رأي

من عطبرة إلى بحري.. مشاهدات واقع، وحسرة

أميمة عبد الله

يحاولون إظهار الفرح ، يجاهدون الابتسامة بعد أداء صلاة العيد و هم يتبادلون السلام والمصافحة راجين

أن يحقق الله الأماني

و العيد الجاي إن شاء الله في بيوتنا،

الأمنية الأكثر حضوراً

هكذا يتصافح الناس هنا

ثم إنهم لا يزيدون ولا يأتون على ذكر كيفية العودة،

لأن الكثير من الأسئلة الآن بلا إجابات، و الناس تفضل ألا تخوض في الأمر ، لأنهم ليسوا على ثقة ، ف الإتكال هنا تحديداً على الله وحده .

هكذا هو ملمح العيد في ولاية نهر النيل ومدنها ، عطبرة ، الدامر و شندي ، وهي الولاية التي آوت الفارين من ولايات الوسط، و ازدحمت بالنازحين و اذدهرت بهم قرى المناصير ، معلمين و أصحاب حرف ، فتزاحم في الولاية أصحاب الخبرات و الأفكار و المدرسين و الأطباء و نجوم المجتمع و المبدعين و الشباب الخلاق ..

حاولوا أن يوفقوا أوضاعهم ريثما يقضي الله في أيامهم و يبت في أمر رجعتهم ، لكن الملاحظ أن حال الولاية هو ذات حالها قبل الحرب و بعده، بل حالها منذ عهد حكومة الإنقاذ ، فلا هي استفادت ممن آتوا و لا هى هيأت نفسها لهم !!

لا أدري ما السر في التعايش مع الجفاف في شوارعها و مداخل مدنها رغم توفر المياه و صلاحية الأرض ، ولاية من المفترض أن تكون الأشجار فيها تظلل كل شارع بدلاً أكوام القمامة المنتشرة أسفل أعمدة الكهرباء، أو المبعثرة لأن ثمة أولاد أفرغوا القمامة ليأخذوا الشوالات – كان يمكن أن تكون الشوارع و الميادين مزدانة بالأشجار و النجيلة الخضراء !!

الولاية عاطلة عن الاستفادة من الميادين والفسحات في مدنها، التي أضحت مكاناِ لرواكيب الأسر من دولة جنوب السودان وقد وضعت عناقريب الاستلقاء على مرأى من العامة و حكومة الولاية ، و كأن الدرس كان لآخرين وليس لأولياء الأمر في الدولة .. رواكيب لعشرات الأسر من جنوب السودان مشيدة عند الساحة الواسعة أمام مجلس تشريعي الولاية، من أين جاءوا ؟ هل من الخرطوم بعد سيطرة القوات المسلحة !!

هل يمر والي الولاية بهذه المنطقة ؟

ويلفت نظر الزائر الكثير من بقالات بيع المواد الغذائية المشيدة من الزنك تحت شمس لاهبة، دون مراعاة لسلامة التخزين !!

تشعر هنا أن الولاية لا تقدم أي خدمة ، فلا سوق تم تخطيطه ليستقبل الازدحام و لا طرقات ولا إنارة،

حتى الميناء البري على حاله من قبل الحرب ، و الناس مضطرة تسد جوعها من الكافتريات قبالة الميناء غض النظر عن الوضع و الذباب و الأسر التي تتخذ سوره سكناً لها و تقضي حاجتها عند مكانٍ منخفض قرب الميناء، ولن أتحدث عن الخدمات الصحية لأني لم أزر المستشفيات العامة فما رأيته كفاني من الحسرة علينا !!

في ولايةٍ ليست فقيرة و بها مصانع كبيرة و صغيرة و رجال أعمال يمكن أن يساهموا في تنميتها، لكنها ضالتنا التي لا أظننا سنحصل عليها قريباً، حسن الإدارة للموارد و تحديد مَن هو الأنسب على الكرسي ، فالكل هنا مهدر، الإنسان و المورد !!

و أنت في طريق الخروج سيفاجئك الجفاف الممتد مد البصر ثانيةً و الخلاء الواسع و السموم اللافح ، لا مشاريع تلطف الأجواء و تُبهج النفس و تُسعد العين و لا زراعة تساهم في تحقيق الأمن الغذائي، لا شئ مطلقاً غير قرى على طول الطريق بيوتها من الطين، متفرقة بأسماء مختلفة ، و سكانها تلفحهم الشمس الحارقة و قلة حيلتهم و فقرهم البائن و يدهم المرفوعة تطلب فضل الظهر .

يكاد ما أراه يبكيني من الحسرة على السودان ومن حال الناس التي صغرت حتى قامتها من الجفاف و اسودت وجوههم.

ارتكازات منتشرة، بأوضاع غير مهيأة، يقف عليها شباب مخلصون، ومنهكون، يثقل كاهلهم السلاح الذي يعلقونه وهم يقفون تحت الشمس مباشرة.

تتساءل سراً ترى لماذا عندنا الهمة ناقصة و الابتكار عاجز والوطنية باهتة و الحكام كأن أمر العباد لا يعنيهم في شئ.

و الأشواق نحو بحري تنازع دموع الحسرة، عامان بالتمام و الكمال منذ الخروج منها .

ما إن تتجاوز لافتة ولاية نهر النيل و تتكشف المشاهد نحو بحري ، حتى تشعر أنك جزء من لعبة فيديو تقود فيه طائرة و تخوض حرباً للنجوم .. على جانبي الطريق الممتد حتى تتجاوز منطقة الكدرو تشاهد عشرات السيارات بكل أحجامها و أنواعها ليست محروقة فحسب بل إنها مقلوبة و معجون هيكلها على بعضه و منهوب كل ما بداخلها ، تناكر الوقود المسودة من الحريق تصادفك كل عدة أمتار

والمحلات التجارية فارغة ومشرعة و أبوابها المتينة مقصوصة و الأفران و البيوت كلها متضررة و آثار الحريق على جانبي الطريق.

تمكنت وأنا أجاهد نفسي و أسكت قلبي عنوةً أن أتجول في أحياء اللاسلكي قبل كبري الحلفايا – الحتانة ، البيوت فارغة تماماً، لا أحد.. الشوارع خاوية و لا مظاهر أمنية و لا شرطة فقط كل حين وآخر يعبر الشوارع الداخلية موتر عليه شخصان، لا تدري أهم من الجهات الأمنية أم من “الشفشافة”، كل من يريد أن يأخذ شيئاً من البيوت سيأخذه فلا أحد هنا يحوش أو يرهب ..

بعض أحياء منطقة الحلفايا عادت إليها خدمات الكهرباء و الماء ينقصها وجود الأجهزة الشرطية للأمان .

الحريق طال المنشآت .. مستشفى البراحة، جامعة المشرق ، المحلات التجارية الكبرى .آثار الرصاص والدانات على البيوت ، عند البلكونات و الحوائط..

من هم الموجودين الآن والذين لاحظتهم، قابلوني و سألتهم ، أفراد من جنوب السودان يتجولون في المنطقة القريبة من جامعة المشرق و معهم إثيوبيين !!

حاولت حقيقة أن أتفرس في الوجوه القليلة التي صادفتها ليس بينهم من يبعث فيك الطمأنينة يا حكومة ولاية الخرطوم !!

ومع ذلك،

الناس ترغب في العودة بل إنها مشتاقة إلى بيوتها التي غادرتها قهراً، لايكفي التصريح أن الولاية أصبحت خالية من المتمردين، بل يجب أن تعلن وزارة الصحة أيضاً أن المناطق آمنة صحياً ،

ولابد من انتشار مظاهر الدولة و فرض هيبتها على الشارع و بسط الأمن ليطمئن العائدون إلى بيوتهم..

لقد تحمل المواطنون ما فوق طاقتهم، خلال فترة الحرب، فساعدوهم ليعودوا إلى ديارهم، و ولوا عليهم مَن يستطيع إدارة شؤون العباد لا من يُحسن القول بأنه يطيع رؤسائه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى