رأي

لا تستعجلوا قطف الثمار!

عميد شرطة (م)

عمر محمد عثمان

مع توالي انتصارات الجيش السوداني، بدأت بعض القوى السياسية والمجتمعية تتحرك وكأن الحرب قد انتهت، فتورطت في خلافات وصراعات جانبية، متناسية أن المعركة لم تُحسم بعد، وأن العدو لا يزال متربصًا. الأخطر من ذلك أن هذه التباينات لم تقتصر على الأطراف السياسية فقط، بل امتدت حتى إلى من يقفون في ذات الصف مع الجيش، وكأن البعض قد استعجل قطف الثمار قبل نضوجها.

التجارب التاريخية تعلمنا أن أخطر ما يهدد الانتصارات هو التنازع الداخلي. فالحروب لا تُحسم فقط في الميدان، بل تحتاج إلى جبهة داخلية موحدة تحمي ما تحقق، وتمضي بالبلاد نحو الاستقرار. من يتابع المشهد الحالي يلحظ أن البعض بدأ يتحدث عن ترتيبات ما بعد الحرب وكأن كل شيء قد انتهى، بينما لا تزال المعركة في أوجها، ولا يزال العدو يحاول إعادة ترتيب صفوفه. أي انشغال بخلافات جانبية الآن يمنحه فرصة ذهبية لاستعادة توازنه، وهو ما لا يجب أن نسمح به.

يقول الله تعالى في محكم تنزيله: “ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ” (الزمر: 29). هذه الآية تعكس تمامًا خطورة التشاكس والانقسام، فالمعركة لا تحتمل تعدد الأجندات أو تضارب المصالح، بل تحتاج إلى رؤية موحدة تضع الهدف الأساسي فوق كل اعتبار.

إن الخلاف حول السلطة في هذا التوقيت ليس مجرد ترف سياسي، بل هو خطأ استراتيجي قد يكلفنا غاليًا. القضايا المتعلقة بالحكم والانتقال السياسي يجب أن تُناقش في وقتها المناسب، لا أن تتحول إلى معارك تستنزف الطاقات في وقت نحن في أمسّ الحاجة إلى توحيد الصفوف. التصريحات المتسرعة، والاتهامات المتبادلة، والاستعراضات الإعلامية، كلها عوامل تضعف الجبهة الداخلية وتفتح الباب أمام الفوضى.

علينا أن ندرك أن اللحظة الحاسمة لم تأتِ بعد، وأن الأهم الآن هو إكمال المسيرة، لا الدخول في نزاعات تعيدنا إلى الوراء. فالنصر لا يكون فقط بالسيطرة على الأرض، بل بالحفاظ عليها، وتأمينها، وإدارتها بحكمة. التحدي الحقيقي ليس فقط دحر العدو، بل منع أي انتكاسة تعيدنا إلى المربع الأول. ولتحقيق ذلك، لا بد من ضبط النفس، والتعامل بوعي ومسؤولية، وإعلاء مصلحة الوطن فوق المصالح الضيقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى