إستعراض مذكرات وزير الخارجية والأمين العام الجامعة العربية الأسبق

السفير محمد المرتضى مبارك
جاءت مذكرات السفير وزير الخارجية المصري الأسبق وأمين عام جامعة الدول العربية السابق السيد عمرو موسى في جزء أول يقع في 650 صفحة من القطع الكبير خصصه لنشأته ومسيرته المهنية دبلوماسياً وسفيراً ووزيراً للخارجية، وجزء ثاني يقع في 575 صفحة من القطع الكبير لفترته أميناً عاماً للجامعة العربية. والمهتمون وعامة القراء موعودون بجزء ثالث عن فترة ولوجه الساحة السياسية وترشحه لرئاسة الجمهورية.
يعتبر السيد السفير عمرو موسى وزير الخارجية الأسبق وأمين عام الجامعة العربية السابق أحد أبرز من تعاقبوا على وزارة الخارجية المصرية وأمانة الجامعة العربية بحراكه ونشاطه الكبير وبعد نظره وسعة أفقه والتي ترجمت في التغييرات الكبيرة والعميقة التي أحدثها في الخارجية المصرية ومنظومة العمل العربي المشترك ممثلة في الجامعة العربية والمؤسسات التابعة لها. وعلى الرغم مما إنتاب الكثيرين على الصعيد الوطني في مصر وفي الإقليم والعالم من حزن على ذهابه عن وزارة الخارجية المصرية بعد عقد من الزمان قضاها وزيراً للخارجية وصار من نجوم الدبلوماسية البارزين في الإقليم والعالم، إلا أنه سرعان ما بزغ نجماً وعلماً أكثر ألقاً وتوهجاً من خلال الجامعة العربية التي أحيا الكثير من مواتها وأوجد لها ادواراً وفاعلية لم تدر بخلد أكثر المتفائلين بإمكانية إحيائها وتطوير أدائها.
ولعل نشأة السيد عمرو موسى في أسرة ممتدة تحت رعاية جده الذي كان نائباً برلمانياً عن حزب الوفد قد ساهمت في تكوينه ونضجه الوطني منذ عهود صباه وشبابه الباكر وقد دعم ذلك كله بدراسته للقانون بجامعة القاهرة، ثم قبوله دبلوماسياً بوزارة الخارجية ووجوده بالقرب من غرف إتخاذ القرار في عهد عبد الناصر والسادات. ونافذاً في صنع وتنفيذ القرار الخارجي في فترة مقدرة من حكم الرئيس مبارك.
أولى الإدارات التي عمل بها السيد عمرو موسى بوزارة الخارجية كانت إدارة البحوث التي أفادته كثيراً وفق قوله لأنها الإدارة التي كانت منوطة بتلخيص جميع البرقيات الهامة والتعليق عليها ورفعها لرئاسة الجمهورية. وكانت بيرن أولى محطات عمله الخارجي وتعلم فيها أصول العمل الدبلوماسي والبرتكول والأتكيت كأصغر عضو في البعثة يعتمد عليه السفير في كثير من المهام. وقد أفاد كثيراً من عمله في ديوان الوزير عقب عودته من بيرن وعمله لاحقاً دبلوماسياً بإدارة الهيئات الدولية التي حقق من خلالها حلمه بالعمل ببعثة مصر بنيويورك خلال الفترة 1968ــ1972 والتي تولى فيها مسؤولية اللجنة الثالثة المعنية بالشؤون الإجتماعية وخلال فترته نقلت موضوعات القضية الفلسطينية من قدس وحدود ولاجئين إلى اللجنة الثالثة، وقد أكسبته جولات المنافحة والكفاح لصالح القضية الفلسطينية في نقاشات اللجنة دربة وخبرة كبيرة جعلته من الدبلوماسيين الشباب المرموقين في نيويورك وبني شبكة علاقات وتحالفات عريضة مع دبلوماسيي الدول النامية ومجموعة دول عدم الإنحياز.
وبعد عودته من نيويورك إلتحق بادارة الهيئات الدولية مجدداً وفي مرحلة لاحقة تم تعيينه مديراً عليها ولما يتجاوز درجة المستشار رغم أهمية الإدارة التي كان يتولاها سفراء مرموقون وذلك تقديراً لحسن بلائه وإجتهاده. ورغم التحولات التي حدثت في قيادة الوزارة وقدوم من عده ومجموعة من زملائه الدبلوماسيين من حرس الوزير القديم وحثه من قبل البعض على ترك الإدارة إلى النقل الخارجي، وإخفاء البرقيات السرية عنه، إلا أنه قاوم جميع تللك الضغوط بالإعتماد على مصادر المعلومات المفتوحة، والدوريات والمعلومات من السفارات المعتمدة في مصر، مكنته من تقديم تقارير جيدة لقيادة الوزارة. وبزوال الظروف غير المواتية في الوزارة وقدوم طاقم قيادى أخر، تمكن من الحصول على ترقية إستثنائية أهلته للنقل في العام 1981 إلى نيويورك في وظيفة نائب المندوب لمدة عامين، ومنها سفيراً لمصر بالهند لثلاثة أعوام بناءاً على طلبه، مفضلاً عليها العمل مندوباً لمصر بالمقر الأوروبي للأمم المتحدة بجنيف، وذلك لما يرى من تجربة العمل الدبلوماسي شديدة الثراء بالهند كدولة مهمة وتتميز بالتنوع الكبير والحيوية السياسية والإجتماعية.
عاد من الهند مديراً لإدارة الهيئات الدولية مسلحاً بتجربة العمل لعامين نائباً للمندوب بنيويورك، مراكماً مزيداً من الخبرة لسابق عمله بنيويورك خلال الفترة 1968ــ 1972، وعمله بإداة الهيئات الدولية دبلوماسياً ومديراً وهو لم يتجاوز درجة المستشار بصورة إستثنائية، وأيضاً بخبرة عمل ثرية بالهند. وخلال هذه الفترة خاض معارك ضد مساعي السوريين عزل مصر في العديد من المنابر الإقليمية بسبب توقيع إتفاقية السلام مع إسرائيل كما أتاحت له هذه الفترة الإقتراب والعمل بالقرب من الرئيس الأسبق حسنى مبارك وقد أفضى ذلك لتعيينه مندوباً لمصر بنيويورك والتي مكث فيها لعام ونيف من الاول من فبراير 1990 إلى 20 مايو 1991 قبيل تعيينه وزيراً للخارجية.
ورغم قصر فترة السفير عمرو موسى كمندوب لمصر بالإمم المتحدة إلا أن فترته التي لم تتجاوز العام ونيف كانت عامرة بالحضور الدبلوماسي الكبير لبعثة مصر في نيويورك وخاصة مبادرته لإخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل والتي وجدت التأييد من العديد من الدول وسميت مبادرة الرئيس مبارك، وتصديه القوى والمفحم لجميع أنشطة الإستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومكافحة المساعي الأمريكيةـــ الإسرائيلية التي سعت إلى إلغاء قرار الجمعية العامة الذي يقر بأن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية. وكذلك نشاطه الواسع في جهود الدبلوماسية المصرية والجامعة العربية خلال أزمة إحتلال العراق للكويت، والتي يبدو أنها من الأسباب التي عززت من قناعة الرئيس الأسبق حسنى مبارك بأن قد آن أوان أن يكون السفير عمرو موسى على رأس الدبلوماسية المصرية.
تولى السيد عمرو موسى منصب وزير خارجية مصر لعشر أعوام خلال الفترة من 1991ـــ 2001، كانت أهم إنجازاته إعادة هيكلة وزارة الخارجية التي رأى أن هيكلها قديم بني على نمط وزارات الخارجية الأوربية في مطلع القرن العشرين وأنهم بحاجة لهيكل تنظيمي على غرار وزارة الخارجية الأمريكية الأكثر كفاءة بين نظيراتها في العالم. في الهيكل الجديد على الصعيد الثنائي تم تقسيم العالم إلى خمسة أقاليم جغرافية هي: الشؤون الأوربية، الأمريكية، الأفريقية، العربية والشرق الأوسط، والآسيوية.
ويذكر المؤلف أن هدفه في الهيكل الجديد كان تمكين الشباب من خلال مسؤول الملف ” Desk” ويعني أن كل دولة لها مسؤول ملف معني بمتابعة كل شؤونها السياسية والإقتصادية والإجتماعية وعلاقتها بمصر. فهناك دولة كرواندا تسند لشاب وهناك دول ذات علاقات متشابكلة كالكوريتين تسند إلى شاب وهناك دولة عظمى كالولايات المتحدة تستند إلى مدير مع مجموعة من الشباب وبذلك صار له حوالي 90 منصباً قيادياً للشباب يشرفون من خلالها على دول العالم المختلفة، وكانوا شباباً في أواخر العشرينات والثلاثينات لم يتجاوز أي منهم الأربعينات.
تم إختيار الأكثر كفاءة لتولى مسؤوليات مديري شؤون الدول الأمر الذي ساعد على تهيئة العشرات من الشباب الذين صاروا سفراء أكفاء لمصر في الخارج. وبموجب اللا مركزية في الهيكل الجديد صار لمديري الشؤون الحق في كتابة مذكراتهم التي تحوي معلومات من إطلاعهم أو لقاءاتهم مباشرة إلى الوزير. أما مذكرات الرأي فيجب طرحها أولا على مساعد الوزير ومعاونه المختص قبل العرض مع طرح وجهات النظر المختلفة.
وأضاف السيد عمرو موسى أن الهيكل الجديد لم يكن للتقسيم النظري فقط، إذ كان قبل أي مقابلة للوزير مع مسؤول لدولة أخرى، يستدعي الدبلوماسي مسؤول الملف، الذي يقدم تقريراً للوزير عن تطورات الأوضاع في ذاك البلد وتطور علاقاتها بمصر، ويحضر المقابلة ويعد محضرها ويناقشه الوزير بعد إنتهاء المقابلة. وخلق ذلك معرفة عميقة بين الوزير وشباب الوزارة، كما أن اللقاء بالوزير ومراقبة أدائه في لقائه مع السفراء والوزراء الأجانب صار متاحاً لأولئك الشباب. كما أن إمكانية إستدعاء أي منهم من قبل الوزير جعلهم في أعلى درجات اليقظة والإستعداد وصب في تسريع وتيرة العمل بالوزارة وتوفر المعلومات لديها عن كل طارئ من الأحداث العالمية. وفوق مستوى مديري الشؤون يوجد نواب مساعدي وزير الخارجية للقطاعات المختلفة مثلهم مثل مديرى الإدارات في الهيكل القديم، وعلى رأس القطاع مساعد وزير الخارجية المعني بإدارة القطاع وتنسيق مهامه.
من التحولات الهامة في الخارجية المصرية التي تمت في عهد الوزير عمرو موسى مشروع رقمنة الوزارة وربط الوزارة كلها بشبكة معلومات وأحدة، وقصر السرية في البرقيات على برقيات معينة من خلال تصنيف كبير من البرقيات بإعتبارها برقيات معلومات يجب إتاحتها للجميع وسرعة تداولها لتسريع نشر المعلومات وتقليل الضغط على العاملين في أنظمة تشفير البرقيات.
على مستوى الكادر البشري الدبلوماسي أشار السيد عمرو موسى على تشديده أن تكون تكون الكفاءة وحدها معيار الإختيار للخارجية، كما أنه أدخل لأول مرة اللغة العربية ضمن موضوعات الإمتحان التحريري لما يرى من أن إهمية إتقانها لا تقل عن أهمية اللغات الأجنبية. وأضاف انه كان يدقق في إختيار السفراء للدول المختلفة ويرى أن ثمة عواصم كواشنطن، لندن، باريس، نيويورك، باريس تتطلب نوعية منتقاة من الدبلوماسيين وزوجاتهم لأنهم يقتربون كثيراً من قمة المجتمع الدولي برجاله وسيداته، بسياسييه وإقتصادييه ومصرفييه، بإدبائه وفنانيه، وخلق الصلة معهم يسهل للبلاد الإنفتاح على معلومات وإنطباعات وإستشرافات مطلوب الوصول إليها.
ويرى أن السفير في السعودية يجب أن لا يكون قصير القامة، لأن العائلة المالكة معظم رجالها يتميزوا بالطول ولم يرد لسفيره أن ينظر إليه من عل. السفراء ذوو الكفاءة في ذاتهم تحترم كفاءتهم وينقلوا إلى دول لا تحتاج إلى دور خاص للزوجة. السفراء في المغرب العربي يفضل ان يكونوا ممن يتحدثون الفرنسية. السفراء في العالم العربي يجب أن يتميزوا بحب الإطلاع والإقتناع بالصلة القومية والذوق والكياسة والعين المليانة. السفير في بيروت يجب أن يكون إجتماعياً ومنفتحاً على الناس.
أشار المؤلف إلى تميز عهده بحسن التنسيق والتناغم بين وزارة الخارجية والمخابرات العامة مشيداً بمديرها الراحل اللواء عمر سليمان الذي كان كبيراً وراقياً في تعامله ومترفعاً عن الصغائر وتفهم طلب وزير الخارجية عمرو موسى أن لا تكون ملفات مثل علاقات مصر بدول كالسودان والصومال وقفاً على المخابرات العامة وأن ثمة متسع من الإختصاص في الملفين وأمثالهما للجهازين. وأشار إلى أن اللواء عمر سليمان كان سعيداً بأن الخارجية تريد أن تبنى طريقة عمل جديدة، عمادها الشفافية والتعاون والتكامل بين الأجهزة المختصة بالأمن القومي والسياسة الخارجية.
من إنجازات السيد الوزير الأسبق عمرو موسى إدخاله الدائرة المتوسطية إلى دوائر السياسة الخارجية المصرية، مشيراً إلى أنه كانت له أساسات فكرية متينة بنى عليها طرحه في الإنفتاح المصري على الدائرة المتوسطية من خلال إقتناعه بما نادى به طه حسين في كتابه ” مستقبل الثقافة في مصر” من أن: ” مصر كانت عبر التاريخ على إتصال بدول المتوسط وبحر إيجة. وكانت هي نفسها مهد حضارة غمرت الآفاق آلافاً من السنين. هذه الحضارة هي جذور وأصل الحضارة الغربية الحديثة”.
ويعلق عمرو موسى بأن رايه أن الدائرة المتوسطية يجب أن لا تتعارض مع الدائرة الإسلامية وكذلك العربية والأفريقية بل تكون قيمة مضافة لهما. كما أشار السيد موسى في أهمية الدائرة المتوسطية للمفكر الجغرافي المصري جمال حمدان في قوله: ” ليس المطلوب في توجه مصر المتوسطي أن تكون قطعة من أوروبا، ولكن أن تصبح دولة عصرية حديثة متقدمة”. وقد توج السيد عمرو موسى جهوده في إضافة الدائرة المتوسطية للسياسة الخارجية المصرية بإنشاء إدارة في الخارجية للدائرة المتوسطية ونظم مؤتمر وزاري لعشر من دول المتوسط بالإسكندرية في يوليو 1994، تم الإتفاق أن تكون نواة لتجمع الدول المطلة على المتوسط في المستقبل، وهي دول: مصر، فرنسا، إيطاليا، البرتغال، أسبانيا، اليونان، تركيا، المغرب، تونس، والجزائر.
ولعل من محاسن الصدف أن ينتقل السيد السفير الوزير عمرو موسى بعد عشر سنوات قضاها وزيراً للخارجية وهو في قمة عطائه ونجوميته إلى الجامعة العربية أميناً عاماً والتي أيضاً أمضى فيها عشرة سنوات كانت عامرة بالكثير من الإنجازات والإختراقات غير المسبوقة على الأصعدة الإقليمية والعالمية.
وما أن ولجت خطا عمرو موسى إلى الجامعة العربية في يومه بل ساعته الأولى إلا وتفقد كل ركن من مبناها ذي الطوابق التسعة وإلتقى غالب موظفيه. وبدأ في إحداث ثورته في الشكل والمضمون بدءاً من تغيير الإثاثات والستائر وطلاء الجدران وتغيير الأنوار الخافتة إلى أخرى جيدة الإضاءة تكون مدعاة للهمة والنشاط وليس الخمول والتراخي. وبدأ في تصنيف الموظفين وفق تخصصاتهم ورغباتهم ليكونوا نواة للتشكيلات الجديدة مع تنشيط القديم. وشرع السيد عمرو موسى في تزويد موظفي الجامعة بتقنيات العمل الحديثة وتهيئة بيئة العمل مستعينا بالموارد المالية الإضافية خارج الميزانية التي حصل عليها من بعض الدول العربية ميسورة الحال.
وبدأ السيد عمرو موسى في تغيير المفاهيم حول الجامعة العربية ودورها من خلال تقرير الأمم المتحدة للتنمية الذي وجه إنتقادات شديدة لطريقة الحكم في العالم العربي، إذ زارته المشرفة على التقرير السيدة ريما خلف والتي أعلمته أنهم يفاضلون بين القاهرة وعمان كموقع لإطلاق التقرير. فاجأها السيد الأمين العام بأن التقرير سيتم إطلاقه من داخل مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية. وبتلك الخطوة الشجاعة أحدث إنفتاحاً بين الجامعة العربية والأمم المتحدة ومثل ذلك الإنفتاح أحدثه مع الإتحاد الأفريقي والعديد من المنظمات والفعاليات الدولية والإقليمية.
ومن ألإصلاحات الهامة التي أشار إليها المؤلف في مذكراته إستحداثه ل22 إدارة جعل على كل منها مديراً من الدول العربية ال22 الأعضاء في الجامعة العربية وإستحدث منصب نائب الأمين العام والذي خصصه للمغرب العربي بإعتبار أن الأمين العام من مصر التي يعتبرها البعض من دول المشرق العربي. كما عمل على تمكين المرأة من خلال إسناده رئاسة ست إدارات لنساء.
وصادف تولي السيد عمرو موسى أمانة الجامعة العربية وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية في نيويورك وما صاحبها من حملة شرسة على العرب والمسلمين. ولم يقف الأمين العام موقفاً سلبياً بإنتظار قرارات من مؤسسات الجامعة العربية وإنما بادر بقيادة حملة نشطة أدانت الأعمال الإرهابية ونفت نسبتها للإسلام كدين والعرب كقومية وذلك من خلال العديد من كبرى وسائل الإعلام الأمريكية وأيضاً من خلال محاضرة في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية في نوفمبر 2001. كما عقدت الجامعة العربية ملتقىً للمفكرين العرب أدان الأحداث الإرهابية وأعلن تضانه مع الجاليات العربية في الغرب وحذر من الخلط بين الإرهاب والمقاومة المشروعة ضد الإحتلال. كما زار الأمين العام الولايات المتحدة وإلتقى العديد من كبار أركان إدارة الرئيس بوش الإبن بعيد التفجيرات ووجد صدىً طيباً لتصريحاته التي أدانت الأعمال الإرهابية.
وفي سبيل الحؤول دون إستغلال أحداث الحادي عشر من سبتمبر كذريعة لإتهام العراق وضربه من قبل الولايات المتحدة، قاد السيد عمرو موسى حراكاً وأسعاً ونشطاً مع الأمين العام للأمم المتحدة السيد كوفي أنان وأركان إدارة بوش وسافر إلى العراق وإلتقى الرئيس صدام حسين وحصل منه على تعهدات بعودة المفتشين الدوليين إلى العراق، غير أن ذلك كله لم يجد نفعاً، لأن إدارة بوش الإبن كانت قد بيتت النية على ضرب العراق.
وعلى الرغم من التداعيات الخطيرة لضرب وتدمير العراق من قبل التحالف الأمريكي، إلا أن الجامعة العربية بقيادة أمينها العام لم تقف مكتوفة الأيدى بل قادت حملة لتضميد جراح العراق والحفاظ على الهوية العراقية في الدستور العراقي أمام محاولات طمسها، كما زار العراق وإلتقى بجميع الأحزاب السياسية والطوائف والمذاهب الدينية والإقليمية وزار كردستان وخاطب برلمانها قائلاً بأهمية كردستان العراق ليست فقط للعراق وإنما لكل العالم العربي والشرق الأوسط. ونظمت الجامعة العربية مؤتمراً للوفاق العراقي شاركت فيه جميع القوى السياسية والطوائف والكيانات العراقية في نوفمبر 2005 بالقاهرة.
ظل السيد الأمين العام عمرو موسى طوال عشرية قيادته للإمانة العامة للجامعة العربية منافحاً قوياً عن ثوابت القضية الفلسطينية ووحدة قوى فصائل النضال الفلسطيني وظل في تواصل حميم مع جميع أطراف القضية الفلسطينية، ونشط في تسويق المبادرة العربية التي إقترحها العاهل السعودي الملك عبد الله وإعتمدتها الجامعة العربية كحل شامل وناجع للقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي. وظلت الجامعة العربية في عهد أمينها العام عمرو موسى تحرص على طبيعة قضية الشرق الأوسط كصراع عربي إسرائيلي وترفض محاولات تجزئة القضية والإنفراد الغربي بالإطراف العربية والسلطة الفلسطينية في مباحثات ثنائية.
على الصعيد الثقافي أنفذ الأمين العام للجامعة العربية مقترح بعض المثقفين العرب بجعل العالم العربي ضيف شرف مؤتمر فرانكفورت للكتاب للعام 2004 والذي مثل حدثاً غير مسبوق في تاريخ العمل العربي المشترك إذ عرض فيه حوالي 12000 كتاب وشارك فيه أكثر من 300 مفكر وكاتب وأديب عربي.
وقاد الأمين العام عمرو موسى حراك ونشاط واسع تجاه جميع البؤر الملتهبة في العالم العربي في لبنان قبل وفي أعقاب مقتل الحريري حيث إلتقى بجميع الأحزاب والطوائف اللبنانية وزار سوريا وإلتقى بالرئيس بشار الأسد وحصل على تأكيدات بإنسحاب سوريا من لبنان، وجعل الجامعة العربية عاملاً هاماً في جهود نزع فتيل التوتر في لبنان وصولاً إلى مراحل التوافق على حكومة وإختيار رئيس للجمهورية. كما زار دارفور أكثر من مرة ونشط جهود الجامعة العربية في حل مشكلة دارفور والمساهمة في مشروعات إغاثية وعودة طوعية. كما جعل الجامعة في تنسيق وتناغم مع الإتحاد الأفريقي في تدخلاتهم لحل مشكل دارفور.
ولعل من النقاط الإيجابية البارزة في مسيرة السيد عمرو موسى خلال قيادته لمنظومة العمل العربي المشترك كأمين عام للجامعة العربية تنسيقه الممتاز والكبير مع المنظمات الإقليمية الشقيقة ممثلة في الإتحاد الأفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي بإعتبار وحدة أهدافها وإشتراك العديد مع أعضائها مع الجامعة العربية وأيضاً ظل على تفاهم وتكامل مع الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي. كما إبتدر حواراً وعلاقات مع العديد من الدول الرئيسة كإيران، تركيا، روسيا، الصين. ودعا إلى تكوين رابطة دول الجوار العربي التي تضم الدول المجاورة للعالم العربي كايران وتركيا وأثيوبيا والسنغال ومالي وغينيا. وذلك بهدف تحويل التناقض والإستقطاب الذي كثيرا ما يحدث بين الدول العربية وجوارها الإقليمي إلى تعاون وتنسيق وتوسعة لرقعة الأمن الإقليمي. كما شهد عهد السيد عمرو موسى مساع حثيثة لتطوير آليات العمل العربي المشترك فتم إنشاء البرلمان العربي ومجلس السلم والأمن العربي.
ومهما يقال عن سعي كاتبي السير الذاتية لتحسين صورهم وتضخيم إنجازاتهم إلا أن السفير الوزير الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى ظل صاحب رؤية وفكر ونشاط دبلوماسي وسياسي منفتح، مستنير شجاع، مبادر ومجود لأصول وقواعد العمل الدبلوماسي المهني لذا حاز إحترام وحب زملاءه في المهنة وأبناء وطنه والأمة العربية وكثر في الإقليم والعالم وإحترام حتى أعدائه ومخالفيه في الرأي لوضوحه وشجاعته وقوة منطقه وبعده عما يشين من خداع وكذب.
ويكفي أن تطالع الصور العديدة للسيد عمرو موسى سفيراً ووزيراً وأميناً عاماُ للجامعة العربية مع العديد من رؤوساء وعلية الوزراء والنافذين بعديد من الدول على إمتداد المعمورة لتلحظ الإعجاب والسرور والتقدير الذي يظهر في محياهم للقاءه والنقاش معه في القضايا الدولية الهامة. ولعل المسيرة المهنية الثرية لأمثال السيد السفير عمرو موسى من شأنها أن تحفز الكثيرين في قادم الإجيال ليكونوا قادة ورجال دولة عظام يسمقوا بعالمنا العربي والأفريقي والإسلامي لإرتياد فضاءات من العظمة والشموخ تليق بإرثها وتاريخها والطموحات النبيلة لشعوبها.