تقارير

كيف أصبحت (الفاشر) شوكة في حلق (توم بيرللو)؟

المحقق – عزمي عبد الرازق

لم يكن التصريح الآخير الذي أدلى به المبعوث الأمريكي للسودان ،توم بيريللو، بخصوص الفاشر بريئاً. بإمكانك أن تشم رائحة دعاية حربية لصالح التمرد، تحديداً في إشارة بيريللو بأن “قوات الدعم السريع تستعد لشن هجوم جديد على مدينة الفاشر، في حين يستمر قصف الجيش”، وقد طالب المبعوث الأمريكي في تغريدة على منصة إكس، من أسماهم بـ(طرفي النزاع) الامتناع عن التصعيد.

فك الحصار عن الفاشر
بيد أن ابن طبيب الأطفال والمهاجر الإيطالي (فيتو أنتوني) تجاهل حقيقة مهمة مفادها أن مجلس الأمن أصدر قي يونيو الماضي قراراً طالب فيه قوات الدعم السريع برفع الحصار عن الفاشر، دون أن تنصاع تلك القوات التي – يشيدون بتعاونها – بذلك القرار المُلزم، فيما انخض شيئاً فشيئاً صوت أبناء (العم سام) الذي كان ينبغي أن يضغط على قوات الجاهزية لاحترام القرارات الدولية، عوض أن يرتفع صوت الراجمة 40 دليل، ودوي المدافع التي يتم منها تدوين المدينة الصامدة الصابرة.

أكثر ما بدا مُحيراً أن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة يصنف الفاشر بأنها أقلّ احتياجاً للمساعدات مقارنة بمناطق سيطرة الدعم السريع في غرب دارفور، والتي ذهبت إليها ما يربو على 200 طن من المواد الغذائية عبر معبر أدري ‘ كدفعة أولى – وذلك بالرغم من أن الفاشر التي يقطنها نحو 1.8 مليون نسمة، تحتضن معسكرات نزوح، وفي حاجة مُلحة للمساعدت، سيما وقد لجأ إليها العديد من أبناء دارفور الفارين من جرائم الجنجويد في الولايات الأخرى.

وفيما تعرضت واحدة من تلك القوافل إلى عملية نهب سريع من قوات التمرد، ومع ذلك يفتأ المبعوث الأمريكي توم بيريللو يحث (طرفي النزاع) بالامتناع عن التصعيد، والسماح للمساعدات بالوصول إلى المدنيين، كما لو أن المدنيين في الفاشر ليس لهم من الغذاء نصيب، ولا عند منظمات حقوق الإنسان حقوق، وعلى رأسها حقهم في الحياة.!

سيناريو تحالف جبال الألب لإسقاط آخر القلاع الصامدة في دارفور، أظهر منه توم بيريللو – بقصد أو ربما دون قصد – رأس جبل الجليد، فهو هنا عندما يتحدث عن هجوم وشيك على الفاشر يثير العديد من الأسئلة والزوابع الرعدية، إذ كيف تسنى له أن يعلم بذلك المخطط، ولا يسعى لإيقافه؟ بينما يحذر من ردة الفعل الطبيعية للجيش والقوات المشتركة! وهي القوات التي ظلت في حالة دفاع مستمر، وتقوم بواجبها الذي تكفله لها القوانين الدولية والأديان السماوية، في صد العدوان عن نفسها وشعبها.

طلباتك أوامر
“حث الطرفان على وقف القصف” تلك العبارة البيرلاوية أدخلت الدكتور الحصيف تاج الدين نيام في نوبة من الحيرة، حد أنه تعجب من أمر المبعوث الأمريكي، إذ كيف يؤكد على حشد المليشيا والمرتزقة لشن هجوم علي الفاشر، دون أن يطالبهم بالكف عن ذلك، وهو بالنسبة لهم “طلباته أوامر”، لكن المبعوث هنا يساوي بين المجرم والضحية، أما إذا قصد تخويف الجيش والقوات المشتركة والمستنفرين فـ(النجوم أقرب) على حد تعبير نيام.

تعرضت حاضرة ولاية شمال دارفور إلى 130 هجوماً من قبل المليشيا، وتكسرت قوتهم الصلبة على أسوارها، وفقاً لرواية المتحدث باسم القوات المشتركة الرائد أحمد حسين، الذي أرجع في حواره مع موقع (المحقق) الإخباري سر صمود الفاشر إلى شعور أهلها بأن ما يحدث لمدينتهم حالياً هو غزو أجنبي وليست مجرد حرب بين السودانيين.
ويستدعي أحمد حسين العديد من الشواهد، مثل هلاك قائد جبهة فاكت التشادية مهدي بشير في المعركة الأخيرة وكذلك هلاك التشادي إدريس بركاوي في معارك وادي أمبار وهلاك آلاف المرتزقة من جنسيات ليبية ونيجرية، وهو ما أدى إلى تماسك الإرادة لأبطال وميارم مدينة الفاشر (أدَّاب العاصي) بكل تاريخها البطولي والنضالي المديد.

صفحة علي يعقوب
بالنسبة لمُستشار رئيس حركة العدل والمساواة، عبد العزيز عشر ، فإن القوات المشتركة تتمتع بكفاءة قتالية عالية، وقدرات عسكرية تتفوق بها على المليشيا، وهو تقريباً المأزق الذي تعاني منه قيادة عمليات الدعم السريع حاليًا في محاولاتها المستمرة للسيطرة على فاشر أبو زكريا، تلك المدينة العصية التي هلك على أسوارها آلاف المرتزقة. وهنا ربما لا نحتاج إلى التذكير بمقتل قائد الدعم السريع علي يعقوب على تخوم الفاشر، لأن موته الصاخب – حين غزوة – أثار خيوطاً من الدخان سدت على أصحاب مخططات السيطرة على كامل التراب الدارفوري الرؤية تماماً، وأفقدت المليشيا أحد أبرز قادتها وأكثرهم حماساً وفاعلية في الميدان الغربي.

الصفقة الكبرى
“لن نقايض الخرطوم بالفاشر” الطقس المتقلب في مدينة بورتسودان جعل تلك العبارة الخطيرة التي قفزت على لسان رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان تمر مرور الكرام، فهي وبالرغم من أهميتها لم تجد حظها من الحفر والاستخلاص والغربلة، كما يفعل عمال مناجم الذهب في جبل عامر وتلال البحر الأحمر، لأن تلك المقايضة، التي لا يعرف معظم الناس ملابساتها، وبالضرورة سماسرتها، تستبطن مساومة، أي الخرطوم للجيش مقابل الفاشر للدعم السريع، ليخلُ لهم وجه (493,180 كم²) تقريباً من مساحة السودان، لكن تأكيد قائد الجيش، وقرائن والأحوال كشفت عن فشل الصفقة لجهة أن التراب السوداني واحد، هكذا تنظر إليه القوات المسلحة.

بيرللو شخصية مُزيفة
عموماً فإن جراب توم بيرللو بخصوص دارفور حافل بالمفاجآت غير السارة، وهو نفسه بالعجلة التي يبديها أحيانًا، ربما ليضع قطوف مهمته على مائدة الحزب الديمقراطي، قبيل الإنتخابات، تثير العديد من المخاوف، وربما تسعف سيرته الداعمة لحق الإجهاض بعد أن كان على النقيض، ومعارضته حظر الأسلحة الهجومية للأمريكيين، ما يعنيه ذلك كديمقراطي متشدد ينحرف بشكل حاد عن خط الحزب الديمقراطي، وفقاً للصحفي الأمريكي (مارك جوزيف)، أما تجاربه وراء جدان الكابيتول فتحتاج إلى من يفض مغاليقها، فهى بلا مبالغة تسفر عن حقيقة رجل يظهر خلاف ما يبطن، كما وصفته صحيفة أمريكية أثناء حملة ترشيحه للكونغرس “بأنه يعمل ضمن عصابة سياسية تتوهج شخصياتهم المزيفة مثل منارة في الضباب”. فضلاً على أنه وبصورة آخرى لا ينفصل عن رهط من أسماهم الدكتور عشاري محمود بـ”جنحويد الإمبراطورية الأمريكية”، الذين عهد إليهم تأجيج نيران الحرب، فقد كرّس جل أوقاته للعمل الخارجي، وعمل مديراً تنفيذياً لرعاية مؤسسات العمل المفتوح”، ومن ثم مساعدًا للمدعي العام الدولي للمحكمة الخاصة لسيراليون، وعمل أيضًا لفترة كمستشار للأمن القومي في كوسوفو ودارفور ومرتين في أفغانستان لصالح المركز الدولي للعدالة الانتقالية، وفي فبراير 2024، تم تعيينه مبعوثًا أمريكياً خاصًا إلى السودان، وهى المهمة التي أنفق فيها نحو سبعة أشهر، أسفرت عن جنين مفاوضات جنيف الناقص، دون حاجة إلى التذكير بأن توم بيريللو – المحامي والدبلوماسي الأمريكي – عاد ليدعم حق النساء في الإجهاض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى