رأي

الحرب السودانية في قمة بروكسل الأوروبية الخليجية

د. محمد عثمان عوض الله

انعقدت في بروكسل القمة الخليجية الأوروبية قبل ثلاثة أيام (السادس عشر من أكتوبر الجاري) و أصدرت بيانها الختامي.

اهتمت مداولات القمة بمسارين، المسار الأول هو العلاقة الاقتصادية بين الكتلتين الكبيرتين، الخليجية الأوروبية، حيث بلغ التبادل التجاري بينهما 204.3 مليار في العام 2022، وخصصت لذلك حيزاً كبيراً في فقرات البيان الختامي. وتعتبر الكتلة الخليجية الشريك التجاري التاسع بالنسبة للاتحاد الاوروبي، في حين أن الاتحاد الأوروبي هو ثاني أكبر شريك تجاري بالنسبة لمجلس التعاون الخليجي.

هذه الأرقام توضح مدى الأهمية الكبيرة للمصالح المتبادلة بين الطرفين، وإن كانت لكل طرف أولوياته التي يريد تحقيقها من خلال هذه الشراكة.

أما المسار الآخر لمداولات القمة فهو سياسي وقد وجد حظه كذلك في فقرات البيان الختامي.

لاشك أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى تمتين علاقتة مع مجموعة دول التعاون الخليجي باعتبارها سوقاً تجارياً ضخماً و هذا ما عززه المسار الأول للمداولات.

ومن الطبيعي أن تسعى دول مجلس التعاون الخليجي، من خلال هذه العلاقة، بجانب المنافع التجارية، إلى تحقيق أهداف سياسية تشكل جانباً مهماً في سلم أولوياتها، ومن ذلك تطبيع العلاقات السياسية بين كتلة يقوم نظام الحكم فيها على شرعية الإنتخابات وأخرى تكون السلطة فيها وراثية، وأن حكوماتها غير منتخبة، وفق الوصفة الأوروبية الأولى لحصول حكومة ما على الشرعية والاعتراف الأوروبي والدولي.

و الهدف السياسي الثاني لدول التعاون الخليجي، من خلال هذه القمة، هو تعزيز مكانتها الإقليمية. خاصة و أن العلاقة بين الكتلتين قد تعززت مؤخراً بما يسمح بتقوية المكانة الإقليمية لدول الخليج و زيادة نفوذها السياسي في المنطقة. و قد ظهر ذلك جلياً من خلال الاتفاق على إسناد بعض الأدوار، لتقوم بها بعض دول الخليج في القضايا المحلية بالمنطقة، بما يحقق المصالح الأوروبية و الأمريكية معا، مما يُظهر هذه الدول بثوب المرضي عنها دولياً والقادرة على التأثير الإقليمي، وعلى رأس تلك القضايا المحلية، قضية الصراع العربي الإسرائيلي، و تقديم الحل وفق تصور مشترك بين الكتلتين، وهو حل الدولتين و قد نصت عليه المبادرة العربية سابقاً.

تبني القمة لهذا الحل حتى وإن لم يحقق أي نجاح على الأرض، إلا أنه لم يشر إلى عدم موافقة اسرائيل ولم يدعوها إلى أن توقف حملات الإبادة الجماعية التي تشنها على شعوب المنطقة، أو حملات الاغتيالات التي تنفذها تجاه بعض قيادات المقاومة الفاعلة.

القضية الثانية المتوافق عليها، هي قضية محاربة الإرهاب و بالتالي استخدامها من الجانب الأوروبي كمبرر لتصنيف بعض الجماعات أو المؤسسات أو الافراد العرب مع توفير كامل الحماية لإسرائيل !!

وقد كان موضوع الحرب في السودان حاضراً في البيان الختامي للقمة الخليجية الأوروبية، إذ تحدث البيان عن السودان في نقاط محددة، ورغم أنها كُتبت بلغة ديبلوماسية ناعمة، إلا أنها جاءت أقرب إلى الرؤية الإماراتية، كون أن البيان الختامي يساوي بين الجيش السوداني الشرعي و المليشيا الإرهابية المتمردة، إذ يتحدث عنهما بصيغة الطرفين. كما أنه يدعوهما إلى وقف القتال فوراً و إلى الانخراط في مفاوضات سياسية و إلى تسليم السلطة إلى حكومة مدنية.

هذه النقاط، فوق أنها لا تنزع من المليشيا ماسلبته من حقوق المواطنين إلا عبر المساومة به خلال المفاوضات، فإنها أيضاً تمنح المليشيا شرعية مبطنة بمساواتها مع الجيش الوطني، و تمنح قحت/تقدم الحق في العودة للسلطة و ربما احتكارها وحدها دون غيرها من المكونات المدنية، عبر الدعوة الناعمة لبدء مفاوضات سياسية و عودة حكومة مدنية. علماً بأن الرأي العام العالمي والمحلي، ينظر للمليشيا بأنها إرهابية ارتكبت جرائم إبادة جماعية. كما أن الرأي العام المحلي يتهم قحت/تقدم، بالعمالة لصالح قوى خارجية كون كل قياداتها تقف في صف المليشيا و ضد الجيش السوداني الوطني.

أخيراً وضح جليا بأن الحرب الدائرة في السودان لا تعني الإتحاد الأوروبي في شيء إلا كونها كرتاً للمساومة السياسية بما يحقق له مصالحه مع دولة الأمارات. ولعل ذلك ما يفسر أن الإشارة إليها وردت في البيان الختامي وكأنها مجرد لعبة ما يزال هنالك متسع من الوقت كي تتسلى بها دولة الأمارات فترسل المسيرات والمرتزقة، مقابل تحقيق المصالح التجارية الضخمة التي تجنيها الحكومات و الشركات الأوروبية من الأسواق الخليجية. وسوف تغض الحكومات الأوروبية الطرف، مؤقتا، عن واجب الإدانة القانونية لهذه الجرائم، إلى أن تنضج طبخة الإدانة نفسها، عبر عدد من البرلمانات، كما جرى نقاشه من قبل عدد من أعضاء الكونغرس والبرلمان الكندي، حينها ستستخدم هذه اللعبة، مرة أخرى ككرت ضغط غليظ و سيف حاد مسلط على رقبة دولة الأمارات وقادتها، لا لإنصاف الضحايا، وانما لتحقيق مزيد من المصالح الاوروبية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى