
المحقق- نازك شمام
عقب عشرة أشهر من دخول موازنة العام المالي 2024 حيز التنفيذ، أعلن مجلس الوزراء أمس عبر لجانه الفنية إجازة السمات العامة لموازنة العام المقبل.
وجاء في بيان عممته وزارة المالية (الأربعاء) إن اللجان الفنية بمجلس الوزراء أجازت سمات وموجهات وأهداف الموازنة العامة للعام 2025.
وقال وكيل وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، د. عبدالله إبراهيم عقب تقديمه للسمات والموجهات في اجتماع اللجان الفنية برئاسة مجلس الوزراء إن اللجان خلال مناقشتها أبدت ملاحظات ستُسْتَوْعَب توطئة لرفعها للقطاعات الوزارية لإجازتها تمهيداً لعرض الموازنة على الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء لاعتماد العمل بها.
وبالنظر إلى أداء موازنة العام الجاري، والذي أوشك على الانتهاء، فإن عقبات وتحديات كثيرة واجهت أداء الموازنة لعدة أسباب في مقدمتها الوضع السياسي الراهن للبلاد.
وفي يناير الماضي أجاز مجلس الوزراء المُكلّف، برئاسة وزير شؤون مجلس الوزراء المُكلّف، القائم بأعمال رئيس مجلس الوزراء، عثمان حسين، ميزانية السودان للعام 2024، والتي سُميت بميزانية الحرب.
وقال حينها وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، د. جبريل إبراهيم، إنّ الميزانية تستصحب رؤية اقتصادية لفترة ما بعد الحرب وإعادة الإعمار والتعويضات، وتقوم على استراتيجية ورؤية اقتصادية واجتماعية متكاملة في مجالات التعافي الاقتصادي والخدمات الأساسية للقطاعات الإنتاجية والشؤون الإنسانية والمصالحات الاجتماعية والعلاقات الاقتصادية الخارجية ومشروعات إعادة الإعمار والتعويضات، بالإضافة إلى رؤية حول بناء الإنسان السوداني اجتماعياً وإدارياً وتربوياً وإعداده لمرحلة ما بعد الحرب.
وأكّد جبريل – حينها – أنّ الميزانية مرنة، وسينظر مجلس الوزراء فيها كل (3) أشهر من أجل تقييمها، خُصوصاً أنّهم يتوقّعون عوائد محدودة بسبب خروج العديد من المناطق خارج دائرة الإنتاج بسبب الحرب.
واصدمت موازنة العام الجاري بعقبة الحرب الكؤود والتي حملت المالية لأن تطلق عليها موازنة طارئة قابلة للتعديل والمراجعة.
وعن عقبات موازنة العام الحالي يرى الخبير الاقتصادي، د. هيثم محمد فتحي، أنه على مدار الأعوام السابقة ومنذ 2019 ، وبالأخص عامي 2023 و2024 م أن الحكومة، وفي سبيل سعيها لتغطية العجز، سعت جاهدة نحو زيادة إيرادات الخزينة العامة بمختلف الوسائل، ابتداءً من الاستفادة من الضرائب والرسوم عبر استحداث أوعية ضريبية جديدة، وزيادة الرسوم على الأوعية الضريبية الحالية وتحسين إجراءات التحصيل الضريبي ومكافحة التهرب الضريبي، إلى العمل على زيادة الإيرادات الاستثمارية، مروراً بضبط الإنفاق العام وترشيده، أو بالتضخم عن طريق الإصدار النقدي بدون تغطية، وانتهاءً بالاعتماد على القروض المحلية والخارجية لتمويل إيرادات الموازنة بالعجز.
وأوضح فتحي في حديثه مع “المحقق” أن هذه الإجراءات لتخفيض العجز تبدو في قسمها الأكبر خارج سيطرة وزارة المالية بشكل كبير، لأسباب ترتبط بالظروف الأمنية الحاضرة وعدم الاستقرار السياسي وتأثير ذلك على الظروف الاقتصادية، فضلاً عن الخسائر الكبيرة لدى المؤسسات في القطاعين العام والخاص، والتي أدت إلى تراجع إيراداتها وعدم قدرتها على تسديد الضرائب.
وأشار هيثم إلى أن المشكلة تبدو أكثر تعقيداً في ظل غياب خيارات التمويل والاعتماد بشكل كبير على التمويل بالعجز عبر الاقتراض الداخلي من البنك المركزي حيث تظهر آثار للاختلال في توازنات الاقتصاد مع تدني مستمر لفاعلية أدوات التدخل المالية والنقدية في الاقتصاد.
ولفت فتحي إلى وجود تخبط واضح في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، في ظل تداعي الاقتصاد نتيجة تعرض محركاته الأساسية لضغوط قوية أنهكت بنيته وأفقدته الكثير من مقوماته جراء الحرب المستمرة والتدمير الممنهج للبلد إنسانياً وعمرانياً واقتصادياً.
وقال: “في تقديري لم يُظهر البنك المركزي أي استراتيجية ثابتة ومستقرة تتناسب وظروف الأزمة، بل تخبط بقرارات وتوجيهات وإجراءات عديدة أسهمت في إذكاء أزمة سعر صرف الجنيه السوداني ، فقد أدت الحرب إلى شلل كبير جداً في قطاعات الإنتاج، ومن ثم تراجع حجم الإيرادات مع تزايد الإنفاق المطلوب لمواجهة تكاليف العمليات العسكرية، وانخفضت الصادرات مقابل ارتفاع الواردات بشكل متفاوت”.
من جانبه قال الخبير الاقتصادي د.محمد الناير إن الموازنة في ظل الحرب تكون مختلفة حيث تركز الاهتمام بالفصل الأول أو تعويضات العاملين ثم بعد ذلك الاهتمام بالقدرات الأمنية والعسكرية وتوفير التمويل اللازم أو البنود اللازمة ، مشيراً إلى أن الاهتمام بالتنمية في ظل ظروف الحرب يكون ضعيفاً بل يكون محصوراً في تحقيق استقرار المؤشرات الاقتصادية (سعر الصرف، معدل التضخم، تقليل معدل الفقر والبطالة وغيرها)، وقد لا تكون التنمية ضمن الأولويات أو أن لا يكون هنالك تمويل أو بنود كافية لتنفيذ موازنة التنمية (الاصول غير المالية).
وأشار الناير إلى أنه في كل موازنات السودان لم تكن هنالك موازنات مقدرة للتنمية وهي الأصول غير المالية ، لافتاً إلى أن الاعتمادات غالباً ما تكون نحو 5% من حجم الموازنة وأحيانا أقل من 10%، واعتبر الناير ذلك معادلة مشوهة و رجّح عدم تنفيذها في ظل ظروف الحرب.