معنى أن يكون للسودان خطة وطنية للانتقال الشامل إلى الطاقة المتجددة

د. جعفر أحمد خليفة
عطفاً على مقالات سابقة تحدثت فيها عن دوافع السودان الوطنية للانتقال للطاقة المتجددة، ضرورة جماهيرية التوليد من الطاقة الشمسية،…الخ. أتناول في هذا المقال معنى أن يكون للسودان خطة وطنية للانتقال للطاقة المتجددة.
*أولاً:* لئن كانت دوافع دول العالم للانتقال للطاقة المتجددة هي دوافع مناخية بحتة، فينبغي للسودان أن يقدر دوافعه للانتقال انطلاقاً من مصالحه الوطنية الخالصة، لاسيما أن بصمة السودان الكربونية لا تتعدى 0.05% حسب منظمة الطاقة الدولية، وقد أشرت في مقال سابق إلى تلك الدوافع (أمن قومي، دافع اقتصادي، تنمية ريفية، المحافظة على الثروة الغابية). إدخال الثروة الغابية ضمن مفهوم الانتقال للطاقة المتجددة هو في الواقع إعادة تعريف للمفهوم العالمي للانتقال من منظور وطني.
*ثانياً:* التأكيد على شمول الخطة الوطنية لكل جوانب الانتقال وفق المفهوم العالمي للانتقال والذي يغطي القطاعات التالية:
[1] توليد الكهرباء من مصادر متجددة. [2] كهربة قطاع النقل (سيارات، شاحنات،…) ليكون مستهلكاً للطاقة الكهربائية المولدة من مصادر متجددة مما يقتضي التوجه لاستخدام السيارات والشاحنات والقاطرات الكهربائية بدلاً عن وسائل النقل المستهلكة للوقود الأحفوري.
لقد أضحى هذا الأمر واقعاً معايشاً في معظم دول العالم بما فيها دول إقليمية حولنا. هنا لابد من الإشارة إلى أن تأخرنا في هذا المجال سيجعل من بلادنا مكباً لوسائل النقل التقليدية الواردة من دول إقليمية بأسعار رخيصة حسب استراتيجيات تلك الدول الخاصة بالتحول للطاقة المتجددة، مما سيشكل عبئاً ثقيلاً على اقتصادنا الوطني بتضخيم فاتورة استيراد الوقود الأحفوري.
[ 3] كهربة القطاع الصناعي (اسمنت، حديد، الخ). [ 4] وضع خطة وطنية لإنتاج الهيدروجين الأخضر ضمن خطتنا الوطنية للانتقال للطاقة المتجددة. الهيدروجين الأخضر، كما أشرت في مقال سابق، سيقوم بذات الدور الذي لعبه النفط خلال النصف الثاني من القرن الماضي، حيث حرك عجلة الإنتاج، وأسهم بشكل فاعل في تشكيل العلاقات والتحالفات الدولية على النحو الذي تسير عليه اليوم. إن مكسبنا الوطني من الهيدروجين الأخضر سيكون عظيماً جداً إذا تعهدناه بخطة طموحة كما فعلت كثير من بلدان شمال أفريقيا والجزيرة العربية بسبب وفرة موارد إنتاجه. مما هو معلوم لدى المهتمين بسوق الطاقة الخضراء، أن الاتحاد الأوروبي قد رصد مئات مليارات الدولارات لتصرف في منطقة شمال أفريقيا والجزيرة العربية الغنية بالطاقة الشمسية احد أهم مدخلات إنتاج الهيدروجين الأخضر، والغنية كذلك بطاقة الرياح، وقد تم توقيع عقود مليارية ضخمة مع كل من مصر وموريتانيا والسعودية وعمان وغيرها من دول الإقليم، لينتج فيها الهيدروجين الأخضر ثم يُصَدر إلى أوروبا.
وضع خطة وطنية للطاقة المتجددة هو ليس موضوع يخص وزارة الطاقة وحدها، إنه موضوع كل وزارات الحكومة متضافرة.
أخيراً، قد يرى بعض القراء في موضوع المقال إنصرافية وترف حيث أن الهم الشاغل الآن هو هم أمني في المقام الأول. أقول: إنه من أهداف راسمي وأصحاب خطة الحرب الحقيقيين أن يصرفونا عن التفكير في مثل هذه الشؤون الاستراتيجية ويشغلونا عنها بالحرب.
والتخطيط في هذا الاتجاه لا يحتاج لمال يصرف وليبقى المال للهم الأمني. وضع السياسات والخطط لا يحتاج منا سوى رأس المال العقلي. وحسبنا أن انتقالنا إلى الطاقة المتجددة يوفر أموالاً طائلة كانت تصرف على استيراد الوقود الأحفوري.
دعونا نعمل على ألا يحقق أعداء بلادنا أهدافهم بسبب سلبية بعضنا.
أخيراً، هل تعلمون أن خطة الدول الأوروبية للانتقال للطاقة المتجددة تتطلب توفير كميات هائلة من المعادن التي نضبت منها مناجمهم، والتي من بينها النحاس؟
هل تعلمون أن قطاع الكهرباء ببلادنا قد فقد ما يفوق 800 طن من النحاس نهبت وهربت خارج البلاد؟
هل تعلمون أن وجهة معظم تلك الكميات كانت لبعض دول شرق أروبا؟
نعم هي الحقيقة.