تقارير

لماذا لا تنعكس الثروات المعدنية في أفريقيا على اقتصاديات دولها؟

المحقق – عثمان صديق 

أكدت عدة دراسات إقتصادية على الطلب المتزايد على العديد من المعادن المتوفرة في عدد من الدول الأفريقية الأمر الذي جعل من هذه المعادن مصدراً لصادرات أفريقيا. ففي عام 2022، صدَّرت أفريقيا حوالي 29 مليار دولار من منتجات “المعادن الانتقالية”، وقد استفادت كثير من دول العالم من خلال توريد ما قيمته 55 مليار دولار من المعادن الانتقالية، والمعادن المشتقة منها، من أفريقيا في العام المذكور.

وخلال الفترة من عام 1995 إلى عام 2018، شكلت المعادن الانتقالية والمنتجات المرتبطة بها 23٪ من إجمالي صادرات أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ومن المتوقع أن يزداد الطلب العالمي بشكل أكبر مع تسارع التحول في مجال الطاقة، وأن يرتفع الطلب على المعادن الانتقالية الرئيسية التي تنتجها أفريقيا بسرعة حتى عام 2050.

وقد أشار تقرير صدر عن “شبكة المجتمع المدني” في الخامس من سبتمبر الجاري ونشرته صحيفة (ذا نيو تايمز – الرواندية) تحت عنوان “كيف يمكن لأفريقيا أن تستفيد إلى أقصى حد من معادنها الانتقالية؟” للمعادن التي تنتجها أفريقيا ويتم استخدامها في التقنيات المرتبطة بالانتقال إلى الطاقة المتجددة والمعادن المستخدمة في صنع تقنيات تلك الطاقة، فضلاً عن تلك اللازمة لمساعدة التقنيات الحالية (مثل المركبات الآلية) على العمل بالكهرباء.

ويشير التقرير إلى أن أفريقيا تعد مورداً مهماً للمعادن الانتقالية إلى العالم، إلا أن القارة عالقة عند مستوى منخفض نسبياً في سلاسل قيمة المعادن الانتقالية، حيث تقوم بمعالجة بعض معادنها ولكنها غائبة إلى حد كبير عن تصنيع العديد من التقنيات المرتبطة بالطاقة النظيفة.

ونتيجة لهذا، قد تفوت على القارة فرصة رئيسية لدعم النمو الشامل، وخلق فرص العمل والحد من الفقر.

ويرى المراقبون أن آخر طفرة كبيرة في الطلب على، وفي الأسعار الأساسية للمعادن، التي تنتجها القارة حدثت في الفترة من عام 2004 إلى عام 2014، وارتبطت بصعود الصين وحاجتها للمواد الخام. وعلى الرغم من ارتفاع الإيرادات الحكومية، فمن الملاحظ أن بعض البلدان الغنية بالموارد في أفريقيا جنوب الصحراء لم تستثمر بشكل فعال في تنويع اقتصاداتها أو وضع الأساس للنمو الاقتصادي المستدام. ونتيجة لذلك، بعد انتهاء طفرة السلع الأساسية، شهدت هذه البلدان نمواً أبطأ من غيرها، ولاستغلال هذه الفرصة يوصي التقرير بأن تقوم البلدان الأفريقية بتطوير سياسات قوية ولوائح مناسبة لتشجيع القيمة المضافة لمعادنها الانتقالية أو زيادة مشاركة الشركات الوطنية في توريد المعادن إلى شركات التعدين مع التركيز على الفوائد الاقتصادية الطويلة الأجل.

ويرى التقرير أنه يجب على شركاء التنمية، من الدول والمؤسسات التي تقدم المساعدات إلى أفريقيا أو تتاجر معها، أن يضمنوا أن جهودهم الرامية إلى الحصول على المعادن الانتقالية لا تساهم في زيادة معاناة المجتمعات المحلية، أو تدمير البيئة في مناطق التعدين أو معالجة المعادن، كما يجب ضمان حصول العمال في سلاسل قيمة المعادن الانتقالية والمجتمعات المتضررة على حصة عادلة من الفوائد الاقتصادية في شكل المسئولية المجتمعية.

وقد ظهر ذلك مؤخراً في حالات مثل مذكرات التفاهم بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مع زامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ومذكرات التفاهم بين الاتحاد الأوروبي وناميبيا ورواندا، حيث وعد شركاء التنمية بدعم البلدان الأفريقية لمعالجة معادنها الانتقالية محلياً، كجزء من الاتفاقيات المصممة لتسهيل الوصول إلى تلك المعادن.

ويرى خبراء حوكمة التعدين أن بعض الدول الغنية بالمعادن في أفريقيا ليست بالضرورة دولاً غنية وذلك لأسباب مختلفة منها الافتقار إلى مبادرات القيمة المضافة وبالتالي تصدير كميات هائلة من المعادن غير المعالجة، والافتقار إلى الوصول إلى الاستثمارات الكافية، والفساد واختلاس الأموال العامة المرتبط بالافتقار إلى الشفافية والمساءلة من جانب المسؤولين الحكوميين، والمساهمة الضعيفة لقطاع التعدين في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات، والتدهور البيئي ، فضلاً عن الاعتماد على دخل التعدين وتجاهل المزيد من الفرص التي تقدمها القطاعات الاقتصادية الأخرى.

وقد خطت رواندا خطوات حثيثة في هذا الاتجاه و من المعلوم أنها تعد موطناً للمعادن الانتقالية بما في ذلك، بشكل أساسي، البريليوم والليثيوم، وقد أعطت الأولوية حتى الآن لأنشطة الاستكشاف لتسريع رواسب المعادن الانتقالية وتقييم جدواها الاقتصادية قبل المغامرة في التعدين والمعالجة وإضافة القيمة وبيع نفس المعادن. إذ حققت صادرات رواندا المعدنية رقماً قياسياً بلغ مليار دولار في عام 2023 وهي تستهدف 2 مليار دولار من عائدات تصدير المعادن السنوية بحلول عام 2029. وقد رحبت رواندا بثاني أكبر شركة تعدين في العالم – شركة ريو تينتو البريطانية الأسترالية لاستكشاف الليثيوم المستمر في جميع أنحاء البلاد. وتم إطلاق أنشطة مماثلة في منجم ترينيتي ميتالز، موشا- نتونجا من قبل الإدارة العليا لمجلس مناجم رواندا والبترول والغاز وهي مع ذلك تهدف إلى أن تصبح مركزاً معدنياً لأفريقيا، حيث توجد حتى الآن شركات تصهر الكاسيتريت والكولتان والذهب في البلاد.

أما في السودان فقد شاركت شركة الموارد المعدنية بفعالية في قمة منتدى أفريقيا والصين ( فوكاك 9) في بكين ضمن الوفد الاقتصادي المصاحب للفريق اول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي والذي شهد التوقيع على عدد من الاتفاقيات الثنائية بين البلدين كان منها ما يخص شركة الموارد المعدنية، وحتى بعد ختام المنتدى واصلت الشركة في اجتماعاتها مع المستثمرين ورجال الأعمال الصينيين، وقال المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة، محمد طاهر عمر، خلال زيارته لمقر مجموعة شركات «AUXIN» الصينية، ببكين، إنها تعتبر من الشركات الرائدة في صناعة المواد الكيمائية والمتفجرات المستخدمة في مجال التعدين ، مشيراً إلى أن الزيارة تأتي في إطار الجهود التي تقوم بها الشركة، لعودة جميع الشركات الأجنبية الصديقة والتي توقفت بسبب الحرب وتمرد مليشيا الدعم السريع على الدولة.

ويرى خبراء إقتصاديون أن على الدول الأفريقية الاحتفاظ بالذهب في البنوك المركزية نظراً لقيمته على المدى الطويل وأدائه أثناء الأزمات ودوره كمُنوع فعال للمحافظ، و على الرغم من أن بعض الأفارقة يعرفون ويفهمون قيمة الذهب، فإن العديد منهم يتاجرون بالمعدن لتلبية احتياجاتهم اليومية لذا يتعرضون للاستغلال.

ويفسر عدد من الخبراء اندفاع البنوك المركزية الأفريقية نحو الذهب إلى الحاجة إلى حماية عملاتها المحليين. ففي سبتمبر 2023 كان سعر الذهب للأوقية 1900 دولار. وفي عام 2024 أصبح يباع بسعر 2500 دولار. لذا، يعد الاستثمار في الذهب استثماراً جيداً للغاية. ومن المفيد التذكير بأن إنتاج الذهب الأفريقي نما بنسبة 60٪ منذ عام 2010، وفقاً لمجلس الذهب العالمي، وهو أعلى من الزيادة العالمية بنسبة 26%.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى