رأي

التصعيد الاماراتي ضد السودان هل سيقود البلدين إلى المواجهة المباشرة؟

د. محمد عثمان عوض الله

من الملاحظ أن التصعيد الإماراتي ضد السودان، صار مباشراً بعد أن كانت دولة الأمارات تستخدم مليشيا الجنجويد و تمولها لتنوب عنها في الحرب على السودان.
وفي هذا السياق كانت الإمارات حريصة على أن تظهر بمظهر الدولة المحبة للسلام و الراعية للعمل الإنساني. إذاً فما الذي حدث و جعلها تخرج إلى العلن وتتجه نحو المواجهة المباشرة؟ هذه المواجهة تجاوزت ساحة المعارك الحربية في السودانية إلى الساحات الإقليمية والدولية بما فيها مجلس الأمن الدولي و مداولات الكونغرس و وسائل الإعلام العالمية ومطار أم جرس التشادي وغيره.

حدث تطوران أساسيان غيرا مسار الأحداث و جعلا دولة الإمارات تتحول من دولة حريصة أن تظهر كمحبة للسلام، إلى دولة ترسل جنودها وطائراتها لتشارك مباشرة في حربها على السودان. (أصدر السودان بياناً أكد فيه هبوط طائرة في مطار مدينة نيالا و قد ضرب الطيران السوداني حمولتها. كما أصدرت الامارات بيانا أكدت فيه مقتل عدد من ضباطها و توعد الضباط الناجون بالثأر لإخوانهم القتلى).

الحدث الأول الذي غير أسلوب دولة الإمارات، قام به السودان. و هو الشكوى التي قدمها إلى مجلس الأمن الدولي ضدها. والسبب أن الشكوى كانت رصينة، مدعومة بأدلة دامغة إلى الدرجة التي جعلت الإمارات تستعين بكل من بريطانيا و أمريكا لتأجيل جلسة مجلس الأمن التي طلبها السودان. لأن المداولات العلنية حول تفاصيل الشكوى و نشر الأدلة المرفقة معها، سينتج عنه إجراء يلزم المجلس بتقييم الشكوى و تقييم وزن الأدلة، مما يشكل عبئاً ثقيلاً على دولة الإمارات حتى وإن لم تكتمل إدانتها القانونية.

وستجد أمريكا حرجاً كبيراً في حماية دولة ارتبط اسمها بجرائم الجنجويد وفق الأدلة المرفقة مع الشكوى و وفق مداولات الكونغرس. لذا لم يكن أمام الإمارات إلا خيار واحد وهو عقد صفقات تسربت إلى الاعلام، مع بريطانيا لمنع انعقاد هذه الجلسة مهما كلفتها الصفقة من مال. وقد تمكنت بريطانيا من ذلك لأنها حاملة القلم و رئيسة مجلس الأمن في ذلك الشهر. ورغم أن دولة الإمارات قد تمكنت من إعاقة مناقشة شكوى السودان وبالتالي أفلتت من الإدانة القانونية، إلا أنها وقعت فريسة للإبتزاز الأمريكي مقابل الحماية التي تحتاجها. و وقعت فريسة مرة أخرى للإدانة الكاملة عبر وسائل الإعلام العالمية و البرلمانات والتقارير. خاصة مداولات الكونغرس و رسائل سفير الاتحاد الأوروبي بالخرطوم و تقارير خبراء الأمم المتحدة و وكالاتها و تقرير صحيفة نيويورك تايمز وغيرها.

أما الحدث الثاني الذي أثر على دولة الامارات فهو يتعلق بالموقف العالمي منها بعد اكتمال إدانتها (سياسياً واعلامياً). فقد تشدد نواب الكونغرس و قدموا الأدلة التي تربط بينها وبين جرائم الجنحويد باعتبارها الممول الرئيسي. أي أن أعضاء الكونغرس الأمريكي تبنوا كل الحجج والأدلة التي تعضد شكوى السودان و زادوا عليها حججا إضافية و أقوى ترجيحا. وبذلك صارت الإمارات في موقف صعب حيث اكتملت إدانتها عالميا و من داخل المؤسسات الأمريكية و الأوروبية.

هذه التطورات جعلت من الإمارات دولة خاضعة تماماً للابتزاز الأمريكي. و قد استغلت الحكومة الأمريكية هذه الإدانة العالمية، و أعلت من سقوفها في مسارين:
المسار الأول هو الضغط من وسائل الإعلام ومن الكونغرس على دولة الإمارات، وعلى الحكومة الأمريكية وعلى الرئيس بايدن شخصياً ليتخذ موقفاً يدين الإمارات وصل حد المطالبة بمنع تصدير السلاح إليها.
المسار الثاني هو تقديم الحكومة الأمريكية لفواتير صخمة للأمارات مقابل حمايتها.

أما الموقف الأماراتي حيال هذا الابتزاز، فقد أكتشفت مدى الورطة التي وقعت فيها. أولاً بسبب أن الأموال التي تدفعها لأمريكا وعلى كثرتها، إلا أنها لا توفر لها الحماية الكافية. و أن حماية الحكومة الأمريكية لها محصورة في حدود أن لا تتعرض للإدانة القانونية عبر مجلس الأمن إلا أنها لا تشمل حمايتها من مداولات الكونغرس ولا من الإعلام والرأي العام الأمريكي والعالمي. بذلك أحست دولة الأمارات أن ظهرها قد صار مكشوفاً. فتعرضت إلى حملات إدانة واتهامات كبيرة. نتج عنه أن فقدت التركيز الذهني واللياقة النفسية و صارت تشتت جهودها و تتخبط في عدد من الأفعال هنا وهناك. وتمثل ذلك في عدد من الأحداث منها:
أولاً: مارست ابتزازاً على الجالية السودانية في الإمارات بإقامة حفلة غناء صاخب (إجباري) للجالية السودانية في دبي وتحت إشراف وتمويل و رعاية السلطات العليا في الدولة، وكان الهدف هو تحسين صورتها.

ثانياً: أعلنت الحكومة الإماراتية عن تعرض مقر إقامة سفيرها في الخرطوم للقصف، واتهمت الجيش السوداني بذلك، واستصدرت بيانات من مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية وعدد من الدول لإدانة القصف، مع إن السودان نفى التهمة في بيان رسمي وأعلن أن البعثة الإماراتية انتقلت إلى مدينة بورتسودان، وأن القوات المسلحة لم تتعرض للمبنى المعني من الأساس.

ثالثاً: أعلنت إحدى المسؤولات الاماراتيات أن دولة الأمارات متواجدة/منغمسة في الحرب في السودان لحماية مصالحها.

رابعاً: أصدر الهلال الأحمر الإماراتي بياناً أكد فيه بناءه لمستشفى في مدينة أم جرس التشادية و ذكر نصاً: (لعلاج كافة معاقي الحرب دون تمييز). وهذه عبارة تعني علاج جنود المليشيا لأنهم وحدهم المتواجدون هناك.

خامساً: ظل الإعلام الإماراتي أو المحسوب عليها، يتبنى موقفاُ مناصراً لمليشيا الدعم السريع ومروجاً لخطابها في حين يتنى موقفاً مناهضاً للجيش السوداني بشكل مباشر ويتهمه بمختلف التهم السياسية.

السؤال الآن ما دلالة هذا التصعيد العلني والمباشر من دولة الأمارات تجاه السودان؟ هل يدل على نيتها خوض حرب مباشرة؟ هل هو مجرد تخبط ناتج من الضغط المؤسسي والإعلامي الدولي عليها؟ أم هو مجرد تنمر منها على دولة السودان؟ و قبل الإجابة على هذه الأسئلة دعونا ننظر إلى الأمر من زاوية أخرى وهي زاوية الخسائر التي تعرضت لها كل من الإمارات والسودان معا، لنتبين مدى استعدادهما للمواجهة.

وعند المقارنة بين خسارة كل من السودان الامارات نجد أن خسائر السودان المادية كبيرة. متمثلة في اجتياح الجنجويد للمدن، و الأحياء السكنية و احتلال منازل المواطنين و نهب المحاصيل الزراعية و تهجير أكثر من عشرة مليون مواطن و نهب ممتلكاتهم. وكلها جرائم ارتكبتها المليشيا بتمويل إماراتي و بسببها جاءتها الإدانة من الكونغرس الأمريكي وغيره. و لكن من ناحية أخرى، فإن السودان يشعر أن قضيته عادلة، و أدلته قوية، و جبهته الداخلية موحدة، و جيشه قوي. و أنه بدأ تحقيق الانتصارات العسكرية على المليشيا لتحرير مدنه. وأنه مستمر في مسعاه الديبلوماسي لكي يتحصل على حق التعويض وإعادة التعمير.

أما خسائر دولة الامارات فهي أيضاً كبيرة. متمثلة في الفاتورة المادية العالية التي تدفعها لأمريكا مقابل الحماية، و فاتورة شراء مواقف عدد من الدول، وشراء المرتزقة و تمويل الحملات الإعلامية و قيمة السلاح وتكلفة تهريبه إلى المليشيا. كل ذلك فاتورة عالية.

ولكن الخسارة الأكبر عليها هي أنها فقدت الصورة التي حاولت رسمها لنفسها كدولة محبة للسلام، و صارت مدانة تجاه الرأي العام العالمي و الرأي القانوني وفقدت المكانة السياسية. وأنها سوف تساق لا محالة إلى جهة الإدانة الجنائية بسبب قوة الأدلة ضدها و من مؤسسات محايدة و ذات ثقل وتأثير.

نختم المقال بالرجوع إلى السؤال عن دلالات التصعيد والحديث عن مستقبل المواجهة المحتملة بين البلدين.
حاولت الحكومة السودانية أن تتفادى فتح جبهة عداء مباشرة مع الإمارات. و لم تذكر اسمها كممول للجنجويد إلا بعد مرور عام على بداية الحرب. وكل الذي فعلته إلى الآن يتمثل في أربعة أشياء. قدمت شكوى إلى مجلس الأمن. تعاملت بالمثل و استبعدت نفس العدد من الدبلوماسيين الإماراتيين بعد أن بادرت الإمارات بإبعاد دبلوماسيين سودانيين.
الرد على البيانات الإماراتية ببيانات مماثلة. السودان الآن حكومة و شعباً منغمس بقوة في حرب التحرير في العاصمة وعدد من الولايات. مستنداً على موقف أخلاقي وقانوني و جبهة داخلية موحدة و جيش قوي و علاقات دولية متحسنة باضطراد.

أما دولة الإمارات فيبدو أنها بعد أن فقدت الموقف الدولي (الإعلامي والبرلماني على الاقل)، و بعد أن فشلت المليشيا في تنفيذ مشروع الاستيلاء على السلطة في السودان، وبعد فاتورة الاستنزاف المالي الضخمة التي تدفعها في كل الاتجاهات. يبدو أنها قررت التصعيد في اتجاه المواجهة المباشرة مثل مشاركة جنودها وطائراتها في الحرب و تصريح ضباطها وتوعدهم بالثأر.

بمزيد من مثل هذه الافعال يمكن أن تقدم دولة الأمارات مزيداً من الأدلة ضدها، و التي يمكن أن تستخدمها الحكومة السودانية لتؤكد العدوان الذي تتعرض له، و بذلك قد تكتمل إدانتها في الحرب على السودان. مع إمكانية مزيد من ابتزازها وتوظيفها بواسطة أمريكا.

ومع كل ذلك فإن الانزلاق إلى حرب مباشرة مايزال يبدو احتمالاً مستبعداً. خاصة و أن السودان مايزال يحصر نفسه في خانة الدفاع ولم يتحول إلى الهجوم لاستهداف المصالح الإماراتية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى