رأي

قراءة عامة في تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية 2/2

استراتيجية ماليزيا للتعامل مع الرسوم الجمركية الأمريكية في حالة إقرارها

د. أحمد عبد الباقي

رغم الآثار السلبية على نموها الاقتصادي وعضويتها في منظمة التجارة العالمية منذ تأسيسها في عام 1995؛ مما يعني أن لها خيار الطعن ضد الرسوم الجمركية المتوقعة والاحتكام إلى قوانين منظمة التجارة العالمية، إلا أن ماليزيا أعلنت على لسان رئيس وزرائها السيد داتوك أنور إبراهيم أنها لن تتخذ إجراءات انتقامية ضد أمريكا، أو تلجأ لمنظمة التجارة العالمية لمعارضة الرسوم الجمركية، بل ستنتهج نهج التفاوض والدبلوماسية الثنائية لحل أي إشكالات تجارية، وعلى ذات نهج ماليزيا أكد اجتماع وزراء اقتصاد الآسيان السنوي لعام 2025م -المنعقد في ماليزيا التي تتولى رئاسة الآسيان لهذا العام- في بيانهم الختامي الصادر في 10 أبريل 2025م أن الآسيان لن تتخذ أي إجراءات انتقامية ردًا على الرسوم الجمركية الأمريكية، بل ستسلك المجموعة طريق الحوار والمفاوضات التجارية والدبلوماسية مؤكدين في ذات السياق أن منظمة التجارة العالمية هي المنبر الأساسي لحل قضايا التجارة العالمية الخلافية عن طريق الحوار والتفاوض،

وأكد بيان الآسيان، على دور منظمة التجارة العالمية التي تعنى بمنع تصاعد التوترات التجارية  و تسعي لتعزيز الحلول التعاونية القائمة على أسس وقوانين المنظمة، ولعل هذه الفقرة في البيان الختامي قصد بها أيضا إرضاء الصين في خلافها مع أمريكا، وخاصة أن الصين تحدت أمريكا، مشيرة إلى أنها سترفع شكوى بخصوص الرسوم الجمركية إلى منظمة التجارة العالمية؛ وتسعى الآسيان أيضاً لإرضاء الصين، الشريك التجاري الرئيسي لها حيث، بلغت قيمة التجارة بينهما لعام 2024م (962.98) مليار دولار أمريكي، ويعادل ذلك 15.9% من التجارة الخارجية للصين، كما أن قيمة صادرات الصين للآسيان للعام نفسه بلغت (575) مليار دولار أمريكي، بينما بلغت قيمة واردات الصين من الآسيان (388.88) مليار دولاراً أمريكياً. و تمثل الآسيان الشريك التجاري الأكبر للصين على الصعيد العالمي لمدة خمس سنوات متوالية، بينما ظلت الصين الشريك التجاري الأكبر للآسيان لمدة 16 عاماً متتالية.

المنحى السلمي لحل النزاعات وديا يعرف بـ “الطريقة” الآسيوية (Asian Way) وهي طريقة قائمة على مبدأ الحوار لحل أي خلافات بين دول الآسيان أو بين الآسيان ودول العالم على مبدأ “أن تكسب الأطراف جميعهم” وهنالك أيضا توازنات جيوسياسية أكبر من النزاع التجاري بين الآسيان وأمريكا، تتمحور حول تهدئة الصراع حول بحر الصين الجنوبي بين الصين والآسيان الذي تؤدي فيه أمريكا دوراُ محورياً لإحداث توازن يحول دون انفراد الصين بالآسيان في ظل تنامي قوتها العسكرية والاقتصادية والسياسية، كما أن الآسيان تمثل معبراً مائيا مهماً للتجارة العالمية؛ مما يستوجب تحقيق استقرار أمني لا يزعزعه أي صراع عسكري أو مواجهات بين دول الآسيان المشاطئة لبحر الصين الجنوبي مع الصين ولها نزاع حوله مع الصين.

محاولات ترامب وبوش لعرقلة عمل منظمة التجارة العالمية

يشار إلى أن الرئيس ترامب أنعش في ولايته الأولى في 2017م “الحمائية التجارية” وجعل العالم يعيش حربا تجارية فعلية بسعيه لرفع الرسوم الجمركية خارج نطاق قواعد منظمة التجارة العالمية، ويصف ترامب – بشكل عام – اتفاقيات التجارة الأميركية متعددة الأطراف من خلال منظمة التجارة العالمية، أو من خلال التجمعات التجارية الأخرى مثل اتفاقية (NAFTA)” نافتا “بأنها اتفاقيات سيئة، وليست في صالح الولايات المتحدة الأمريكية. ورغم ادعاء ترامب بأن الاتفاقيات لا تخدم مصالح أمريكا التجارية، إلا أنه وظف آلية الرسوم الجمركية لتحقيق أغراض سياسية، وهو ما عبر عنه ألكسندر بارولا ممثل البرازيل في منتدى دافوس الأخير، قائلا “أعتقد أن استخدام الرسوم الجمركية لأغراض سياسية يؤدي إلى تداعيات سلبية، وسيضر حقاً بالنظام الدولي القائم على القواعد… أعتقد أن هذه رسالة سيئة”. تجدر الإشارة إلى أنه في عهد الرئيس الأميركي الأسبق جورج الابن فرضت أيضاً من قبل رسوم جمركية على بعض المنتجات الخاصة بالاتحاد الأوروبي واليابان ودول أخرى، مما حدا بتلك الدول إلى اللجوء لمنظمة التجارة العالمية، لتقديم شكاوى ضد الولايات المتحدة، لما لحق بتلك الدول من أضرار؛ بسبب القرارات الأميركية. لذا عطل ترامب عمل قضاة منظمة التجارة العالمية بعدم الموافقة على تعيين بعضهم والتهديد بالانسحاب من المنظمة تارة أو رفض دفع مساهمة أمريكا لدعم عمل المنظمة تارة أخرى. وفي حالة إقدام ترامب على تنفيذ تهديداته برفع الرسوم الجمركية على واردات أمريكا من الدول في ولايته الثانية، فإن ذلك سيضر بأهم مبدأ لمنظمة التجارة العالمية، وهو حرية التجارة، وقد عبرت تقارير صندوق النقد الدولي أكثر من مرة أن خطوات ترامب نحو الحماية التجارية -إبان ولايته الأولى- كانت إحدى مهددات النمو الاقتصادي على الصعيد العالمي، وربما سيستمر ذلك التهديد إذا طبقها في ولايته الحالية.

منظمة التجارة العالمية ومحاولة سوء الاستغلال

تجدر الإشارة إلى أنه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، سعت دول العالم لتنظيم شؤون الاقتصاد العالمي، فأنشأت المؤسستين الماليتين، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في عام 1944م، ونُظمت التجارة العالمية لتقليل الحواجز الجمركية والقيود التجارية عبر ما يعرف بالاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (General Agreement on Tariffs and Trade)، وتعرف اختصارا ب (GATT) التي تأسست في عام 1947 م واستمرت حتى عام 1994م، واستبدلت بمنظمة التجارة العالمية في عام 1995م ومقرها جنيف، وتضم في عضويتها حتى أغسطس 2024م (166) دولة، ولكن حالها كحال وكالات الأمم المتحدة المتخصصة التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية، وهيمن عليها المنتصرون في تلك الحرب، أصبحت مطية للدول الغربية بصورة عامة والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بصفة خاصة، لتحقيق مآرب سياسية ولرعاية مصالحها القومية بصورة برغماتية صارخة تفتقر إلى أي معايير أخلاقية، وزاد سوء الاستغلال لمثل هذه الوكالات بعد نهاية الحرب الباردة في التسعينات بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وأصبح العالم أحادي القطب تتحكم فيه اللبرالية الجديدة التي استغلت منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها بصورة سيئة  لتقويض سيادة الدول وتنفيذ إملاءات الدول الكبرى على الدول الضعيفة وخاصة تلك النامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى