ماذا وراء التعديلات الوزارية أمس؟
المحقق – عزمي عبد الرازق
على نحوٍ مفاجئ أصدر رئيس مجلس السيادة الإنتقالي، الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان قرارات اعتمد بموجبها تكليف أربعة وزراء في الحكومة الانتقالية، السفير علي يوسف أحمد الشريف وزيراً للخارجية، خالد علي الاعيسر وزيراً للثقافة والإعلام، عمر بخيت محمد آدم – أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الخرطوم – وزيراً للشؤون الدينية والأوقاف، والأخير هو عمر أحمد محمد علي بانفير – مدير المؤاني البحرية السابق – وزيراً للتجارة والتموين.
التحفز لكافة السيناريوهات
وقد رشحت معلومات عن تعديلات وشيكة سوف تطال بعض ولاة الولايات، واستبدالهم بولاة عسكريين، من بينهم والي ولاية الخرطوم، وكذلك ولاية الجزيرة، وربما سنار والقضارف أيضاً، وعلى ما يبدو فإن هذه الولايات تواجه تحديات أمنية، تستوجب على الأقل رفدها بشخصيات ذات خلفية عسكرية تعرف كيف تتعامع مع الحرب وتداعياتها، سيما وأن ميليشيا الدعم السريع لا تزال تسيطر على أجزاء واسعة من تلك الولايات، أو بالأحرى تتواجد فيها بصورة كاملة وأحياناً جزئية، والدافع الآخر للتغييرات المتوقعة والمرتقبة في الولايات هو دعم وإنجاح المقاومة الشعبية، التي اصطدمت بتعقيدات غامضة، والتحفز لكافة السيناريوهات.
هل هى حكومة حرب؟
من المهم الإشارة إلى أن الدولة ظلت تعاني فراغاً في الجهاز التنفيذي منذ 25 أكتوبر 2021، وما تلاه من قرارات تصحيحية أنهت الشراكة بين المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير، بعدها بفترة قصيرة قدم الدكتور عبد الله حمدوك استقالته، وتم تكليف وكلاء الوزارات والأمناء العامين لتسيير أمور الوزارات بصورة مؤقتة إلى حين تشكيل حكومة جديدة، تم تعريفها بأنها ستكون حكومة من كفاءات مستقلة، وهو الأمر الذي لم يحدث حتى اندلاع الحرب في أبريل 2023، ما يعني أن هذه الخطوة أوجدتها الحاجة لجهاز تنفيذي فاعل، لطالما ارتفعت الأصوات تنادي به، أو ربما هى توليفة أقرب إلى كونها حكومة حرب.
بالنسبة لرئيس تحرير صحيفة التيار عثمان ميرغني فإن بؤرة التعديل الوزاري المطلوب الآن في شكل رئيس الوزراء، وهو الذي يجب أن يختار الوزارة، حتى ولو من نفس هذه الأسماء.
وقال ميرغني في مداخلة على قناة (الجزيرة مباشر) إن رئيس الوزراء هو الذي كان سيختار الحكومة، وسيعطي قوة ودفع وأمل أكبر للمجتمع الدولي بوجود حكومة مدنية، على الأقل. وأضاف “للأسف الخطوة تمت عبر رئيس مجلس السيادة ما يعني عدم وجود تغيير في فلسفة وعقلية الحُكم”.
حالة من الجدل
كذلك فقد أثارت الاجتراحات التي أجراها مجلس الوزراء الإنتقالي، واعتمدها رئيس مجلس السيادة حالة من الجدل في الأوساط الإعلامية والسياسية، خصوصًا وزارتي الخارجية والإعلام، إذ أن الخارجية تعتبر من الوزرات السيادية، وبمثابة رأس الرمح في معركة الكرامة، وكذلك الإعلام، الذي هو بمثابة المسرح الآخر لهذه المعركة، وعلى وجه الدقة معركة تدور خلف شاشات القنوات الفضائية والأجهزة الذكية، حيث يتم توظيف المعلومات باستخدام الوسائط الحديثة، بصورة مكثفة ومربكة أحيانًا، عطفاً إلى حرب الشائعات والحرب النفسية التي تحتاج إلى رؤية واضحة وذكية للتعامل معها، ما يعني أن وزارة الإعلام سوف تعمل من داخل خلية الأزمة، ولن تكون بعيدة عن قيادة الجيش.
أما وزارة الخارجية وما تحتها من سفارات وبعثات فهى تكاد تكون من المتحركات المتقدمة في هذا الصراع، الذي تنوء بحمله ملفات ذات طبيعة دبلوماسية، وبذات الأثر تدور معارك ومؤامرات في أروقة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، ومضارب أخرى يقاتل فيها السودان لوحده، وبإمكانيات محدودة، أو أن هذه الجبهة ربما كانت تفتقر لعناصر تعرف كيف تخترق الصعاب.
البحث عن رئيس وزراء
يتفق القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي خالد الفحل مع الكاتب الصحفي عثمان ميرغني في أهمية اختيار رئيس وزراء بكامل الصلاحيات ليقود السلطة التنفيذية، مع ضرورة فك الارتباط مع مجلس السيادة لضمان وجود جهاز تنفيذي مستقل، وأن يتم إعادة هندسة كل مؤسسات الدولة من جديد.
وقال الفحل لموقع “المحقق” الإخباري إن الفرصة مواتية أمام البرهان لإحداث توازن فى السلطة، وامتدح الشخصيات التي تم تكليفها، مشدداً على أهمية تمثيل أقاليم السودان بالتساوي فى مختلف مؤسسات الدولة دون الاخلال بتوازن المشاركة السياسية.
ينظر الباحث في مجال الإعلام والاتصالات د.إبراهيم الصديق لهذه التعديلات من زاوية المواصفات المطلوبة في مَن يشغلها، خصوصًا وأنها ليست المرة الأولى التي يجري فيها البرهان تعديلات وزارية، وقصد بذلك ربما تفادي ردود أفعال القوى السياسية والمجتمعية حول كل تغيير واسع، أو إثارة حفيظة الشركاء السياسيين والمراقبين.
وأوضح إبراهيم صديق في تدوينة على صفحته بالفيسبوك أن الشخصيات المكلفة لم يُعرف لأى منهم دور سياسي أو انتماء لحزب، فهم أصحاب قضية وطنية، على حد وصفه، مشيراً إلى أن البرهان تفادى اختيارات التكنوقراط ومال أكثر للشخصيات الوطنية، وأضاف “واضح أن صانع القرار وازن بين مطلوبات وحديث الرأى العام فى الاختيارات، فاختار من أهل الخبرة السفير على يوسف، وهو خبير فى مجال العلاقات الدولية” أما خالد الاعيسر فهو معايش لتحديات ما وصفه إبراهيم بـ(مطبخ الإعلام) داخلياً وخارجياً، كما اختار من دائرة الترشيحات د.بخيت بانفير، ما يشير إلى أن هناك جهة تنظر وتراجع وتقترح، وهو “توجه موفق إلى حد كبير”.
وتوقع إبراهيم صديق أن تكون هذه الخطوة مقدمة لقرارات أكثر أهمية فى مؤسسات الدولة السودانية المهمة، ومنها بنك السودان والقطاع الصحي، وقطاع الاتصالات، ذلك المورد المجهول، مع تغيرات تطال بعض الولاة.