كمين جوبا

راشد عبد الرحيم
قبل عدة سنوات وإبان حكم الإنقاذ زرنا رفقة وفد صحفي مدينة الفاشر وفي جولة علي مؤسسات الولاية وقفت عند لافتة لوزراة (الثروة الحيوانية والسمكية).
قلت لمن معي هل تجد الفاشر المياه التي تكفي الإنسان والحيوان علي الأرض حتي تجد ماء لتنتج به (ثروة) سمكية ؟
كان هذا مؤشر لواحدة من الأعطاب والأدواء التي تصيب الحكم المحلي إذ تفرض علي ولايات مؤسسات وهياكل ليست لها وجود فيها ولا يمكن ان يكون لها.
في نيالا أقيم مصنع للجلود وعند نشوب ثورة أبريل ضد حكم الرئيس نميري خرج العاملون بالمصنع في مظاهرات ضد الحكومة ولم يعودوا للمصنع وتركوا بعض الجلود وعليها خيوط لم يكتمل نسجها.
و ظل العاملون في المصنع يصرفون رواتبهم لسنوات بعدها بل ومعها حوافز إنتاج والحكومة المركزية غائبة عن ذلك وعن أموالها المهدرة !!
الأسبوع الماضي أصدرت وزارة الحكم الإتحادي قرارا بتقليص الوزارات من خمس وسبع إلي ثلاث، والوزارة جهة غير مختصة فالأمر من إختصاص المجالس التشريعية و النيابية بالولايات.
يهدف القرار لتقليص الهياكل لخفض الصرف ولكن تقليل العدد مع بقاء ذات المهام لن يوصل للنتيجة المبتغاة وستظل الوظائف قائمة مع تقليل عدد الوزراء وستذهب مخصصاتهم وسياراتهم لدرجات أدنى، ذلك مع قلة الأموال التي تصرف علي ثلاث وزارات ولن تتغير بقرار التقليص.
إلي الآن يسود فينا إتفاق جوبا الذي نصب حميدتي علي رأس الإقتصاد مع منصب نائب رئيس مجلس السيادة.
إتفاق جوبا كان سبب تعيين الهادي إدريس والطاهر حجر في مجلس السيادة ولم نر لهما عملاً ولا ركزاً طوال فترة عضويتهما ليتحولا من بعد إلي متمردين.
إتفاق جوبا هو الذي حدد الصرف الكبير علي ولايات دارفور وهو الذي عين أعضاء جدد في مجلس السيادة ولا يجد لهم الناس عملاً وأثراً بل قل من يتذكر أسماءهم.
تحكمنا الهياكل الميتة التي تجاوزها الزمن وهي التي تستحق التغيير.
بعد الحرب لا بد من تغييرات كبيرة ومن أهمها أن أعداداً كبيرة نزحت من مناطقها ومنهم من قرر البقاء في مكان هجرته حتي بعد نهاية الحرب ومنهم من أكتسب عملاً وأسس مشروعات منتجة. كما أن مشاريع تعطلت في المناطق التي غادروها.
كل ذلك مع ما أصاب عدداً من الولايات من دمار من قبل التمرد وتحركات الولايات الذاتية في الحرب تحتاج لمزيد من الإصلاحات والتغييرات مع تقوية الحكم المحلي بمزيد من الصلاحيات والإمكانيات لإزالة آثار الحرب وعودة المشروعات الكبري للعمل والإنتاج بنظم جديدة مواكبة.
السودان ليس دولة إتحادية فهو يختلف عن الولايات المتحدة التي قامت علي وحدة ولايات ولا الإمارات العربية التي قامت علي وحدة إمارات.
الدول الإتحادية تنشأ من مجموعات دول أو كيانات تقيم بينها إتحادا والسودان نشأ منذ الإستقلال دولة مكونة من أقاليم.
مخجل ألا يزال إتفاق جوبا هو الذي يتحكم فينا إلي اليوم .
علينا أولاً لكي نؤسس دولة مزدهرة ونامية ومتطورة الخروج من (كمين جوبا) .