رأي

أمريكا قد دنا صوابها

في تطور مفاجئ حتى لأولئك الذين كانوا يتوقعونه، من الخبراء و المحللين الاستراتيجيين، من الولايات المتحدة، تجاه الملف السوداني، ضيقت الولايات المتحدة الأمريكية، عبر توضيح خارجيتها، الخناق على مليشيا الدعم السريع وألحقت بها صفة وعقوبات قاسية.. مستوحاة من مراكز صناعة القرار عندها.

حيث وصف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في إفاداته الملزمة الاخيرة، انتهاكات الدعم السريع الجماعة الإرهابية المتمردة، بما بلغ بمرتبة جريمة (الإبادة الجماعية).. في إشارة لجرائمها المثبتة عبر تقارير حقوقية وإنسانية، أكدت ضلوعها في ارتكاب جرائم حرب بحق العزل والابرياء في السودان. وما باشرته من نهب وتدمير بمؤسسات الدولة وبنياتها الاقتصادية والتربوية، والانسانية، عبر موجات عنف غير مسبوقة في التاريخ القريب والبعيد. وهي درجة الانتهاك التي جوزت فرض ما صدر بحقها من عقوبات وإدانات سبقت بأخرى قبلها طالت عبد الرحيم دقلو قائد ثاني قوات الدعم السريع وشقيقه القوني المسؤول المالي الأعلى في جماعة الدعم السريع الإرهابية.

لقد أعلنت الولايات المتحدة عبر وزيري الخارجية والخزانة، تفاصيل صفعتين رادعتين مؤلمتين سددتهما، لمليشيا الدعم السريع الإرهابية. وداعميها.
الأولى جاءت من وزارة الخارجية، التي ألحقت صفة الابادة الجماعية بالأعمال الهمجية البربرية التي مارستها المليشيا قتلا وسحلا وأسرا وتنكيلا بالأبرياء، من السكان العزل و القادة والمسؤولين.
والثانية جاءت من وزارة الخزانة الأمريكية، بإصدارها عقوباتٍ على قائد التمرد محمد حمدان دقلو وشركات سبع تتبع للميليشيا، بتهمة توريد أسلحة وملحقات، ساهمت بشكل كبير في إشعال وتأجيج الحرب في السودان.

ويأتي إقدام الولايات المتحدة علي إعلان تلكم الخطوة، التي فاجأت الكثيرين، للسرعة والجرأة اللتين صاحبتا إصدار القرارين المرعبين للمليشيا وقيادتها وداعميها ومسانديها.

إنّ فرض تلك العقوبات على المتمرد حميدتي شخصيًا، شكل تطورٌا جديداً في قراءة الإدارة الأمريكية للمشهد السوداني، بعد أن ظلت تغض الطرف عنه منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، سيما وأنّ الحكومة السودانية طالبت مرارا بتصنيف الميليشيا االمتمردة جماعةٍ إرهابية، وفرض عقوبات على قائدها “حميدتي”.

ويبدو أنّ أمريكا في فترة الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب، الذي سيتولى مهامه رسميًا في خلال الشهر الجاري، تعتزم التعامل مع ملف السودان بشكلٍ جديد، باتخاذ مواقف أكثر صرامةً تجاه مليشيا الدعم السريع، ذلك لأنّ القضية السودانية باتت واضحةً للجميع ولم يعد هنالك مجالٌ للإنكار أو التردد بشأن الجرائم المروعة الشنيعة التي ارتكبتها “عصابات حميدتي” ولا تزال، خاصةً في ولاية الجزيرة.. وبالتالي أصبحت الإدارة الأمريكية في مواجهة مباشرة مع الشعب الأمريكي ومنظمات المجتمع المدني حال لم تتخذ قراراتٍ صارمة ورادعة في مواجهة المتمرد “حميدتي” وعصابته.

إنّ التطور الجديد فى الموقف الأمريكي بمعاقبة المتمرد “حميدتي” والشركات السبع التي تتبع له، جاء بمثابة إنذار مبكر في وجه داعمي “حميدتي” من دول المنطقة بشكلٍ عام، والإمارات العربية على وجه التحديد، مما يجعلها في مواجهة مكشوفة مع واشنطن، بعد أن تكشفت الحقائق وعلم الداني والقاصي أنّ “حميدتي” وعصابته، مجموعاتٍ إرهابية وإجرامية قوامها،جيوب مستجلبة، من القتلة وقطاع الطرق والناهبين.

نعم جاءت العقوبات الجديدة على قادة الميليشيا، لتشكل عبئاً ثقيلا على من تبقى من قيادة المليشيا، وصبت في مصلحة السودان وعضدت موقف الحكومة فيما يلي المبادرة الأمريكية التي تحاول من خلالها واشنطن أن تخفف عن نفسها الهجوم الإعلامي الكثيف من جانب قوى سودانية ومؤسسات غير رسمية كالصحافة والإعلام. والأمر بما حمله وبدا عليه،
دفع دولة الإمارات العربية، لخوض سعي لتجميل صورتها وتوسيع المسافة بينها وبين المليشيا، وهو مالم يتم إلّا عبر “المبادرة التركية”، التي قد تسعى من خلالها دولة الإمارات العربية، للقيام بما يسهم في تحسين الصورة الذهنية السالبة، عنها عند شعب وحكومة السودان والمتعاطفين مع الأزمة السودانية لصالحهما،. مما يضع السودان أمام خيار مواتي و مغري يمكنه من
إستثمار الخطوة الأمريكية هذه، بفرض موقف قوي فيما يلي “المبادرة التركية” ووضع شروط أشرنا في مقال سابق إلى ضرورة الإصرار على أن يظل اتفاق جدة وتنزيل أجندته هو الأساس لقبول أو رفض أي مبادرة جديدة تستمد موضوعيتها ، ونجاعتها من إلزام الطرف الموقع بالعدول عن ما ظل يمارسه من خروج على الاتفاق واسترسال بعد توقيعة في التمدد فيما طالب ونص الاتفاق على الاقلاع عنه.

الموقف الأمريكي الذي برز سيحدث تحولا كبيرا في مجريات الأمور في ملف الأزمة السودانية، وسيكون وبالاً على المليشيا. التي خاطبها بغلظة وباغتها بضربة مؤذية وأصدر بشأن قادتها وأعيانها الاقتصادية عقوبات رادعة.. وهو كما هو معلوم يمثل رغبة وإرادة كتل صناع القرار وحماته في منظومة الحكم (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) وبالتالي هو الملف الذي أعد للرئيس القادم ترامب وهو شبيه بالحالة الأوبامية المتعلقة بالأوامر التنفيذية، الأمريكية التي أعدتها إدارة أوباما لخلفه فيما يلي العقوبات الاقتصادية في السودان.

مع التأكيد على أن تعذير المليشيا بإلحاق تهمة الإبادة الجماعية بها لخروج سلوكها على القيم والمبادئ الانسانية، وعدم التزامها بقوانين الحرب وقواعد الاشتباك، سيعزز إرادة شعب السودان و جيشه، الذي يقاتل بضراوة لإنهاء حرب اشعلتها المليشيا وعهد خانته، وصلف وفجور ظلت تمارسه بحق الدولة وشعبها بانتهاك قانون الجيش ودستور البلاد.

فإن عادت أمريكا إلى صوابها..إزاء صمود شعبنا وإقدام جيشنا ومسانديه تجاه عدوهم والمساندين له،، فهذا من رمي الله وثبات الصابرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى