لا كبير على الدولة والقانون

عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
في عالم السياسة كثيراً ما نسمع شعارات مثل: “سيادة القانون” و “المساواة أمام العدالة”.
لكنها نادراً ما تتحول إلى ممارسات حقيقية. غير أن ما حدث مع السيناتور الديمقراطي أليكس باديلا في لوس أنجلوس كان تجسيداً عملياً لفكرة أن القانون يعلو على الجميع مهما كانت مناصبهم أو مكانتهم.
بدأت القصة عندما قرر باديلا، المعروف بمواقفه المعارضة لسياسات إدارة الرئيس دونالد ترامب، الاحتجاج بشكل مباشر على سياسات الهجرة المتشددة التي تشرف عليها وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم. لم يكتف بإصدار البيانات أو الظهور الإعلامي، بل اقتحم مع مجموعة من النشطاء مؤتمراً رسمياً كانت تعقده الوزيرة في لوس أنجلوس، معبرين عن رفضهم لما وصفوه بسياسات قاسية وغير إنسانية بحق المهاجرين.
لكن ما إن دخلوا القاعة حتى تدخل رجال الأمن وتعاملوا مع الموقف وفق مقتضيات القانون، دون اعتبار لمكانة أو منصب أيٍّ من المشاركين في الاقتحام. جرى اعتقال السيناتور باديلا كما اعتُقل بقية المتظاهرين، في مشهد ربما بدا غريباً للبعض: مسؤول منتخب يُقتاد مكبلاً أمام الكاميرات.
للوهلة الأولى قد يظن البعض أن في ذلك قسوة أو تشدداً، لكن الحقيقة أن المشهد حمل رسالة أعمق وأهم:
لا أحد فوق النظام، ولا كبير على الدولة.
القانون لا يفرّق بين من يجلس تحت قبة البرلمان ومن يهتف في الشارع. خرق التعليمات الأمنية وتعطيل الفعاليات الرسمية له تبعات قانونية بغض النظر عن النوايا أو الخلفيات السياسية.
وقد لُوحظ أيضاً أن رجال الشرطة الذين نفذوا أمر الاعتقال تصرفوا بكامل المهنية والانضباط، دون تردد أو خوف من عواقب محتملة، لأنهم يدركون تماماً أن القانون في صفهم، وأن أداءهم لواجبهم وفق اللوائح لن يعرّضهم للمساءلة أو فقدان وظائفهم، حتى لو كان الشخص المعتقل مسؤولاً رفيعاً. هذه الثقة في مظلة القانون تمنح رجل الشرطة القدرة على أداء مهامه باستقلالية وحياد كاملين، بعيداً عن ضغوط السياسة أو رهبة الأسماء الكبيرة، وهو ما يعزز بدوره هيبة الدولة ويثبت أن سلطة القانون فوق الجميع.
هذا المشهد يضعنا أمام مفارقة كبيرة مقارنة بكثير من دول العالم الثالث، حيث تتعطل أجهزة إنفاذ القانون أمام نفوذ بعض الشخصيات، وتُطوى ملفات المخالفات لأن صاحبها “فلان ابن فلان” أو “ينتمي للقبيلة الفلانية”. هناك يصبح القانون مجرد نص جميل، بينما في التطبيق يتوقف أمام الكبار.
ما جرى في لوس أنجلوس لم يكن انتصاراً للسلطة على المعارضة، بل انتصار للدولة على الفوضى. فالاحتجاج حق مشروع في أي نظام ديمقراطي، لكن حين يتحول إلى اقتحام وتعطيل مؤسسات رسمية، يصبح من حق الدولة فرض النظام، حتى لو كان المخالف سيناتوراً.
الدرس الذي ينبغي أن نستخلصه:
في الدول التي تحترم نفسها، الدولة أكبر من الجميع.
لا مسؤول، ولا نافذ، ولا صاحب لقب يعلو على القانون.