تقارير

من الأميري لاي عبد الله خليل إلى كبرون.. لماذا لا يشتكي ضباط الجيش السوداني من التهميش؟

المحقق – عزمي عبد الرازق

لم تواجه المؤسسة العسكرية السودانية صعوبة في تسمية وزرائها في حكومة الدكتور كامل إدريس، حيث دفعت بالفريق ركن حسن داؤود كبرون وزيرًا للدفاع، والفريق شرطة بابكر سمرة مصطفى وزيرًا للداخلية. كلاهما، وفقًا لكثير من الشهادات، جاءت به الخبرة والكفاءة لهذا الموقع، وهو تقريبًا المعيار الذي وضعه رئيس مجلس الوزراء كامل إدريس للدخول في تشكيلة حكومته التي وصفها بـ”حكومة الأمل”. لكن المثير في الأمر أن ذلك التعيين حظي بحفاوة لافتة داخل الأوساط العسكرية والاجتماعية، على حدٍ سواء، دون أن يفجر أي أزمة أو يجر الناس للحديث عن التهميش والمحاباة. فما هو السر وراء ذلك؟

القومية النبيلة

ربما لا يزال يرن في أذهان كثير من الناس صوت المساعد الراحل محمد علي عبد المجيد، المعروف بـ”شاعر الجيش”، وهو يجلجل بتلك القصيدة الشهيرة: “ما اتفاخرنا بيها قبيلة، ما فرقتنا رتب.. قائد حامية نوباوي، قائد ثاني حلفاوي، حضرة صول معلاوي. رقيب أول من الفاشر.. دمازين والمدينة عرب”. فمن النادر أن يحتج أحد الضباط، حتى من هم في المعاش، على ترقية أو نقل أو إعادة تعيين زملاءهم في مواقع حكومية، ما يشير الى معايير صارمة ومتعارف عليها داخلياً تحكم تلك القرارات.

تفنيد مزاعم دقلو

سبق أن حاول عبد الرحيم دقلو، شقيق قائد التمرد، الإيحاء بأن قادة المؤسسة العسكرية ينحدرون من منطقة واحدة، مدعيًا في مقابلة مع سكاي نيوز أن “قادة الجيش كلهم من قرية واحدة”. إلا أن الفريق أول ركن ياسر العطا فند هذا الاتهام مباشرةً، مؤكدًا في رسالة لقادة ميليشيا الدعم السريع أن المؤسسة العسكرية تمثل كل أطياف الشعب السوداني. وأضاف العطا: “رئيس هيئة الأركان الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين من جبل أم علي شمال شندي، بعده في الأقدمية الفريق مجدي إبراهيم من قبيلة التعايشة وقد عاش وترعرع في سنار، ثم يأتي أيضًا الفريق خالد الشامي النائب عمليات من ولاية الجزيرة، كذلك النائب إدارة الفريق الداروتي من ضاحية بحري، أما النائب تدريب فهو الفريق عبد المحمود حماد من بربر العجيمية، بينما الفريق ركن رشاد عبد الحميد قائد القوات البرية فهو من ولاية كسلا، أما قائد الدفاع الجوي الفريق عبد الخير عبد الله ناصر من أبناء كادقلي”.

وأردف العطا أيضًا بأن قائد البحرية الفريق محجوب بشرى من أبناء بورتسودان، والفريق صبير رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية من العيلفون شرق النيل، والفريق محمد الغالي الأمين العام لمجلس السيادة من دارفور، ووزير الدفاع السابق يس إبراهيم من الرهد أبو دكنة. وتساءل العطا: “هل كل هؤلاء من قرية واحدة أو قريتين يا عبد الرحيم دقلو؟”.

بطل معركة الكرامة

بعد تسمية الفريق كبرون وزيرًا للدفاع، كتب مبارك أردول، رئيس التحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية، على صفحته بالفيسبوك: “ألف مبروك الفريق حسن داؤود كبرون، لقد قلتها بأنك ستدافع عن السودان بدمك وروحك وأصبحت حاليًا وزيرًا للدفاع في السودان، ألف مبروك للسودان بك وزيرًا لدفاعه”. وقد رصد موقع “المحقق” تداول مقطع فيديو للفريق كبرون من مباني القيادة العامة وهو يتحدى الحصار، ووصفه البعض بأنه أحد أبطال معركة الكرامة، وقد جسد بثباته وفدائيته روح المؤسسة العسكرية التي تمثل النواة الصلبة للشعب السوداني.

من جانبه، وصف الكاتب الصحفي محمد عثمان إبراهيم وزير الداخلية الجديد الفريق شرطة بابكر سمرة بأنه “رجل محترم أتى به إلى وزارة الداخلية سجله المهني الممتاز في جميع أنحاء السودان، وهو السجل الخالي من الشبهات”، مضيفًا: “ترفع الفريق بابكر سمرة على السلطة فجاءته محمولة حملاً، وهذا درس للمتهافتين والطبالين والداخلين الخارجين من مكاتب الحكام”.

معايير قومية صارمة

في المشهد السياسي السوداني، تتصاعد غالبًا أصوات السياسيين المتذمرين من تجاوز قطار التوزير لهم، متهمين بعضهم البعض بالعمل على أساس الانتماءات القبلية أو الإقليمية. ولكن في المقابل، قلما نسمع شكاوى مماثلة من داخل المؤسسة العسكرية السودانية. فهل يعكس ذلك صورة مختلفة للجيش السوداني؟

يكمن جزء كبير من الإجابة في الطبيعة القومية المتجذرة للمؤسسة العسكرية السودانية. فمنذ تأسيسها، حرص الجيش على بناء هيكل يرتكز على الولاء للوطن أولًا وأخيرًا، بعيدًا عن الانتماءات الضيقة. تتجلى هذه القومية في مجموعة من المعايير والقوانين الصارمة التي تحكم عمليات التوظيف والترقيات وإسناد الأدوار القيادية داخل القوات المسلحة.

يؤكد اللواء ركن معاش عادل كارلوس أن المؤسسة العسكرية محكومة بمعايير قومية صارمة، مشيرًا إلى أن معايير الاختيار والتعيين في القوات المسلحة هي شروط واجبة وفرض عين لأي وصف وظيفي.

وشدد كارلوس في حديثه لـ”المحقق” على أن ضباط الجيش يكافحون للحفاظ على التقاليد العسكرية السامية، ودافعهم في أي تحرك هو حب الوطن والولاء للأرض، والدفاع عنها بالأرواح. ولذلك، “لا مجال أبدًا للحديث عن التهميش والتجاهل، فالجميع سواسية ورفاق خنادق”، حد وصفه.

أساس الترقيات

تعتمد المؤسسة العسكرية على نظام دقيق لانتقاء كوادرها، بدءًا من مراحل التجنيد وحتى اختيار الضباط، إذ يتم التركيز على الكفاءة والقدرات الفردية والولاء الوطني، بعيدًا عن أي اعتبارات جهوية أو قبلية، أو حتى سياسية، فيما تخضع عمليات الترقي في الرتب العسكرية _وفقًا لقانون القوات المسلحة_ لمعايير واضحة تعتمد على الأداء، الخبرة، الدورات التدريبية المكتملة، والقدرة على القيادة، وتضمن هذه المعايير الموحدة تكافؤ الفرص نسبيًا بين الضباط من مختلف الوحدات، مما يقلل من الشعور بالتهميش أو الظلم.

أشهر وزراء الدفاع

ثمة قائمة شهيرة لضباط تقلدوا وزارة الدفاع في السودان، ويبدو أن السمة التي تجمع بينهم هى التخرج من الكلية الحربية، مصنع الرجال وعرين الأبطال، التي صهرت معدنهم في قالب سوداني واحد، وأبرزهم الأمير لأي عبد الله خليل الذي تولى حقيبة الدفاع في الفترة ما بين العام (1956 _ 1958)، وهو من مواليد العاصمة القديمة أم درمان، وأيضاً الفريق إبراهيم عبود الذي ولد بمنطقه محمد قول على ساحل البحر الأحمر، وآدم موسي مادبو الذي عمل وزيرًا للدفاع في الفترة من ( 1967_ 1968) وهو ابن ناظر الرزيقات في دارفور. كذلك اللواء خالد حسن عباس، والفريق أول ركن عبد الماجد حامد خليل الذي شغل هذا الموقع لفترتين تقريبًا، والمشير عبد الرحمن سوار الذهب، الذي ينحدر من ولاية شمال كردفان، والفريق مهندس ركن عبد الرحيم محمد حسين، الذي ينحدر من منطقة دنقلا، والفريق جمال الدين عمر أول وزير دفاع في الحكومة الانتقالية بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، فهو من ولاية نهر النيل. وآخر الشخصيات التي تقلدت هذه الوزارة اللواء يس إبراهيم من شمال كردفان، لتنتقل الآن إلى جنوب كردفان. وقد تنقلت هذه الوزارة المهمة عبر حقب تاريخية مختلفة، وشغلها وزراء من شرق السودان إلى أقصى الغرب، ومن شماله ووسطه وجنوبه، والراجح أن هذا التوزيع الجغرافي لم يكن مقصودًا بذاته، بل غالبًا ما جاءت هذه الشخصيات إلى مناصبها بحكم التراتبية العسكرية.

مؤكد أن القوات المسلحة السودانية تحاول بطرق مختلفة تنحية كافة الانحيازات السياسية والقبلية، وحتى وإن كانت حاضرة في بعض الحقب التاريخية، فمن الواضح أن آليات وقوانين الجيش تهدف إلى التقليل منها قدر الإمكان، وفقًا لآراء خبراء عسكريين استطلعهم موقع “المحقق”، حيث تتبع منهجًا صارمًا يعتمد على الكفاءة والخبرة الطويلة والقدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة، وهذا بالضرورة يتطلب دراسة ومتابعة دقيقة لسجلات الضباط ومسيرتهم المهنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى