تقارير

هل تبدو موسكو الحليف الاستراتيجي للخرطوم اقتصادياً؟

المحقق – نازك شمام

تثير فكرة التقارب السوداني الروسي، بشقيها السياسي والاقتصادي، مخاوف على المستويين الدولي والإقليمي في ظل التحالفات بين الدول المتصارعة على المصالح الاقتصادية بالقارة الأفريقية ومواردها المتعددة بما يجعل كل دولة ترغب في الاستفادة القصوى منها، لذا فان فكرة اقتراب أي دولة من الدول العظمى، من إحدى دول القارة ذات الوزن يُنظر إليها بعين الريبة وإثارة المخاوف والأطماع معاً!!

ومنذ سنوات و روسيا تقترب من السودان بصورة حثيثة باعتباره بوابتها نحو الدول الأفريقية الأخرى التي تأمل في أن تتمدد إليها مصالحها، ولذلك دخلت في استثمارات في استخراج الذهب وفي مجالات الطاقة قبل الحرب وبعدها.

و شكلت موسكو حليفاً سياسياً للخرطوم في معركتها الدبلوماسية في مواجهة القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ولم تكن بعيدة عنها في معركتها الحالية ضد مليشيا الدعم السريع.

الأسبوع الماضي زار وفد روسي العاصمة الإدارية بورتسودان، ومن ضمن برنامج الزيارة سجل فد من البنك المركزي الروسي زيارة لبنك السودان المركزي وعقد الوفد الزائر اجتماعاً مع محافظ بنك السودان، برعي الصديق،

وهدفت الزيارة الهامة إلى التفاكر حول سبل تطوير وتعزيز العلاقات المصرفية بين السودان وروسيا، وفتح آفاق جديدة للتعاون بين البلدين في المجال المالي والمصرفي.

وركزت المباحثات بين الجانبين على مجموعة من الفرص الواعدة للتعاون المصرفي، من بينها تسهيل الدخول في علاقات مراسلة مصرفية بين البنوك السودانية والروسية وفتح فروع لها في كلا البلدين بما يسهم في دعم التبادل التجاري وزيادة حجم الصادرات والواردات بين السودان وروسيا.

وتطرقت المباحثات إلى إمكانية استخدام العملات المحلية في تسوية المعاملات التجارية بين البلدين، مما يقلل من الاعتماد على العملات الأجنبية. وناقش الوفد أيضاً فرص الاستثمار المشترك في قطاعات حيوية مثل المعادن النفيسة كالذهب وغيره، حيث يمكن للمصارف السودانية والروسية لعب دور محوري في تمويل هذه المشاريع.

وتبادل الطرفان التجارب المالية و المصرفية، مؤكدين على أهمية تبني أحدث التقنيات لتحسين كفاءة وفعالية الخدمات المصرفية المقدمة للعملاء في كلا البلدين.

تُعد زيارة الوفد المصرفي الروسي رفيع المستوى خطوة مهمة نحو تعزيز التعاون الاقتصادي بين السودان وروسيا، وتفتح الباب أمام مزيد من الشراكات الاستراتيجية التي تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاستقرار المالي في كلا البلدين. وقد أعرب الجانبان عن تطلعهما لمواصلة العمل المشترك والتنسيق المستمر لتحقيق أهداف التعاون المصرفي على المدى الطويل، بما يحقق مصالح البلدين وشعبيهما.

قد تبدو فكرة التقارب الروسي الاقتصادي بالسودان في هذه المرحلة المفصلية من الحياة السياسية بالسودان فكرة تقبل الخطأ والصواب ويختلف حولها الخبراء، فالمعروف أن السودان يحتاج إلى دعم اقتصادي عاجل ينتشله من براثن الانهيار الاقتصادي بسبب استنزاف موارده جراء الحرب، فهل تبدو روسيا هي الشريك الأمثل لهذا الدعم في ظل أن لها ظروفاً مشابهة للسودان في حربها مع أوكرانيا ؟

يقول الخبير الاقتصادي ، د. عادل عبد العزيز “تعتبر روسيا دولة عظمى اقتصادياً حيث يبلغ الناتج المحلي لها 4.027 تريليون دولار وتأتي في المرتبة السادسة دولياً من حيث قيمة الناتج المحلي الاجمالي.

وأشار عادل إلى أن السودان و روسيا سبق وأن وقعّا، في فترات سابقة، اتفاقيات ومذكرات تفاهم عديدة، كان أبرزها في مجال تقنية تحويل الغازات البترولية لمواد بترولية سائلة، وهي تقنية روسية فريدة يمكن أن تمثل إضافة مهمة للإنتاج البترولي السوداني. ثم اتفاقية في مجال التنقيب عن الذهب والمعادن الأخرى، واتفاقية حول التخريط الجوي في البر وفي البحر.

وطالب عبد العزيز في حديثه لموقع “المحقق” الإخباري أن تقدم روسيا في هذه المرحلة قرضاً سلعياً للسودان يتضمن تزويد السودان باحتياجاته من المواد البترولية والقمح والدقيق والأسمدة، على أن تسدد قيمة القرض خلال عشر الى خمسة عشر عاماً وبفترة سماح سنتين على الأقل.

ولفت إلى وجود فرصة ذهبية لعقد تحالف استراتيجي مع روسيا الاتحادية في الوقت الحالي، إلا أن عبد العزيز نبه في الوقت نفسه إلى أهمية الاهتمام بالتجارة مع روسيا، لاسيما وأن حجم التبادل التجاري مع روسيا لا يتجاوز في الوقت الحالي 110 مليون دولار في السنة، في حين تبلغ الصادرات الروسية للخارج 640 مليار دولار.

بدوره أكد المحلل الاقتصادي، د. هيثم محمد فتحي على ان تعاون السودان مع روسيا سيكون له مردودات إيجابية كبيرة على الاقتصاد السوداني مبيناً أن السودان يمكن أن يستفيد من الخبرات الروسية فى العديد من المجالات والقطاعات الاقتصادية

الحيوية مثل الزراعة والثروة الحيوانية والتعدين والمصنوعات الجلدية والنفط إضافة الى السكك الحديدية والسدود والكهرباء خاصة و أن مسيرة الشركات الروسية الاستثمارية قليلة جداً

وتنحصر أغلبها في مجال التعدين.

وأشار إلى أن روسيا بجانب انها تمتلك أكبر صندوق للاستثمار المباشر تمتلك أيضا خبرات تراكمية هائلة فى زراعة القمح كما تعتبر من اكبر مصدري القمح فى العالم لما تملكه من تكنولوجيا حديثة فى هذا المجال.

وكشف فتحي في حديثه مع “المحقق” أن حجم التبادل التجاري الحالي بين السودان وروسيا لم يبلغ في افضل حالاته أكثر من 500 مليون دولار، وشدد على ضرورة تضافر الجهود من خلال العمل المشترك لرفع حجم التبادل التجاري بين البلدين لجهة أنه متواضع جداً مقارنة بحجم الاقتصاد الروسي مبيناً أن العلاقات السودانية الروسية تتمتع بطابع تاريخي ممتد مما يجعلها من أقوى العلاقات ، حيث تميزت كافة الأنشطة الاقتصادية والفنية والتكنولوجية والعسكرية بميزة وعامل مهم لم يتوافر في معظم علاقات السودان مع العالم الخارجي.

وأوضح فتحي تفوق موسكو في القيمة التكنولوجية المضافة وعمليات نقل التكنولوجيا وتدريب الكادر الوطني مع إعطاء فرصة لتطوير المنتج والتكنولوجيا المستوردة من روسيا وكسر احتكاره وفتح الباب لتطبيقاته في مجالات علمية وتطبيقية مختلفة. لافتاً إلى سعي موسكو لاستعادة دورها الدولي للتأكيد على استمرارها السياسي والاستراتيجي كقوة عظمى بعد تفكك الاتحاد السوفياتي السابق، خاصة في ظل ما تعانيه روسيا مؤخرا من مشكلات على المستوى الدولي على هامش الأزمة الأوكرانية، ونبه إلى ما يمثله السودان من منفذ هام يمكن أن تتغلب به موسكو على بعضاً من تلك المشكلات سياسياُ واقتصادياً.

وقال فتحي “هناك فرصا واعدة لتصدير الخضار والفواكه السودانية إلى السوق الروسية خاصة أن هناك تجربه سابقة في العام 2018 ، هذه التجربة كللت بالنجاح بعد اجتياز هذه المنتجات كل اختبارات الجودة ”

وأضاف إن “التقارب الحالي بين روسيا و السودان يأتي في وقت يحتاج فيه كلاهما لتنويع علاقاته الدولية في المجالين السياسي والاقتصادي على ضوء البرود في العلاقات السودانية – الغربية وفرض عقوبات غربية على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية.

وتابع “السودان ينظر إلى موسكو على أنها حليف استراتيجي قوي في إطار تعدد الشراكات السودانية مع القوى الدولية التقليدية، وتنظر موسكو إلى الخرطوم على أنها مركز هام في محيط البحر الأحمر الإقليمي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى