رأي

مقهى في زاوية الشارع

وائل الكردي

كان العام 1920م، وفي ذاك المقهى، جلس (عبد الحميد) صباحاً يطالع الصحف مع فنجان قهوة..

يدخل (عبد المجيد) ويتجه نحوه مباشرة، ويسلمون على بعضهم بحرارة.. ثم جلس الأثنان.

طلب (عبد الحميد) من النادل أن ينزل فنجان قهوة لـ(عبد المجيد) ودون أن يسأله عن نوعها الذي يفضله.. بدا أنه يشربها بتلذذ.. ثم كان الحوار:

عبد الحميد- حسناً.. أعانك الله، فماذا أعددت لما أنت مقدم عليه؟

عبد المجيد- والله.. أحاول أن أحسب كل الاحتمالات حتى لا أكرر نفس الخطأ..

عبد الحميد- وهل قررت شيئاً؟

عبد المجيد- جلست أنا وزوجتي طوال ليلة أمس نتداول الأمر، ولم نجد سوى حل واحد.. هو الرحيل.

عبد الحميد- لا حول ولا قوة إلا بالله.. وإلى أين عزمتم؟

عبد المجيد- لم نحدد بعد.. ولكن بمشيئة الله سأحسم الأمر بعد أن استلم رد (عبد الرحمن) على رسالتي له.

عبد الحميد- على بركة الله.. ولعلنا نعود فنلتقي مجدداً.

عبد المجيد- أرجو ذلك.. ولكن.. انشغلنا بموضوعي ولم تخبرني بما جرى معك..

عبد الحميد- لا تقلق.. الأمور على ما يرام الان.. لقد تجاوزنا الأمر تماماً وطوينا تلك الصفحة.. والحمد لله، صار الوضع بيننا إلى حال أفضل.

عبد المجيد- الحمد لله.. هكذا اطمئن قلبي عليك.. شكراً جزيلاً على هذا اللقاء اللطيف والقهوة.. مضطر للمغادرة الان، وأراك بكل خير إن شاء الله.

عبد الحميد- بارك الله فيك وأدعو الله أن يستقر لكم الأمر على ما فيه الخير .. سعدت جداً بلقائك.

تعانقا.. ثم انصرف (عبد المجيد) كما جاء، وظل (عبد الحميد) جالساً لبعض الوقت.. وكانت هذه أول مرة يرى فيها (عبد الحميد) (عبد المجيد)، فهما لم يلتقيا قط ولم يتواصلا مطلقاً من قبل عبر مراسلات بريدية أو اتصال بأي نحو، ولا يعرف كل منهما اسم الآخر ولا فيما تحدث..

ولكن الأكيد، أن لا أحداً من الحاضرين بالمقهى قد شك ولو للحظة أن بين هذين الرجلين صداقة حميمة عميقة وطول صحبة.

-انتهى-

 

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الدلالة المقصودة لقصة (مقهى في زاوية الشارع):

    اولا .. هذه القصة القصيرة تعبر عن فكرة فلسفية قديمة ولكنها مازالت مستمرة حتى وقتنا هذا هي فكرة (سلسلة الوجود الكبرى).. فقديما قال بها افلاطون في تعدد العوالم بين عالمي المثل والأرضي .. وفي زماننا قال بها الفيزيائين المعاصرين امثال ستيفن هوكينج فيما عرف بنظرية (الاكوان المتعددة) والتي مهد لها اينشتاين في نظريته النسبية والبعد الرابع للموجودات .. والقصة هنا تعبر عن نفس الفكرة ولكن في المجال الاجتماعي الانساني بوجود مستويات متعددة للحكم على الظاهرة الاجتماعية .. فالحاضرين في المقهى حكموا على وجود صداقة وصداقة قوية بين الرجلين من خلال تفاعلهما معا .. ولكن الأمر يستدعي رؤية اخرى وحكم اخر على هذه الظاهرة للتفاعل في حال لم يكن هناك صلة اصلا بين الرجلين ولا اي سابق معرفة او تواصل ..
    من هنا كان الداعي لتأسيس في رسالتي للدكتوراه لنسق منطقي جديد (في مقابل منطق القيم الثنائية الارسطي، ومنطق القيم المتعددة دى المعاصرين) اسمه (منطق المستويات الدلالية المتعددة) حتى يمكن معالجة هذه الفكرة في سلسلة الوجود الكبرى على المستوى الانساني منطقيا .
    وائل الكردي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى