رأي

من يملك تلك العصا ليغرسها ؟

أميمة عبد الله

القرى العائدة و المدن المستردة و الشوارع الباهتة و البيوت المظلمة و الخطوات الثقيلة و المآذن المتلهفة لأهلها و المساجد العطشى لأصوات المقرئين و الأسواق التي تجاهد العودة والأجساد المتآكلة بالجوع والقلوب المنهكة بالحزن والعيون الذائغة والنفوس المنكسرة من قسوة الإنتهاك والناس على استحياء تحت ظل الأشجار منتشرين ، كأنهم يخافون الدخول على بيوتهم ، الأمان مع الجماعة ، لقد أفسدوا اطمئنان قلوبنا بالرعب و الخيانة المعلنة و بربريتهم.

 

بيوت الطين و القصور الفاخرة كلاهما خاوي ، وكلاهما مشرع الأبواب لصفعات الريح و الفراغ .

هي الخرطوم و ذاكرة الحرب ورائحة الجنجويد و نحن العائدين الفقراء من المتاع

الفرحين بالانتصارات و رفع الصوت بالتهليل ، المتعبين من البكاء على تكرار الفراق، المنكبين على الأرض في وداع الأحباب الباحثين عن رجاء الأيام القادمات.

 

والبلاد الآن تتقلب بين أحوال وأقدار ، تكبيرات الانتصار وتكفين الشهداء الأخيار ، انتصار يعقبه انتصار ناصع كصفحة السماء، في محليات الخرطوم والمالحة المبهرة من شراسة الفرسان في القتال و مدينة الفاشر المحروسة براً و جواً.

 

جيوش تتقدم و قلوب سحقها الجنجويد بأفعالهم فما عادت تصلح حتى للنبض؛

تتجلى هنا تماماً في هذه الأيام المفارقات و سخرية الدروب ، و متغيرات معدلات الأرزاق، وتحول البوصلة من فقرٍ إلى غنى استثمار الحرب المكتسب ومعاش العاديين من العباد.

أسر تبحث عن بقايا بليلة في التكايا وتتطلع إلى عطايا الشهر الكريم و تشتهي النور من طول مدة الانقطاع و إن تعبر الشارع في أمان و أن تقضي ليلتها مطمئنة مغلقة عليها باب بيتها و أن تجد مكاناً تشتري منه حبات بندول لتعالج الصداع و الحمى .

تشتهي أيامها السابقات بالدموع؛

و أخرى تبدل حالها وانتعش ، هنا على الساحل بيوتُ تنشأ و يتجادل أصحابها في ألوان النجف أيهما أجمل، ذات النور الأحمر أم الأبيض، ودرجة غمق الطلاء، و أخرى تستفسر أي المطاعم أشهى و أكلها أطعم و طاولاتها تليق بها .

و البعض هنا يتسابق نحو نيل الرضى عند أهل الحكم و البعض من أهل الحكم يتابع المعارك عبر الشاشات و الكثيرون يتطلعون إلى الوصول إلى رؤية و مخرج للبلاد عبر مداخلات مجموعات الواتساب ، يحرسون هواتفهم حتى لا يفوتهم الاستثمار فيما يُكتب وينشر !!

 

و للبيوت عند الساحل فخامة و أسرار و سياج وحراس،

و الناس هنا في أسفار و لقاءات و خصام و تبادل اتهامات و أخذ بعضهم بالشبهات

و ما أسهل الشائعة و التخوين و رمي الناس بالباطل

ما أسهل الخوض في أكل اللحم الحي هنا !

في مدينة الساحل كأن الدنيا ليست حرب كأن الشهداء ليسوا بالجملة و كأن الباطل هو الحق و كأن الجهل هو الأصل و كأن الصوت الجهور في النقاش هو جواز المرور نحو اكتساب المال

و كأننا لسنا نحن ، كأنني هنا مخدرة أسير تحت تأثير الذهول من تبدل الحال، متعبة كما الكثيرين من السؤال !!

مَن يا ترى يملك الآن تلك العصا ليثبت بها تدحرج السودان نحو ما بعد القاع ؟ من يملك الإجابات على أسئلة التائهين منا؟ ، من سيسند هذه البلاد بعد حرب الجنجويد ؟

من يملك عصا الدليل و الرؤية ليقود هذا المجتمع الفقير المنهك نحو الأمان ؟ من يثبت فؤاد الخائفين الفزعين ؟

من يرشد الآلاف و يقود الرسن ؟

والعلم من جديد عاد يرفرف أعلى سارية السيادة و القصر الرئاسي ؟؟

ولأن التفكير بصوت يعلمنا التشارك في إيجاد الأوتاد الأربعة لتثبيت الأركان و الركن الأساسي هو المجتمع و معاشه و احتياجه و أمانه و عودة الناس و بث الحياة فيه من جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى