من وحي المؤتمر الاقتصادي (2): أهداف وأولويات وآليات التنفيذ لخطة مقترحة

بروفسور أحمد مجذوب أحمد
التحية لوزير المالية والتخطيط الاقتصادي د. جبريل إبراهيم والقيادات المعنية بإدارة الشأن الاقتصادي والمالي في ظروف معقدة داخلية وخارجية، ولمواجهة تحديات جسام ، وأقل مايقال عنها أنها غير طبيعية ، ويكفي أنهم يعملون لبعث الروح في اقتصاد دمرته يد التمرد الآثمة وامتدت إليه أطماع الدول الغاشمة وانتاشته سهام الأعداء من كل صوب ، مما يستوجب على الجميع أن يشاركوا فى إصلاح الشأن المالي والاقتصادي ،وقد ذكرت أن انعقاد المؤتمر الإقتصادي يعبر عن رسالة مباشرة للمختصين من أهل الرأي ليدلوا بآرائهم ويشاركوا تحمل مسؤولية وطنهم، فلئن قدم جنود القوات المسلحة والمجاهدون من ابناء الوطن أنفسهم رخيصة فداء لوطنهم وزودا عنه وصدا للمعتدين، فإن واجب الخبراء والعلماء ألا يبخلوا على الوطن بفكرة ترفع من شأنه وتعلي من قدره وتصلح ما لحق به من خراب.
واستكمالا لما بدأناه: نقول إن تحديد أهداف المرحلة الحالية بدقة هو أول محطات النجاح ، وذلك يتوقف على التشخيص الدقيق للمشكلة ، وهو ما أشرت إليه من قبل.
ويقع على عاتق وزارة المالية أن تقود سفينة الإصلاح والإعمار الاقتصادي، فهي المعنية بذلك بموجب نظم وقوانين الدولة السودانية، بما يشمل تحديد الأهداف ووضع الخطط والبرامج والمشروعات الكفيلة بتنزيلها فى الواقع ، إذاً فهي المعنية بقيادة مجموعات التنفيذ على جميع المستويات، بل ومسؤولة عن حمل كافة الأجهزة للالتزام بذلك.
وفقاً لما ذكرته عن التحديات فى المقال السابق فإن الأهداف الكلية التى يمكن أن تكون هى سفينة النجاة لآثار هذه المرحلة تتلخص فى الاتى:
1. إعمار ما خربته الحرب فى البنى التحتية والمرافق الحكومية وتمكين القطاع الخاص لاستعادة دوره بقوة، على أن يشمل الإعمار المؤسسات المالية والمصرفية والإنتاجيّة والخدمية و التجارية.
2. معالجة البطالة التي ارتكبتها زادت معدلاتها وتعمقت مظاهرها بسبب الحرب، بتبني أنشطة تفتح فرصا جديدة للتوظيف ولا أعني هنا إنشاء وظائف بالحكومة ، وإنما أعني اتخاذ سياسات وتنفيذ برامج تؤدي إلى خلق فرص فى القطاع الخاص.
3. العمل على إيقاف تراجع الناتج المحلي الإجمالي ، والسعي لتحقيق معدل نمو إيجابي فيه ، خاصة في القطاعات التى تضررت من الحرب (القطاع الزراعي والصناعي والخدمي).
4. تحقيق الاستقرار الاقتصادي بتخفيض معدل التضخم وتحسين قيمة الجنيه بما لايتعارض مع السياسات التمويلية التوسعية اللازمة لبرامج الإعمار والنهضة.
5. إعادة الثقة في الاقتصاد السوداني التي اهتزت وتراجعت وتجسدت فى خروج وهروب رأس المال الوطني والأجنبي على حد سواء ، والعمل لخلق بيئة جاذبة للاستثمار تعيد رأس المال الهارب وتجذب مستثمرين جدداً، باستقرار النظم والتشريعات والسياسات الحاكمة للنشاط الاقتصادي ،فبرامج الإعمار والنهضة المتوقعة سوق واسعة تفتح شهية جميع المستثمرين وتجذبهم.
6. العمل على تهيئة متطلبات الإعمار والنهضة بتجهيز ملفات المشروعات ذات الأولوية وتأسيس مناطق استثمار بنظام التطوير والتنمية العقارية بالشراكة مع القطاع الخاص، وإنشاء مراكز جذب استثماري جديدة فى الولايات استفادة من دروس هذه الحرب ، لتحريك الانتاج ولتحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي ولتقليل حجم المخاطر.
7. إعادة بناء وترميم العلاقات الاقتصادية الخارجية الحكومية وعلاقات القطاع الخاص ، السياسية والاقتصادية والمالية ، لتكون نقطة للانطلاق في هذه المرحلة ، ويشمل ذلك المحافظة على أسواق السلع السودانية الخارحية وفتح أسواق جديدة وتجديد وتقوية شبكة المراسلة المصرفية ، وتنشيط التعاون مع مؤسسات الضمان والتأمين لتسريع انسياب التمويل ومستلزمات الإعمار والنهضة.
8. معالجة عجز الموازنة الحالى بتبني سياسات واضحة فى جانبي الإيرادات والمصروفات.
وإعادة جدولة الالتزامات الداخلية والخارجية.
9. توفير الموارد المالية اللازمة لتحقيق هذه الأهداف من المصادر الداخلية والخارجية بابتكار أساليب وأدوات تمويل غير تقليدية توسع من دور القطاع الخاص الوطني والأجنبي، بتوسيع نظام شراكات القطاع العام والخاص ، وتهيئة الإطار القانوني والمؤسسي المنظم لهذه العلاقات.
وهنا أشير إلى ورقة الشراكة مع القطاع الخاص التي قدمت فى المؤتمر ووضعت توصيات ممتازة يتم البناء عليها وتطويرها بشراكة مع القطاع الخاص فى وضع خطة التنفيذ.
10. تأسيس جهاز تنفيذي حكومي مؤهل ومقتدر يمتلك أساليب الإدارة الحديثة فى التخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقويم ، مؤهل بكل أساليب التقنية والتواصل ، يتصدى للتحديات ويعمل وفق الأولويات ليحقق الانفتاح اللازم لبرامج المرحلة الانتقالية.
11. إذكاء روح الوطنية وحب الوطن في نفوس المواطنين.وهى قد خطت خطوات متقدمة وعلت ورفرفت راياتها بفعل التلاحم المتزايد بين الشعب وقواته المسلحة ،حيث تلاحم معها المستنفرون جنباً إلى جنب ليس لهم من دافع غير حماية هذا الوطن والدفاع عن مقدساته ، وهذا التلاحم يمثل نقطة انطلاق لحشد ودعم برامج الإعمار .
الآليات اللازمة للتنفيذ وتحقيق الأهداف:
1. توفير الإسناد السياسي للخطط والبرامج ببناء جبهة وطنية تحقق الاستقرار السياسي (إرادة سياسية) تتجاوز التمزق والتشتت السياسي الذي أوصل الوطن لما هو فيه الآن.
ولهذا ينبغى أن يوضع هذا فى قمة الأولويات ، وكما ذكرت فإن الفرصة مهيأة له الآن بسبب ما حدث من دعم وإسناد واسع للقوات المسلحة وهى تخوض معركة الكرامة ضد الاستعمار الحديث ، الذي يسنده وللأسف بعض أبناء الوطن العاقين الذين أرادوا أن يكونوا خنجرا فى ظهر وطنهم ودليلا يفتح الطريق للمستعمر الطامع فى موارد هذه البلاد.
2. تكوين حكومة تنفيذية مؤهلة ومستقلة تتولى انفاذ برامج المرحلة الانتقالية، يدعمها كادر قيادي عالي الكفاءة ممن يشهد لهم بالعطاء. لأن هذه المرحلة لا تحتمل تكوين حكومة أشبه بلحم الرأس تحمل فناءها فى ذاتها.
3. تبني برامج إصلاح اجتماعي تعيد بناء النسيج الاجتماعي، لأنه يمثل الجسر الذى ينطلق منه الإعمار والنهضة ، فلا تنهض أمة معلولة ، وهو تحدٍ ماثل تتجدد مظاهره بسبب توسع خطاب الكراهية الذى زرعه بعض العملاء وسعى به الحمقى فى المجتمع الذين لا يخافون إلا ولا ذمة.
4. تأسيس جهاز إعلامي فاعل لحمته وسداته كادر بشري وأجهزة ومنصات انطلاق ، يعبئ الرأى العام لإسناد تنفيذ خطة الإعمار والنهضة.
5. تبني برنامج للاصلاح التشريعي، يتحقق فيها احترام القانون وتحقيق العدل والمساواة للجميع ،تحظى فيه المؤسسات بكامل استقلالها ،وتزال منه التشوهات التي حدثت خلال فترة الخمس سنوات الماضية ،والتي كانت سببا فى التدهور الاقتصادي والإداري والمالي، بحيث تتوفر بيئة قانونية سليمة ومستقرة تحمي المستثمرين وتحفظ حقوق المجتمع والعاملين وتزال العوائق التي تسببت فى هروب رأس المال المحلي والأجنبي.
6. تاسيس وتقوية العلاقات الخارجية مع الدول الصديقة والمؤسسات المالية (المستقلة) فى المحيط الاقليمى والدولي.
7. تكوين جهاز تنسيقي لتنفيذ الخطة والتأكد من تنفيذها على نحو ما هو معتمد ويعمل لإزالة العقبات التى قد تواجهها، حيث يتم تنفيذ هذه الخطوات والإجراءات متزامنة وفق مصفوفة تنفيذ.
هذا مع تحياتي إلى أن نلتقي فى مقترحات تفصيلية لكل محور من المحاور التى نرى أنها أساس هذه الخطة القائمة تجاوز التحديات وسبيلا لتحقيق هذه الاهداف.