رأي

هل تخلّى الله عن المسلمين؟ (2-3)

 

د. إسماعيل ساتي

الجزء الثاني: من الداخل ينهزم المسلمون – السنن الغائبة والواقع المنكسر

إذا كان السؤال “هل تخلّى الله عن المسلمين؟” قد فُسّر في الجزء الأول من هذا المقال على أنه انعكاس لأزمة داخلية، فإننا ننتقل هنا للبحث في الأعماق: لماذا تتكرر الهزائم؟ ولماذا لا ينهض المسلمون رغم ما يملكون من مقدرات بشرية ومادية؟

الإجابة تكمن في غياب تفعيل السنن الإلهية داخل المجتمعات المسلمة، وغياب العمل الجاد للإصلاح الداخلي. إن سنن الله لا تحابي أحداً، بل تسري على الجميع، مؤمنين كانوا أم غيرهم.

*أولاً:* سنة التنازع الداخلي (وَلَا تَنَازَعُوا…)
“وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ”

التنازع داخل الدول الإسلامية – سواء سياسياً أو طائفياً أو قوميّاً – أدى إلى تمزق الصفوف وتبديد الطاقات وشيوع الحروب الأهلية وصراع المحاور الإقليمية، ومن مظاهر ذلك:
• الانقسامات بين السنة والشيعة.
• التنافس السياسي بين الدول الإسلامية.
• تغليب المصالح القطرية على المشروع الإسلامي الجامع.

*ثانياً:* سنة غياب العدل وإسناد الأمر لغير أهله
“إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا”

غياب الحوكمة الرشيدة وفساد الأنظمة وهيمنة الاستبداد وسوء الإدارة، كل ذلك ساهم في تعميق الأزمة:
• قلة الكفاءات المؤسسية.
• اختلال معايير العدالة.
• سيطرة الولاءات الحزبية والطائفية.

*ثالثاً:* سنة الأخذ بالأسباب (وَأَعِدُّوا لَهُمْ…)
“وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ”

الأمة الإسلامية في معظم دولها، لم تُفعّل هذه السنة بشكل كافٍ:
• الاعتماد على استيراد السلاح.
• ضعف في البحث العلمي والتعليم.
• تبعية اقتصادية عميقة للغرب.

*رابعاً:* سنة الاستقلالية والسيادة
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ”

المشكلة ليست في التعامل أو التحالف بل في التبعية المطلقة التي تُفقد القرار السيادي، وتُمكّن الأجنبي من فرض إرادته:
• اتفاقيات عسكرية تقيد الحريات الاستراتيجية.
• ضغوط اقتصادية تجعل القرار مرهوناً بالخارج.

*خامساً:* سنة الهيمنة الإعلامية والتضليل

رغم أنها سنة بشرية، إلا أنها أصبحت سلاحاً فتاكاً:
• احتكار السردية في الإعلام العالمي وحجبه عن (المارقين).
• تزييف الحقائق حول الإسلام وربطه بالتخلف والإرهاب والتعسف ضد المرأة.
• شيطنة المقاومة الفلسطينية وتلميع الاحتلال الإسرائيلي بما يضمن استدامة اعتداءاتهم تحت لافتة الدفاع عن النفس.

*سادساً:* سنة الفرز والتمحيص
“مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ”

في زمن الفتن، يُفرَز الصف، ويتميز الصادق من المرجف والمخلص من المنافق. ما جرى في بلدان مثل السودان والعراق واليمن وسوريا وليبيا، وغيرها، ليس مجرد أحداث، بل تمحيص تاريخي يعيد تشكيل الأمة.

*سابعاً:* فشل الحركات الإسلامية في التغيير رغم ما سنح من فرص

رغم وصول بعضها إلى الحكم، جزئياً أو كلياً، إلا أن أسباباً عديدة حالت دون تحقيق نهضة حقيقية:
• ضعف الإعداد المجتمعي.
• غياب الرؤية المؤسسية.
• الصراع مع القوى الداخلية والخارجية.

لا نهوض بلا إصلاح داخلي شامل، ولا نصر بلا عدالة، ولا تمكين بلا كفاءة.
وما يزال الطريق طويلاً ما لم يُستعاد الإيمان الفاعل والعقل المنتج والوحدة الجامعة.

إلا أن هذا لا يتأتى إلا بامتلاك القوة الرادعة التي تجعل العدو يفكر مرات قبل أن يعتدي على الأمة. فلماذا يٌمنع المسلمون من امتلاك قوة الردع؟

هذا ما سوف نتناوله في الجزء الثالث والأخير من المقال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى