والفكاك من عدم الالتزام بمخرجاته، وبين مَن يرى أنها فرصة ذهبية أخيرة ينبغي عدم ضياعها لإنهاء الحرب بالبلاد.

قيد الدراسة

مصدر سوداني مسؤول بالسفارة السودانية بواشنطن، أبان أن السفارة استلمت دعوة رسمية بالمبادرة أمس (الثلاثاء)، وقال المصدر الذي فضل حجب هويته لـ “المحقق” إن هذه الدعوة مازالت قيد النظر والدراسة، مضيفاً أن هذه المبادرة تحتاج لدراسة قبل إعلان الموافقة عليها، والتحقق من مدى علاقتها بمنبر جدة، مبينا أنها تحتاج إلى عمل تحضيري، وبحث علاقتها بالقمة الثلاثية أو الرباعية المزمع عقدها بين السودان والامارات ومصر وأثيوبيا، ومدى قناعة الطرف الاقليمي الداعم للمليشيا بالسلام ووقف الحرب، وتابع لابد من التأكد من التزام الداعمين للمليشيا بوقف هذا الدعم والقناعة بوقف إطلاق النار، قبل الجلوس لتفاوض، واعتبر المصدر أن موافقة قائد مليشيا الدعم السريع سريعاً على المبادرة، يرجح فرضية بحثه عن فرصة للهروب مما تم الإتفاق عليه في جدة، مشيراً إلى أن قيادة التمرد قد تراها فرصة للهروب من إتفاق جدة ومن الالتزام به، خصوصاً بعد تبني مجلس الأمن لمخرجات جدة الأخيرة.

لن تحقق نجاحا

من جهته شدد الدكتور التجاني سيسي رئيس الحراك الوطني السوداني على ضرورة استمرار منبر جدة في المفاوضات العسكرية بعد أن أصبح مقبولاً من الجميع. وقال سيسي لـ “المحقق” إن هناك قوى لا تريد النجاح لمنبر جدة، لكن يظل السؤال هل ستبدأ مفاوضات جنيف من الصفر أم ستبنى على ما تم في جدة، معربا عن اعتقاده أن جنيف لن تحقق نجاحاً، وسوف تواجه تحديات أكبر، متسائلا هل تظل السعودية وسيطاً أم سيتم استبدالها بسويسرا، لافتاً إلى أن الدعم السريع أصبح لديه مشكلة كبيرة، بوجود أطراف بداخله تحسب نفسها على الدعم السريع، وقال إن هذا الأطراف ترتكب انتهاكات فظيعة، وهي خارج سيطرة قيادة الدعم السريع، مضيفاً ولذلك تريد قيادة متمردي الدعم السريع وقفاً سريعاً لاطلاق النار.

بحث عن مخرج

بدوره تساءل الدكتور خالد التيجاني الكاتب الصحفي والمحلل السياسي عن أين كانت أمريكا منذ خمسة عشر شهرا، ولماذا مبادرة الساعة الخامسة والعشرين لإدارة بايدن، وقال التيجاني لـ “المحقق” أرى أن المبادرة الأمريكية محاولة لمخاطبة أجندة أمريكية وأنها غير معنية بمعاناة السودانيين، وقال لو كانت تراعي هذه المعاناة، فأين كانت طيلة الفترة الماضية، فلو كانت جادة كانت ساعدت على تنفيذ ماتم الإتفاق عليه في جدة برعايتها، معتبراً أن أمريكا مسؤولة عن تفاقم الأزمة، بغض الطرف على انتهاكات الدعم السريع لحقوق المدنيين، الذين تطالب بحمايتهم الآن، وقال إن أمريكا كانت تراهن على إرهاب الطرفين، وليس على وقف القتال، مضيفا أن التفسير الوحيد لهذه المبادرة هو أنها معنية بإدارة بايدن، بعد سلسلة من الفشل المتكرر في القضايا الخارجية، وتريد أن تبحث لها عن مخرج تراه سهلا في السودان.

محاولة اختطاف

وأشار خالد التيجاني أن محاولة تضخيم المآساه الانسانية والحديث عن المجاعة في الدعوة الأمريكية، يكشف زيف الدول الغربية، وقال ماذا حدث بعد قرابة 4 أشهر من مؤتمر باريس حول الوضع الإنساني، فلم يصل من هذه المساعدات – وفق تقرير الأمم المتحدة الأخير – إلا أقل من الثلث من مجمل 4 مليار دولار تعهدت بها هذا المؤتمر، لافتا إلى أن السبب الأساسي في تفاقم الأوضاع الإنسانية، يعود إلى انتهاكات الدعم السريع الممنهجة ضد المواطنين وسط وقوف المجتمع الدولي متفرجا، وقال إن المجتمع الدولي لم يف بتعهداته، ورأى أن المبادرة الأمريكية جاءت مرتبكة، وقال إنه لابد أولا من الإتصال بالجهات المعنية، بدلا من إطلاقها عبر الإعلام، في وقت لم يزر فيه المبعوث الأمريكي السودان حتى بعد مضي ستة أشهر من تعيينه، معتبرا أنها عملية اختطاف لإقصاء السعودية أيضا، وجعلها مجرد ضيف، مؤكداً أنها ضربة للجهود السعودية، وقال إذا كان الدعم السريع حريصاً على السلام ينبغي أن يوقف انتهاكاته أولا، مضيفا أن هذه المبادرة قد تفرض اتفاقا، ولكنها لن تقود لوقف إطلاق النار، موضحا أن كل التدخلات الأمريكية في السودان، أدت إلى ماهو عكس المرجو، وأن انفصال جنوب السودان أبرز مثال على ذلك.

فرصة ذهبية

في المقابل يرى عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة التيار، أن المبادرة الأمريكية فرصة ذهبية أخيرة لإنهاء الحرب بالبلاد، وقال إن المبادرة الجديدة هي تطوير وتحديث لمنبر جدة، مضيفا أن ماتم التوصل عليه في جده ياخراج الدعم السريع من الأعيان المدنية ومنازل الناس، أصبح الآن مطالب بالتنفيذ، وأن ذلك يحتاج لتفاوض لإنفاذه، معتبرا أن المنبر الجديد سيكون تغييراً للشكل القديم في جدة، وقال إن الوصول لوقف إطلاق نار، سوف يهيئ المناخ لتكامل باقي المسارات الإنساني والسياسي مع العسكري، متوقعا أن يقود المنبر الجديد لوقف إطلاق نار تحت رقابة أممية بعد ستة أشهر، وقال إن وقف إطلاق النار، معناه أن الدعم السريع سيفقد قدرته على الاستمرار، خاصة مع عودة المواطنين، ووقف الدعم والإمداد له، ، مضيفا أن الفرصة الآن أمام الجيش، وعليه أن يبدأ التجهيز من الآن وحتى موعد بدء المفاوضات في جنيف في 14 من الشهر القادم، وتجهيز المطلوبات في الخطة العسكرية في التنفيذ والسياق السياسي، لافتا إلى أن وجود مصر في المنبر الجديد سيفيد في الجانب السياسي، والتي أصبحت معنية به، وأن وجود الإمارات سيساعد في ايقاف الحرب واعادة الإعمار بعدها، معربا عن اعتقادة أن إدارة بايدن ترى في هذه المفاوضات فرصة أخيرة ليظل السودان دولة موحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى