ماذا وراء الأكمة؟ قرارات الرئيس ترامب بتعديل التعريفة الجمركية، الواقع والتحديات

بروفسور أحمد مجذوب أحمد
في أبريل 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن سلسلة من الإجراءات التجارية التي قال إنها تهدف إلى تعديل الميزان التجاري للولايات المتحدة، وخلال ما أسماه “يوم التحرير”، كشف ترامب عن فرض تعريفات جمركية شاملة بنسبة 10% على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة، باستثناء تلك القادمة من كندا والمكسيك، وذلك اعتبارًا من 5 أبريل 2025. بالإضافة إلى ذلك، أعلن عن تعريفات “متبادلة” أعلى على حوالي 60 دولة، استنادًا إلى ما وصفه بالممارسات التجارية غير العادلة، على أن تدخل هذه التعريفات حيز التنفيذ في 9 أبريل 2025.
شملت هذه التعريفات الإضافية فرض رسوم بنسبة 34% على الواردات الصينية، بالإضافة إلى الرسوم السابقة، مما رفع المعدل الإجمالي إلى 54% على البضائع الصينية بعد 9 أبريل. كما تم فرض رسوم بنسبة 20% على الاتحاد الأوروبي، و25% على كوريا الجنوبية، و24% على اليابان، و26% على الهند، و30% على جنوب أفريقيا.
هذه الإجراءات أثارت ردود فعل دولية واسعة، حيث أعرب العديد من القادة العالميين عن قلقهم من تصاعد التوترات التجارية وتأثيرها على الاقتصاد العالمي. كما أبدت الأسواق المالية تقلبات ملحوظة استجابةً لهذه التطورات.
أبدى قادة ماليون بارزون، مثل ستانلي دراكنميلر، معارضتهم للتعريفات المقترحة التي تتجاوز 10%، محذرين من أنها قد تؤدي إلى عدم استقرار الأسواق وتضر بالاقتصاد.
على الصعيد السياسي، أعرب أعضاء في الكونغرس من كلا الحزبين عن قلقهم من هذه السياسات التجارية، مع اقتراح تشريعات للحد من صلاحيات الرئيس في فرض التعريفات. كما أبدى قادة دوليون استياءهم، حيث وصفت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، هذه التعريفات بأنها “ضربة كبيرة للاقتصاد العالمي”.
ما هى الأسباب التي دفعت الرئيس ترامب لاتخاذ هذه التغييرات الكبيرة فى التعريفة الجمركية ؟
أول هذه الأسباب العجز الكبير فى موارنة الدولة ، حيث برر الرئيس ترامب هذه الخطوات بأنها ضرورية لمعالجة العجز التجاري الكبير والمستمر للولايات المتحدة، واصفًا إياها بأنها “إعلان استقلال اقتصادي”. وأشار إلى أن هذه التعريفات ستعزز الإنتاج المحلي وتخلق وظائف أمريكية.
فقد شهدت الولايات المتحدة خلال السنوات الخمس الماضية عجزًا في الموازنة الفيدرالية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي على النحو التالي:
• بلغ العجز فى السنة المالية 2020: نسبة 14.9% من الناتج المحلي الإجمالي ، أما فى السنة المالية 2021 فقد انخفض العجز إلى 10.3% من الناتج المحلي الإجمالي، وواصل العجر الانخفاض فى السنة المالية 2022: ليصل إلى 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي ، أما السنة المالية 2023 فقد ارتفع العجز إلى 6.3% من الناتج المحلي الإجمالي ، أما فى السنة المالية 2024 فقد بلغ العجز 6.4% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويرجع ارتفاع نسبة العجز عام 2020 إلى آثار كوفيد-19 أما بقية التغيرات فتظهر تأثير الأحداث الاقتصادية والسياسات المالية على الموازنة الفيدرالية خلال هذه الفترة الزمنية، والأرقام أدناه تبين حجم العجز بالأرقام فى كل سنة مالية:
فبينما بلغت الإيرادات 3.43 ترليون دولار فى عام 2020 بلغت المصروفات 6.55 ترليون بعجز 3.13 ترليون دولار بنسبة 47.78% من موازنة العام
أما فى عام 2021 فقد بلغت الإيرادات 4.05 ترليون والمصروفات 6.82 ترليون بعجر 2.77 ترليون دولار . بنسبة 40.61% من موازنة العام .
اما فى موازنة عام 2022 فقد بلغت الإيرادات 4.9 ترليون دولار والمصروفات 6.35 ترليون دولار بعجز بلغ 1.45 ترليون دولار ، بنسبة 22.83% من موازنة العام ، أما موارنة 2023 فقد بلغت الإيرادات 4.44 ترليون والمصروفات 6.13 ترليون بعجز بلغ 1.69 ترليون ، بنسبة 27.56% من موازنة العام .
أما فى عام 2024 فقد بلغت الإيرادات 4.92 ترليون فى حين بلغت المصروفات 6.75 ترليون وزاد العجر عن العام السابق إلى 1.83 ترليون دولار. هذا وقد بلغت نسبة العحز لموازنة العام 27.11%.
هذا العجز الكبير يبين حجم التحدى الذى يقابل الموازنة السنوية للولايات المتحدة الأمريكية، وهو أحد الأسباب الرئيسة التي دفعت الرئيس ترامب لاتخاذ هذه القرارات.
والملاحظ أن الاقتصاديين يلجأون إلى نسبتها للناتج المحلي الاجمالي بغرض الهروب من بيان الأرقام الحقيقة للعجز كنسبة من مصروفات الموازنة السنوية، ولو كان الناتج المحلي قادرا على توليد إيرادات إضافية لظهرت فى الأداء السنوي للإيرادات، وهي في كل الأحوال لم تنمُ بذات معدل نمو وزيادة الإنفاق الحكومي.
أما السبب الرئيس الثاني فهو تزايد عجّز الميزان التجاري مع جمهورية الصين، حيث بلغت الصادرات الأمريكية إلى الصين فى عام 2024 مبلغ 200 مليار دولار ، بينما بلغت الواردات الأمريكية من الصين 462 مليار بعجر بلغ 262 مليار دولار وظل هذا العجز سمة لازمة للميزان التجاري الصيني الأمريكي،
ومعلوم أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين بدأت منذ 2018 وأثّرت على التجارة بين الطرفين، حيث فرضت أمريكا تعريفات جمركية على الكثير من المنتجات الصينية، وردت الصين بإجراءات مماثلة.
بل هناك اتهامات أمريكية للصين بإعادة تصدير بضائعها عبر دول مثل المكسيك وفيتنام لتفادي الرسوم الجمركية.
و لا شك أن المستهدف الأساسي بهذه القرارات هو الصين، لعدد من الأسباب منها النمو المضطرد فى الاقتصاد الصيني ، ونشوء تكتلات تهدد المصالح الأمريكية (تجمع دول البريكس) الذى تمثل الصين وجوداً فعالاً فيه.
ومن المتوقع أن تؤثر هذه القرارات على الاقتصاد الصيني : فمن المتوقع أن تؤدي التعريفات الأمريكية إلى تقليل تنافسية المنتجات الصينية في السوق الأمريكية، مما قد يسبب تراجعاً في حجم الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، ويترتب على ذلك تباطؤ النمو فى الاقتصاد الصيني، خاصة إذا امتدت التأثيرات إلى قطاعات صناعية حيوية تعتمد على التصدير. كما تؤدى هذه السياسات إلى اضطراب الأسواق المالية الصينية ، التى شهدت تقلبات نتيجة للتوترات التجارية المتصاعدة، مما أثر على ثقة المستثمرين وأدى إلى تراجع مؤشرات الأسهم.
وازاء هذه الإجراءات، لم تقف الصين مكتوفة الأيدي، بل اتخذت إجراءات انتقامية، فبالإضافة إلى فرض تعريفات جمركية متبادلة، فرضت الصين قيوداً على تصدير بعض المواد النادرة، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مثل بعض المعادن النادرة ، وقدمت شكوى رسمية ضد الولايات المتحدة لدى منظمة التجارة العالمية.
هذا وقد أكدت وزارة الخارجية الصينية أن “الضغط والتهديدات لن تؤدي إلى حل”، مشددة على أن الصين “لا تخشى الصراع مع أمريكا”.
ولن تقف الآثار على الصين فقط وإنما ستشمل كل الشركاء الاقتصاديين، على المستوى الثنائي والعالمي.
ومن أهم الآثار التي ترتبت على هذه القرارات الاتى:
أولاِ ؛ على صعيد الاقتصاد الأمريكي:
فهناك إيجابيات محتملة (على المدى القصير لبعض القطاعات) تشمل :
• حماية بعض الصناعات الأمريكية من المنافسة الأجنبية (مثل الحديد والصلب والألومنيوم).
• تحفيز بعض الشركات لإعادة الإنتاج للداخل الأمريكي.
• زيادة إيرادات الحكومة من الجمارك.
أما السلبيات على الاقتصاد الامريكى فهي تشمل:
• ارتفاع تكلفة الواردات على الشركات والمستهلكين الأمريكيين، مما يؤدي إلى رفع أسعار كثير من السلع.
• زيادة تكلفة المواد الخام للمصانع الأمريكية، خاصة تلك التي تعتمد على الاستيراد.
• تراجع القوة الشرائية للمستهلك الأمريكي بسبب ارتفاع الأسعار، وقد شهدت غالب مدن الولايات المتحدة الأميركية احتجاجات كبيرة على هذه السياسات.
• ضغط على المزارعين الأمريكيين بعد رد الصين بفرض رسوم على المنتجات الزراعية الأمريكية.
• اضطراب في سلاسل التوريد العالمية.
ثانياً: الآثار على البورصات الأمريكية:
أدت هذه القرارات إلى تزايد حالة عدم اليقين والقلق في الأسواق المالية.ونتح عنها انخفاض مؤشرات الأسهم الأمريكية في فترات تصعيد الحرب التجارية، بسبب مخاوف المستثمرين من تباطؤ النمو العالمي. وحدثت تقلبات حادة في بورصة وول ستريت مع كل إعلان عن فرض أو إلغاء رسوم جمركية.
وحدث تراجع فى أسهم شركات التكنولوجيا والصناعات التي تعتمد على التصدير أو على سلاسل الإمداد العالمية.
ثالثاً: الآثار على الاقتصاد العالمي: لا شك أن هذه القرارات ستؤدي إلى تباطؤ حركة التجارة العالمية، وتراجع معدلات النمو في الصين وأوروبا. كما يتوقع أن تؤدي إلى تغيير في خريطة التجارة العالمية مع دخول دول جديدة لتعويض النقص (مثل فيتنام والمكسيك).
وأهم وأكبر الاثار انهيار فكرة حرية التجارة ، وبالتالي تراجع دور منظمة التجارة العالمية ، التى انعقدت لها المؤتمرات وقدمت فيها البحوث وشاركت فيها الوفود ووضعت لها الاتفاقات وحشدت لها أجهزة الإعلام ، وأخيراً ذاب جبل الجليد، وثبت أن لكل دولة مصالح اقتصادية ينبغي أن تحافظ عليها وتعمل من أجلها .
وإذا استمرت الحرب التجارية فقد تؤدي إلى ركود عالمي شبيه لما حدث فى العام 1928، قد يؤدى إلى ظهور مدارس اقتصادية جديدة ، ترتكز على بيان عجز الفكر الاقتصادي في المرحلة السابقة عن توليد أفكار تحقق التوازن بين الدول وتحفظ المصالح المشتركة للجميع.
ولنا عودة، إن شاء الله، فلا زالت التفاعلات مستمرة.