فساد البر والبحر

حسين التهامي
عاشت بلادنا مجاعة طاحنة فى عام 1888م- 1889م وحملت أسم مجاعة سنة 6 لأنها وافقت سنة 1306 للهجرة النبوية الشريفة.
ولا يعرف على وجه الدقة عدد الذين قضوا نحبهم جراء تلك الجائحة التى كانت نتيجة لأسباب مختلفة من بينها أمراض وبائية أصابت المواشي وكذلك سياسات دولة الخليفة عبد الله التعايشى وحروبها خاصة ضد إثيوبيا وبريطانيا في الشرق والشمال، والتمرد في الغرب مما أنهك خزانة دولته نتيجة الاستنزاف المالي والأهم تجنيد الرجال لخوض تلك الحروب المتصلة.
ثم جاءت مجاعة 1983م- 1984م والتى أطلق عليها اسم مجاعة ريغان ليس لأنه تسبب بها بل لأن المعونة الغذائية الأمريكية التي أرسلتها الحكومة الأمريكية تحت إدارته آنذاك أنقذت الناس من الموت جوعاً – وكما نعرف فإن اسم الرئيس الأمريكي الأسبق أطلق على نوعية الذرة التى أرسلتها الحكومة الأمريكية ضمن عملية إغاثة السودان Sudan Relief وأطلق عليها إسم عيش ريغان.
تلك المجاعة غيرت خريطة وتركيبة السودان بالكامل على نحو تدريجى فقد مات أكثر من 300 ألف معظمهم في إقليم دارفور . وكانت المجاعة نتيجة فساد نظام الرئيس الراحل جعفر النميري وانعدام كفاءة الحكومة والأهم انقطاع الأمطار لنحو عامين ليس عن السودان فحسب بل كامل إقليم جنوب الصحراء من موريتانيا على المحيط الأطلسي غرباً وحتى القرن الأفريقي إلى المحيط الهندي شرقاً نتيجة التبدلات المناخية العظمى بسبب ظاهرة الاحتباس الحرارى.
وحسب الأمم المتحدة، يشير تغير المناخ إلى التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس. يمكن أن تكون هذه التحولات طبيعية، بسبب التغيرات في نشاط الشمس أو الانفجارات البركانية الكبيرة. ولكن منذ القرن التاسع كانت الأنشطة البشرية هى المحرك الرئيسي لتغير المناخ، ويرجع ذلك أساساً إلى حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز.
ينتج عن حرق الوقود الأحفوري انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تعمل مثل غطاء ملفوف حول الأرض، مما يؤدي إلى حبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة.
تشمل الغازات الدفيئة الرئيسية التي تسبب تغير المناخ ثاني أكسيد الكربون والميثان. تأتي هذه من استخدام البنزين لقيادة السيارة أو الفحم لتدفئة مبنى، على سبيل المثال. يمكن أن يؤدي تطهير الأراضي وقطع الغابات أيضاً إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون. تعتبر عمليات الزراعة والنفط والغاز من المصادر الرئيسية لانبعاثات غاز الميثان. وتعد الطاقة والصناعة والنقل والمباني والزراعة واستخدام الأراضي من بين القطاعات الرئيسية المسببة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
قال الله عز وجل في سورة الروم: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} [الروم:٤١ – ٤٢].
كانت تلك المجاعة بمثابة إشارة لم يعد من الممكن تجاهلها بانصرام حياة المرعى فى كامل تلك المنطقة بعد أن بدأ الجفاف يضرب مناطق المرعى التقليدية.
ومن بين الذين التقطوا تلك الرسالة شيخ قبيلة المحاميد هلال محمد عبد الله، ويعد 20 عاماً ظهر أسم ابنه موسى قائداً لما عرف بالجنجويد والذى قدر أنه سيجنب عشيرته الفناء بالاستيلاء واستلام أرض دارفور من السكان الأصليين المستقرين فوقها، وبعد 20 عاماً أخرى ظهر أسم محمد حمدان دقلو وعينه هذه المرة على السودان بأكمله بعد أن انتزع منجم جبل عامر للذهب من سيطرة موسى هلال في 2017 م وبدأ فى تكوين امبراطورية مالية مهولة يتم توظيفها في تكريس وجوده كأهم لوردات الحرب فى كامل جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى.
فذلك ماكان من أثر فساد البحر فى حربنا هذه أما فساد البر فهو ما نراه اليوم.