رأي

ها هي الخيول تصهل لوناً: وداعاً سليمان جاد الله العريفي

عبد اللطيف مجتبى

هكذا مضى لون سليمان جاد الله العريفي إلى مستقر الذاكرة هناك حيث تاريخ التلوين و المجد والبهاء حيث بيكاسو و فان جوخ و شبرين و غيرهم من علامات، فها هي الخيول تصهل لوناً.

كان العريفي منسجماً و متسقاً مع ذاكرته المحتشدة بالمرائي التي جاء يحملها من كردفان قرية المرة مركز بارا حيث الخيول التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من حياة الناس وكينونتهم و سيرورة وجودهم و مركز فخرهم.

استصحب العريفي معه هذا المناخ، قادماً إلى كلية الفنون ممسكاً بتلابيب لون ذلك الأفق المتدفق رمالاً و خضرة و محبة و خيولاً تسابق الريح إلى مستقر وجدانه الرحيب.

كانت ريشة العريفي تحن إلى تلك الآفاق فكانت الخيول هي السيمياء التي أختزل فيها عالم صباه ومركز تكوينه. و لربما لم يكن اختيارها كعلامة غالبة اتسمت بها أعماله اختياراً جزافياً؛ لما وجد من وظيفة مختلفة للخيل في هذه المدن التي وفد إليها – أم درمان و الخرطوم عموما – إذ كانت تستخدم الخيل لأغراض غير الفروسية، وهذا لعمري في القياس بديع بالنسبة لذاكرته ، و لربما بدت له ذليلة ملجمة مكفوفة العينين ترزح تحت وطأة سائس لا يعرف لها معنى غير حمل الأشياء من و إلى. و هذه صورة صادمة لإنسان يحمل قيما لتلك الخيول التي لا يعتليها إلا فارس. فلذلك كان عليه أن يثأر لها في فنه و يعيد إلى سمتها ملمح القوة و العز و كل الألق الذي يجب أن تكون عليه خيول كردفان و أهله العريفية. كما أن الأمر لا يخلو من حنين و انتماء للجذور.

سليمان العريفي ذاكرة مختلفة من بين أقرانه إذ حملت فرشاته مكوناته الثقافية و الجمالية التي عبر عنها في لوحاته. إذ إنها لم تخلُ من مثاقفة مع المحيط الفني و الجمالي من مُعطَى السودان الكبير المتنوع جنوبا و شرقا و شمالا حيث تجد هذا الحوار المفتوح على بطاح أرض السودان سهولا و جبالا و مياها و شمسا ورمالا، منسابا انسيابا طبيعيا بين أعماله الفنية مثلما ينساب نهر النيل و خيران كردفان و أوديتها.

ها هو اليوم يفقد اللون طعما و فرس رهان عَدَتْ فرشاته بين أقانيم أعماله كمهرة طليقة تعبث في برية اللوحة في رشاقة و حبور بين فضاء اللون و ذاكرة فارسها الذي غادرها بعد رفقة عمر حافل بالصدق والوفاء و المحبة في سيرة ملؤها العطاء في مجالات التعليم من بخت الرضا حتى كلية المعلمات مستهدفا تأهيل كوادر تعليمية في مجال الفنون و مرسخا معنى الفن كقيمة تربوية و مؤشر للسوية و قيم الحق والخير والجمال.

رحم الله الفنان الكبير سليمان جاد الله العريفي الذي رحل عن دنيانا بعد عمر حافل بالتجارب مخلفاً وراءه تاريخاً زاهياً من أعمال و تلاميذ من معلمي التربية الفنية و فنانين لهم بصمتهم في الحياه ليحملوا بعده راية البذل والعطاء و التفاني و الإخلاص وغيرها من القيم المجيدة التي عاش من أجلها أستاذ الأجيال العريفي والذي برحيله تكون قد فقدت البلاد علامة أساسية في الحياة الثقافية و الفنية داخلياً وخارجياً.

نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله و تلاميذه و زملاءه الصبر والسلوان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى