رأي

الشخصية السودانية بين التشويه المتعمد، ومحبة الشعوب

الرفيع بشير الشفيع

ضجت الوسائط منذ فترة خصوصا بعد الإبتلاء القائم بالحرب، وعجت ضمائر الشعوب وألسنتها، برسائل المحبة والتواسي والتداعي من الكثير منهم مشاركة لنا في محنة أن نكون أو لا نكون.

وقد استدعى هؤلاء الأخوة والأخوات من الشعوب العربية ، جميل الوصف لصفات هذا الشعب الأبي ، ولا نزكي أنفسنا على الله ، لكن ما ينضح به ضمير تلك الشعوب نحونا، واتفاقهم جميعا على محبتنا وأصالتنا والتعبير عنا بهذا النبل والصدق ، دون أن نطلب ذلك من أحد ، إنما ينُم عن ضمائر وقادة ووفية لتلك الشعوب ، ويدل على صدقهم في أن ما يقولونه هو وصف مستحق لهذا الشعب الذي يحيّر العالم ويضرب المثال وهو يعيش حياة تناقضات غريبة، ففي الوقت الذي أصبح فيه الشعب السوداني أرق الشعوب حالاً ، إلا أنه يملك صفات النبل كلها ، الكرم ممن لا يملك حتى قوت يومه أحيانا، والوفاء رغم الحيف الذي يلم به أحيانا أخرى، ومستوى العلم والذكاء والألمحية رغم شح موارد التعليم عندنا ، والنبل وعماد الهامات المرفوعة، رغم ضيق اليد وشظف الحياة ومحاصها، والترفع والصبر رغم ضنين العطاء من الآخرين ، ورغم فرص الخير المتاح أحيانا، ولا نزكي أنفسنا على الله ، لكنا هو الواقع ، والحق الذي يصدح به الآخرون.

ورغم التغبيش الشديد علينا حتى لا ندرك ذاتنا، وقيمتنا الحقيقية عند الشعوب الأخرى ، حتى صرنا آخر الشعوب التي تعرف قيمتها، وقد زهدنا عن التعبير عن هذه القيم ، وعن الترويج لطبائع هذا الشعب التي أصبحت نادرة كندرة وجود الخِّل الوفي ، إلا أن النفس السودانية التي لا تحب الشوفونية وتستحي وتبعد عن تزكية النفس ، والترويج والدعاية، هي تلك النفس التي تكّن تلك المعاني الساميات في عالم أصبح جلّه وفي غالبه الأعم ، عالم مجنون ومزلوع ومعمّي بالماديات وغرور الدنيا والجري خلفها تاركين كل القيم الأخلاقية والأيمانية والإنسانية والذوق، ولا نزكي أنفسنا على الله.

والله شهدنا هذا الحب من الشعب القطري الشقيق ، الأصيل ، ومن أشقائنا في الكويت وفي عمان ، ومن أخواتنا في اليمن واخوتنا في السعودية في الشعب الإماراتي وفي الشعب المصري بل وفي شعوب غرب افريقيا وعند اخوتنا الصوماليين وغيرهم ، ونجد الإحترام عند كل شعوب الدنيا خصوصا وأننا شعب محترم وأقل الشعوب نسبة في أغتراف الجريمة ، وأكثر الناس اخلاصا وصدقا، وعطاءً وأكثرهم عزة نفس والحمد والفضل لله.

هنالك قلة من السودانيين الذين تطبعوا بطباع الغرب وغيره من الشعوب ، نقلوا لنا أسوأ ما وجدوه هناك، ونقلوا بإسمنا للآخرين أسوأ ما عندهم هم من تطبع وتشبه بالغرب وأخلاق الغرب، مثلونا على أننا شعب منحّل ، ولا قيم ولا قيمة له ، وأننا شعب ماجن ومارق ، وسفيه، وعديم حياء وأخلاق ، حتى يخدموا خطهم المآرق والآبق عن الله ، وهؤلاء بالطبع لا يمثلونا في شيء.

إن عمليات الطعن في هوية السودان وثقافته وأخلاقه وقيمه ، وتخذيل الشعب السوداني وتشويه سمعته ، هي أمور معروفة عندنا، ولا نأبه بها طالما أن الله شاهد على ضمائر الشعب السوداني وقيمه وأخلاقه التي لا يرائي فيها ولا يظهرها للغير إلا من عبر المثال الصامت الذي يدهش الآخرين ويجعل الكثير من الشعوب ، يجهشون بالبكاء وهم يصفون هذا الشعب النبيل بطبعه والقوي بربه والمتصبر حين يعز الصبر عند الآخرين، والمتأنق بأخلاقه حينما يبدل البعض أخلاقه، والمتمسك بدينه حينما يغرق العالم في ظلمات بعضها فوق بعض ، ولا نزكي أنفسنا على الله.

غير أن كمية الإحتمال والصبر والجلد التي اتصف بها هذا الشعب الآن في محاص هذه الحرب اللعينة والمفروضة عليه ، والمفاجئة، والمسكوت عنها، والتي نزلت عليه كالصاعقة من غير استعداد أو توقع لهتك العروض ، ورزيم البنادق، و هجر البيوت والتهجير في هجير الشمس الحارقة وتنكب الشياب والنساء والأطفال وترويعهم، ورميهم فجأة في التيه الداخلي ، واللجوء للآخرين وقد كان السودان يسع كل الشعوب، وقد وقع عليه مشروع تجريف وجودي، وانتهاك وغصب واحتلال ، تغض العين عنه، أغلب قنوات التبعية الإعلامية ، وتدهس كرامته آليات الحرب وآخر التقنيات في أسلحة الحرب ، وهو لا يئن ولا يشكو ولا يرجو نصيراً غير الله ، وهو يكنفيء على نفسه لا يئن، ولا يرجو غير دعاء الشعوب التي لا تزال ضمائرها تَعمُر بالخير والإيمان والإنسانية والحب له ، فهو شعب يعاف الشكوى ويحتمل ويتصبر على الجوع والمسغبة والإبتلاء وقد ورث شكائمه وعزائمه كابرا عن كابر منذ إشراق الشمس على سهوله ، ونزول الغيث على شتوله ، فهو شعب يأكل مما يزرع ويلبس مما يصنع، ثم يصبر ويتصبر على حكم الله ويتنّزل عليها رضا، وإمتثال ، ولا نزكيه على الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى