المجاعة.. مزاعم تتبدى وواقع يتحدى

الطيب قسم السيد
اعود اليوم لطرق موضوع العنوان أعلاه، بعد أن تناولته من قبل ، عقب آخر مؤتمر صحفي للسيد وزير الزراعة والغابات دكتور أبوبكر عمر البشرى، حول مؤشرات الموسم الزراعي الصيفي المنقضي وترتيبات الموسم الشتوي الحالي، والتي كانت حسب ما أورد الوزير في مؤتمره ذاك ، مطمئنة رغم تأثيرات الحرب وتداعياتها على الموسمين المنقضي والحالي.
إن الذي حملني على طرق هذا الأمر ثانية، هو تصاعد وتيرة الحملة المغرضة الكذوبة، التي تتبناها وتلوح بها جهات ومنظمات دولية وأخرى إقليمية، وتركب موجتها بعض جماعات الخيانة والعمالة من بني الجلدة، من مرضى النفوس وبائعي الضمائر بالخوض فيما يؤجج هذه المزاعم المغرضة الكذوبة، عن مجاعة مزعومة في السودان.
والمؤسف حقاً أن بعض المنظمات الدولية التي تستوجب مهامها وواجباتها الصدقية والميدانية في إعداد التقارير ونشرها، ظلت تقع في المحظور فتلون تقاريرها بصبغ السياسة وأمراضها وأجندتها.
ولكن المواجهة الفورية من جهات الاختصاص وعلى رأسها وزارة الزراعة والغابات، تدحض مثل تلكم التقارير، ومايترب عليها من ترتيب وتصنيف مغرضين.
وللوصول للحقيقة وسعيا لتفنيد المزاعم الكذوبة المضرة، اطلعت على تحفظات السودان حول تقرير لجنة التصنيف المرحلي الدولية، لحالات الأمن الغذائي (IPC)، وكانت لجنة التصنيف المرحلي لحالات الامن الغذائي قد اصدرت تقريراً من (طرف واحد) عن حالات الأمن الغذائي في السودان، وقد سلم لوزير الزراعة و الغابات يوم 24 ديسمبر 2024 م وذلك بعد 24 ساعة من تسريبه لوكالات الأنباء. والمعروف أن
لجنة التصنيف المرحلي لحالات الأمن الغذائي (IPC ) تشكل مبادرة عالمية طوعية تساعد الحكومات و وكالات الأمم المتحدة و المنظمات غير الحكومية و أصحاب المصلحة الآخرين على تحليل و معالجة انعدام الأمن الغذائي و سوء التغذية، وهي تعمل في مجالات التصنيف المرحلي لحالات الأمن الغذائي – تصنيف انعدام الأمن الغذائي المتزامن مع تصنيف سوء التغذية الحاد – عبر أدواتها التي تتمثل في رسم الخرائط للتصنيف المرحلي لحالات الامن الغذائي (IPC) وهي أداة تتبع السكان لدعم تحليل البيانات و اتخاذ القرار عبر مراحل رئيسية للتصنيف المرحلي المتكامل.
ويكون التصنيف على خمس مراحل تصنف على أساسها النتائج:
مرحلة الحد الأدنى (Phase1) : عندما يكون أكثر من 80% من الأسر لديها القدرة على الوصول للغذاء الكافي.
مرحلة التوتر ( Phase 2): عندما يكون ما لا يقل من 20% من الأسر تعاني نقصاً في الغذاء + معدلات سوء تغذية حاد بين 7-10%
مرحلة الأزمة ( Phase 3): عندما تعاني ما لا يقل من 20% من الأسر نقصاً حاداً في الغذاء + معدلات سؤء تغذية حاد بين 10 -15%
مرحلة الطوارئ (Phase 4) : عندما يكون هناك نقص حاد في الغذاء مع معدلات سوء تغذية حاد بين 15 – 20%
مرحلة الكارثة / المجاعة: عندما يحدث انتشار المجاعة و الوفاة و العوز مع معدلات سوء تغذية حاد تصل 30%
والحقيقة المهمة التي أحرص على إيرادها هنا، رغم تعريفي بلجنة التصنيف المرحلي هذه، وخطوات إعداد تقاريرها، هي أن لا عواقب تقع على أي دولة ترفض الاستعانة بتقرير هذه اللجنة وفقاً لأي ملاحظات أو تجاوزات حوله. فكثير من الدول لم تنضم لهذه اللجنة لأنها لجنة طوعية، ومن واجب المنظمات الموجودة بالبلاد ان تقوم هي بنفسها بعملية التصنيف المرحلي لحالات الأمن الغذائي دون الاستعانة بلجنة المجاعة.
عليه جاءت تحفظات وزارة الزراعة المستقاة من الواقع الانتاجي الماثل والمحتمل، على هذا النحو :-
التحفظ على طريقة تعامل اللجنة مع الدولة المستضيفة:
إذ يجب أن يشارك فريق من الحكومة في أعمال اللجنة كافة. و قد شاركت الأمانة العامة للأمن الغذائي في ذلك.
يجب أن يتم الاتفاق على التقرير النهائي للجنة، من قبل فريق العمل الحكومي و هذا لم يحدث!! و لم يؤخذ بالتقرير المتفق عليه بل تم رفع تقرير (معدل) تضاعفت فيه الأرقام.. مع ضرورة أن يعرض التقرير على الدولة عبر (الوزير المختص) لتقييمه و إجازته ومن ثم رفعه للجهات العليا: ولكن التقرير هذا، لم يرفع للوزير المختص إلا بعد 24 ساعة من تسريبه لوكالات الأنباء. و قد جاء معدلاً مختلفاً عن التقرير المتفق عليه مع اللجنة الوطنية. ولم يطلع عليه الوزير و لم يجزه.
اجتمع ممثلو لجنة المجاعة FAO و Unicef مع الوزير المختص عصر يوم 18 ديسمبر 2024م و وعدوا السيد الوزير باجتماع لإجازة التقرير لكنهم لم يجتمعوا معه بل اكتفوا بتقريرهم الذي سربته و كالة رويتر. وفي هذا تجاوز واضح و تخطٍ غير مقبول للسودان البلد المعني وهو من استضافهم و يلتزم سنويا بدفع اشتراكاته لهذه المنظمات.
وله ملاحظاته على طريقة جمع البيانات التي اتبعت في هذا التقرير عن طريق المسح الأرضي بتتبع السكان لدعم تحليل البيانات و اتخاذ القرار، بوصفها بيانات غير شاملة و غير دقيقة و قد تمثل أقل من 60% من العينات ذلك أنه من المستحيل إجراء مسوحات أرضية على الولايات التي تسيطر عليها مليشيا الدعم السريع أو تزعزع الأمن فيها، وقد سحبت كل هذه المنظمات موظفيها من تلك الولايات بل اغلقت مكاتبها الرسمية في الخرطوم ونقلت نشاطها إلى بورتسودان، حيث الأمان ناهيك عن تحريك فرق أرضية لجمع البيانات في تلك الولايات.
وتمضي تحفظات وزارة الزراعة وجهات أخرى ذات صلة، للتأكيد، على أن التقرير الذي لا أتردد شخصياً في وصفه بالمشبوه، لم يجمع بيانات عن سوء التغذية.. بل استعان ببيانات قديمة لم يتم تحديثها. مع العلم أن معدلات تصنيف سوء التغذية الحاد، تعد من أهم مجالات عمل اللجنة و بحساب نسبة يتم تصنيف مراحل الأمن الغذائي.
وحسب التقرير فإن هناك 11.5 مليون نازح يعيشون في المدارس و يحرمون الدولة من فتح مدارس الأطفال، فلماذا لم يوصي التقرير أو يشير إلى ضرورة أن تقدم لهم هذه المنظمات المنضوية في لجنة المجاعة الدعم الإنساني المناسب و قد نزحوا بفعل الحرب، إلى ولايات آمنة؟ ناهيك عن إقامة المعسكرات لهم ونصب خيام الأمم المتحدة كما يحدث في معظم الدول بدلا عن الجدل في إعلان و عدم إعلان المجاعة و إضاعة الوقت فيما لا يفيد!!
أعود لأقول إن ما تجاهله تقرير التصنيف المرحلي المتكامل هذا، واستبدل هنا وبجرأة، كلمة المتكامل بالمتحامل.. والذي أشار إلى أن هناك 11.5 مليون نازح يقيمون في المدارس في الولايات الآمنة في السودان وهم بحاجة إلى مساعدات إنسانية في حين أن كل المساعدات الإنسانية المقدمة لم تتجاوز (10) إلى (30)% حتى الآن!!!
فبدلا من الجدل حول إعلان المجاعة وتسييس الوضع الإنساني، كان الأولى للمجتمع الدولي، أن يتحمل مسؤولياته الكاملة وواجبه الإنساني ودوره العدلي في إدانة وشجب سلوك الطرف المتسبب في هذه الانتهاكات وهو ميليشيا الدعم السريع لوقف تدفق الأسلحة، وتعزيز دعم النازحين..
لكنه – أي التقرير – تجاهل أهم متغيرات الأمن الغذائي في السودان، فخلال الفترة المشمولة بالتقرير (أكتوبر – مايو)، فإن 16 مليون هكتار تمت زراعتها في يونيو 2024 وبدأ حصادها في ديسمبر.. منها ثمانية ملايين هكتار مزروعة بمحصولي الذرة الرفيعة والدخن، اللذين يشكلان الغذاء الأكثر شيوعا، و أهمية في السودان. وأهم محاصيل الأمن الغذائي. كما تجاهل التقرير حقيقة أن موسم الزراعة الشتوي الحالي سيتم حصاده في أوائل أبريل 2025، وهو موسم إنتاج القمح في البلاد بشكل أساسي، على الرغم من أن إنتاج القمح المتوقع يمكن أن يغير من وضع الأمن الغذائي.
وتجاهل التقرير كذلك، عن عمد، تأثير التحرير الجاري لمدن مثل (سنار، السوكي، سنجة، الدندر، جبل مويا، وتفاتيش وأقسام منطقة جنوب الجزيرة، وأجزاء كبيرة من أم درمان، بحري، وغرب ووسط الجزيرة)، مما أدى إلى العودة الطوعية للنازحين واستئنافهم لحياتهم المعيشية في الزراعة والرعي والتجارة، وكل ذلك يستوجب اعتراف التقرير بأنه سيؤدي بطبيعة الحال إلى تحسن كبير في وضع الأمن الغذائي في السودان.
إلى ذلك، تحدث التقرير (المتحامل) عن ما سماه طرفي النزاع وكان من اللائق تسمية الجيش الدستوري بتسميته المتعارف عليها و تسمى المليشيا المتمردة وفق ما يؤشر إليه جنوحها، وممارساتها الوحشية بحق الإنسان والبيئة.
وأخيراً نقول إن رفض وزارة الزراعة لهذا التقرير المزدحم بالمخالفات والسوءات، يمثل صفعة موجعة لهذه اللجتة، وردا منطقياً على ما حمله التقرير من ادعاءآت وتجاوزات. وفيه رد لاعتبار بلدنا ومؤسساتنا المعنية بمثل هذه الشؤون، بل هو صد وردع للتقارير ذات الأجندة التي تباشرها بعض والمنظمات واللجان الدولية بحق السودان هذا البلد الحر.. الذي لن يجوع..وهو الزاخر أرضا وشعبا.. الطاهر قيما ووجدانا، ولن يجيز أي تقرير صادر عن هذه اللجنة قياسا بتقريرها الصادر من لجنة المجاعة. وهكذا تبين المزاعم وتتبدى، ولكن واقع السودان يدحض.. والحقائق تتحدى.