لعنة المليشيا تنزل كالصاعقة على الحكومة الكينية

د. محمد عثمان عوض الله
يبدو أن الحكومة الكينية لم تتعلم الدرس من الإمارات ولا من قحت/تقدم/صمود. فارتباط الإمارات و تقدم و كينيا، بالمليشيا كان وبالاً دخل عليهم جميعا بالساحق والماحق.
ارتباط دولة الأمارات بالمليشيا، التي ارتكبت كل أنواع الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، ودعمها عسكريا و ماديا و إعلاميا و سياسيا، هو السبب الوحيد الذي جلب لها الإدانة الواسعة من داخل الكونغرس الأمريكي و جعل النواب يكتبون قانوناً يجبر الإدارة على حظر تصدير الأسلحة الأمريكية لها، وجعل وزير الخارجية الأمريكي يقول إن صديقتنا متورطة و سوف نضغط عليها و نراقب سلوكها. (بالطبع لم يقل و نبتزها، لكنها هي الحقيقة).
و من ناحية أخرى، فإن ارتباط قحت/تقدم/ صمود، بالمليشيا، هو الذي جلب عليها السخط الشعبي السوداني، و جعلها مطاردة من الجاليات السودانية في كل مدن العالم، و جعل قادتها يعجزون عن إقامة أي منشط سياسي أو اجتماعي أو إعلامي مفتوح. بل عاجزون عن الحركة إلا بعد أن يتم تهريبهم من الأبواب الخلفية المخصصة للطباخين من الفنادق التي يقيمون فيها، و قد خصصت لهم الدول التي يزورونها حماية خاصة من أفراد الشرطة و الأمن.
لم تتعلم كينيا من هذه الدروس، بل سارت في غباء، على نفس الارتباط بالمليشيا. فاستضافت احتفالها بالاعلان عن توقيع ميثاق سياسي، يمهد لتشكيل حكومة موازية. أنظر ماذا كانت النتيجة: تعرضت الحكومة الكينية لموجة عاتية من الانتقادات الداخلية و الخارجية.
جاء الهجوم الأول من رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس الأمريكي، ثم من نائب الرئيس الكيني السابق، ووزير الخارجية الكيني السابق، و من عدد من أعضاء البرلمان الكيني، و عدد من الصحف الكينية، و تقدم عدد من المحامين والخبراء القانونيين الكينيين بدعوى قضائية في المحكمة الدستورية، ضد الحكومة وطلبوا منها منع استضافة كينيا لمنشاط المليشيا. هذا بالاضافة إلى رد الفعل العنيف للمعارضة الكينية التي تقف ضد السماح للمليشيا بممارسة نشاطها. وأخيراً موقف الحكومة السودانية الصارم و القوي، و أثره على الراي العام السوداني.
شن نائب الرئيس الكيني السابق ووزير الخارجية الأسبق وزعيم المعارضة حالياً السيد كالنزو مسيوكا، هجوما هو الأعنف على الرئيس الكيني روتو، واتهمه بأنه يريد أموال الذهب الملطخة بالدماء. وأنه يستقبل قادة الجنجويد المتهمين بارتكاب الإبادة الجماعية وجرائمهم موثقة بدقة و هو متواطئ معهم. وعلى الاتحاد الافريقي منع التعامل مع المليشيات خاصة التي تمارس الإبادة الجماعية.
وعلينا التحدث بصوت عالي لفضح الرؤساء الذين يتواطؤن مع المليشيات.
كما اتهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي السيناتور جيم ريش، حكومة الرئيس ويليام روتو ’’الآن، تساعد كينيا، حليفة الولايات المتحدة، قوات الدعم السريع على إضفاء الشرعية على حكم الإبادة الجماعية في السودان تحت ستار صنع السلام – وهذه محاولة لا يمكن تصورها لإخفاء الحقيقة ولن تنهي المذبحة ‘‘.
كما أصدرت 13 مجموعة كينية لحقوق الإنسان الجمعة 21 فبراير 2025، بيانا شديد اللهجة، دعت فيه الحكومة الكينية التراجع عن بيانها و الاعتذار بوضوح للشعب السوداني، و التوقف عن إدعاء الوساطة لأنها خرجت عن الحياد. كما طالبت الحكومة بطرد قادة المليشيا بإعلانهم أشخاصاً غير مرغوب فيهم.
تشمل مجموعات منظمات المجتمع المدني الرافضة لموقف الرئاسة الكينية من مليشيا الدعم السريع، عدداً من المنظمات الكينية أبرزها:
– مبادرة الأفارقة من أجل القرن الأفريقي (Af4HA)،
– منظمة مراقبة الفظائع في أفريقيا (AWA)،
– بيتي كار مورونجي، منتدى الحريات المدنية (CFF)،
– مركز جيست للتنمية (GESR)،
– أجندة غريس،
– لجنة حقوق الإنسان الكينية (KHRC).
– كينيون من أجل السلام مع الحقيقة والعدالة،
– شبكة منظمات المجتمع المدني في كيسومو،
– الشبكة الوطنية للضحايا والناجين،
– اتحاد المحامين الأفريقيين (PALU)،
– المركز الأفريقي للحكم المفتوح (AfriCOG)،
– القسم الكيني للجنة الدولية للحقوقيين في كينيا (ICJ-كينيا).
أما الصحف الكينية التي دأبت يوميا في عناوينها الرئيسية، على انتقاد تدخل الحكومة الكينية في شؤون السودان وظلت تحذر من تنتائجه على كينيا معتبرة أن الحكومة الكينية تلعب بالنار، مما يشكل خطرا على مكانتها الاقليمية. والصحف هي:
صحيفة The Star
صحيفة Daily Nation
صحيفة The Standard
أما على الجانب القانوني، فقد رفع خمسة من كبار الخبراء القانونيين الكينيين دعوى قضائية ضد كل من وزير الخارجية وشؤون المغتربين موساليا مودافادي، وزميله في وزارة الداخلية كيبشومبا موركومين، والمفتش العام للشرطة دوغلاس كانجا، والنائب العام دوركاس أودور.
طلبوا فيها من المحكمة العليا منع الحكومة الكينية من السماح لقوات الدعم السريع السودانية من توقيع أي اتفاق سياسي مع القوى السياسية والجماعات المسلحة على الأرض الكينية. واجبارها على عدم التدخل في المصالح السياسية لدولة أخرى، قائلين إنها تهدد الأمن القومي والسلام والاستقرار في كينيا. مؤكدين أن إطلاق حكومة موازية من نيروبي يمثل انتهاكا كينياً خطيراً لميثاق الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة و انتهاكًا لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة أخرى (المادة 4ج، القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي)”.
و الذين رفعوا هذه الدعوة هم: موندي وتيموثي كارانجا ومجيني مولينجا وعبد الله محمد وآشا خديجة.
مؤكدين في دعواهم أن السماح لحميدتي وحلفائه بالبقاء في البلاد وتوقيع اتفاقيات يقوض سيادة كينيا وعدم تدخلها في الشؤون الإقليمية للدول الأخرى.
على صعيد الحكومة السودانية، فقد اتخذت عدة خطوات تصعيدية، بدأتها ببيانين لوزارة الخارجية السودانية، و استدعاء السفير السوداني في كينيا كخطوة ذات دلالة، كما تم التلويح بايقاف الواردات الكينية لاسيما الشاي الكيني الذي يعد السودان ثاني أكبر مورديه. إلا أن الخطوة الأهم الاخرى، هي أن الحكومة السودانية قد وضعت كل هذه الحقائق أمام الراي العام المحلي والعالمي، اعلانا بتجاوز الحكومة الكينية لكل الخطوط والى انتهاء لغة الغرف الديبلوماسية المغلقة، تمهيدا للخطوة القادمة.
هذه التطورات على الصعيد الداخلي، سوف تعمل على تأجيج الاوضاع السياسية المضطربة أصلا. خاصة إذا اضفت إليها آثار الصراع القديم حول نتائج الانتخابات، و سوء الأحوال الإقتصادية وغلاء الأسعار و زيادة الضرائب و عجز الحكومة على دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية.
لاسيما وأن الراي العام الكيني المحلي ظل يتهم حكومة الرئيس روتو بالتدخل في شؤون دول الجوار والاساءة إلى سمعة كينيا و تحويلها من دولة وساطة في الصراعات إلى دولة منغمسة في تأجيج الصراعات خاصة بعد تدخلها العسكري المباشر وانتشار جنودها في شرق الكنغو الديمقراطية و في محاربة جماعة الشباب داخل الحدود الصومالية. وبسبب مجموع هذه العوامل، وبسبب عدم استجابة حكومة روتو إلى ضغوط المجتمع المدني والسياسي و استضافت قادة المليشيا وسمحت باقامة مناشطهم داخل كينيا، فإنه من المتوقع أن تزداد حدة الاضطرابات والمظاهرات وعدم الاستقرار السياسي والامني المتأجج أصلا منذ العام الماضي.