نحو خطة عاجلة وسياسات محفزة لمقابلة حاجة المواطن للكهرباء

دكتور مهندس جعفر أحمد خليفة
مما لا يختلف حوله أثنان، أن قطاع الكهرباء قد تعرض لدمار شامل في البنية التحتية للتوليد والتوزيع، بما يتعذر معه إعادة تأهيله خلال وقت قصير يُسعف الحال الراهن ويلبي حاجة المواطن المتزايدة للكهرباء، خاصة في العاصمة المثلثة؛ التي يعتبر رجوع المواطنين لمنازلهم فيها، مكملاُ للعملية الأمنية ومطبعاً للحياة العامة بها، ولا يرجع المواطنون في ظل انعدام الخدمات الأساسية من كهرباء وماء. إذن ما هو الحل أمام هذا الوضع القاتم؟
الحل يكمن في التوليد من الطاقة الشمسية. ولقد نشرت وسائط الأخبار قبل فترة أن الجهات المختصة قد وقعت عقوداً أو تخطط للتوقيع مع جهات أجنبية لإنشاء خمسة محطات للتوليد من طاقة الشمس.
حسناً، هنالك عدة دوافع، غير التي ذكرت، تحتم اللجوء إلى الطاقة الشمسية، لكن ليس بالنهج الذي تتبعه وزارة الطاقة الآن. إن الظرف الماثل يحتم أن تتبع الوزارة جماهيرية التوليد من الطاقة الشمسية بدلاً عن مركزيته. ينبغي أن تكون الأولوية في الوقت الراهن لتيسير إقتناء المواطنين لأنظمة الطاقة الشمسية على مستوى السكني ومستوى بنايات مؤسسات القطاع الخاص وحتى مباني مؤسسات القطاع العام.
لماذا جماهيرية وانتشار التوليد بدلاً عن مركزيته؟
إجراءات التوليد المركزي من تعاقدات واستيراد وتركيب وربط بالشبكة تستغرق وقتاً طويلاً (بطيئة)؛ فضلاً عن أن المحطات المركزية تظل عرضة للاستهداف بالتخريب. بالإضافة إلى ذلك، فإن التوليد المركزي من المتوقع أن يكون بسعات قليلة حسب ما تم التصريح به.
في المقابل، للمجتمع قوة وسرعة أكبر في إنجاز تركيبات الأنظمة تحت ضغط الحاجة للكهرباء. لنفترض أننا استهدفنا خلال عام واحد مليون منزل في المدن المتأثرة بالحرب بسعة تركيبات تتراوح بين 1 إلى 4 كيلو واط فقط لكل منزل أو مبنى شركة صغيرة، متوسط الحجم الكلي سيكون حوالي 2,5 قيقا واط. هل تتمكن الحكومة خلال أقل من عام واحد من انجاز تركيبات مركزية بحجم 2,5 قيقاواط؟ أكيد لا، فالتعاقدات التي طالعناها في الأخبار تتحدث عن كسر عشري فقط من القيقاواط الواحد.
وحتى يضطلع المجتمع بدور رائد في تركيبات أنظمة الطاقة الشمسية بالمنازل ومباني النشاط التجاري، مطلوب من الدولة بأجهزتها المختلفة (وزارة مالية، طاقة، عدل، بنك السودان،.. الخ) حزمة من السياسات التي تشجع المواطن وتيسر له إقتناء تلك الأنظمة، وحزمة أخرى من التشريعات تستهدف تحقيق الجودة (منتجات، تصميم وتركيب) لحماية الذين يقتنون نظام التوليد الشمسي من الغش وأخطاء التصميم والتركيب.
أقترح السياسات التالية:
أولاً، الإعفاء الجمركي لكل مكونات أنظمة الطاقة الشمسية وليس للالواح فقط، حتى إذا تم استيراد كل صنف لوحده. ذلك لأن بعض مكونات النظام قصيرة العمر، يضطر مستخدمها تبديلها عدة مرات خلال فترة عمل المنظومة. فكيف تستثنى البطاريات وأجزاء أخرى من الإعفاء الجمركي بحجة أنها مَدخل لممارسة الاتجار فيها؟ فلتكن مستوردة لأغراض تجارية، ولتعفى دعماً لانتشار أنظمة الطاقة الشمسية.
بعض الدول تخص مستخدمي الطاقة المتجددة بحوافز مالية، لم نطلب من الدولة ذلك،فقط نطلب إعفاءات كاملة وشاملة. إذا المسؤولين بالدولة فكروا عميقاً، وزارة ماليتنا هي المستفيدة من تلك الإعفاءات، كيف؟ لأن إنتشار الطاقة الشمسية يوفر لوزارة المالية مبالغ ضخمة كانت ستصرفها لتوفير وقود توليد الكهرباء سواء كان من آلاف المولدات بالأحياء أو من توليد مركزي بواسطة محطات حرارية كبيرة.
ثانياً،الإعفاء لكل مكونات تركيبات أنظمة الطاقة الشمسية من ضريبة القيمة المضافة، وكما ذكرت الدولة هي المستفيدة مالياً.
ثالثاً، مطلوب سياسات تمويل بنكي للجمهور ميسرة ولفترات مقبولة، والدولة تكون هي الضامن للمواطن بطريقة ما.
رابعاً، مطلوب إجراءات وتشريعات ضابطة ومنظمة لسوق هذا النشاط، هادفة إلى تحقيق الجودة وحماية المستهلك. الآن، كل من هب يستورد مكونات أنظمة الطاقة الشمسية، وكل من هب يعمل في تركيبات الطاقة الشمسية. بهذا الأسلوب المواطن المستهلك هو الخاسر، لأن أصناف رديئة سيتم توريدها، وأخطاء تركيبات دون تصميم حقيقي لغياب المعرفة سيتم الوقوع فيها، وسيعمل النظام عام أو عامين ثم يتدهور والخاسر هو المواطن المستهلك والمطالب أمام البنك المُمَوِّل بالسداد.
الخلاصة:
إلى حين تمكن الجهات الفنية المختصة من ترميم الدمار الذي أصاب البنية التحتية لكهرباء الشبكة القومية، فلتكن الأولوية لدعم انتشار أنظمة الطاقة الشمسية على مستوى البنايات، بالسياسات الماليةالمحفزة، والتمويلية المشجعة، والتشريعية المحققة للجودة. (النداء موجه للحكومة ممثلة في المالية، الطاقة، العدل، المواصفات والمقاييس والبنك المركزي).
نواصل