
المحقق – عثمان صديق
شرعت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في احتفالاتها باليوبيل الذهبي لذكرى تأسيسها في غياب بلدان تحالف دول الساحل الثلاثة، على الرغم من الدعوة الرسمية التي وجهها جون دراماني ماهاما رئيس غانا البلد المضيف ، ومن المقرر أن تستمر الاحتفالات طوال العام، في جميع البلدان الأعضاء.
ويشارك في هذه الاحتفالات عدد من الدول الأعضاء الاثنتي عشرة في مجموعة ال(إيكواس) تتقدمهم ليبيريا بحضور رئيسها جوزيف بواكاي، وتوغو من خلال رئيس وزرائها فيكتوار توميجا دوغبي. ومن أبرز الغائبين رئيس نيجيريا الرئيس الحالي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بولا تينوبو والذى عوًض عن غيابه برسالة بليغة دعا فيها إلى إعادة التصور لمفهوم المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا باعتبارها ليس تكتلا سياسيا فحسب، بل بوتقة مجتمعية.
رغم الفرحة … في القلب حسرة
كانت مداخلة رئيس مفوضية المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، الغامبي عمر توراي من بين المداخلات الجديرة بالملاحظة إذ أكد فيها أن الوقت قد حان، بالطبع، للاحتفال، ولكن أيضًا لإعادة تقييم وإعادة التفكير في مجتمع غرب أفريقيا ، في إشارة خاصة إلى ضرورة المصالحة مع تحالف دول الساحل، مضيفاً أنه من أجل ضمان السلام والأمن، وخاصة في مواجهة الإرهاب، يتعين علينا المصالحة مع دول الساحل. وقال منظمو الحدث إن ممثلين من البلدان الثلاثة كانوا حاضرين، لكنهم لم يحددوا هوياتهم. ويبدو أن زعماء تلك البلدان الثلاثة رفضوا الحضور في حين قال مصدر مقرب من الرئاسة لإذاعة فرنسا الدولية إن الغياب جاء “بسبب الموعد النهائي القصير للغاية والجدول الزمني المزدحم”.
أيا كان سبب الغياب لكنه أنقص وأنغص فرحة الاحتفال بالذكرى الخمسين لنشأة وتأسيس مجموعة الايكواس ، وقد جرت عدة محاولات لإثناء دول الساحل عن قرارهم بمغادرة المجموعة ومن ذلك أنه في 5 مارس الماضي، دعا الرئيس الإيفواري الحسن واتارا و الرئيس الغاني جون دراماني ماهاما مالي كلاً من بوركينا فاسو والنيجر للانضمام مجددًا إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وأضاف الزعيم الغاني إبان تدشين الاحتفال إن حكومته عينت مبعوثا خاصا “لبدء محادثات رفيعة المستوى” مع الدول الثلاث بعد انسحابها من مجموعة ال(إيكواس) وأضاف أن القرار الأخير الذي اتخذته مالي وبوركينا فاسو والنيجر بالانسحاب من المجموعة هو “تطور مؤسف” ، وأضاف أنه لا ينبغي لنا أن نرد بالعزلة أو الاتهامات المتبادلة، بل بالتفاهم والحوار والاستعداد للاستماع والمشاركة، كما اقترح أن تعمل بلاده كـ”جسر بين مجتمع غرب أفريقيا و تحالف دول الساحل .
نشأة تحالف دول الساحل
نشأ تحالف دول الساحل في الأصل كاتفاق دفاعي في عام 2023 ولكنه يسعى إلى التكامل بشكل أوثق ، ويضم كلا من بوركينا فاسو ومالي والنيجر وهي دول تحكمها مجالس عسكرية منذ الفترة ما بين عامي 2020 و2023، وتغطي الدول الثلاث مجتمعة مساحة تبلغ نحو 2.8 مليون كيلومتر مربع، أي ما يقرب من أربعة أضعاف مساحة فرنسا، ولقد عانت هذه البلدان على مدى السنوات العشر الماضية، من هجمات شنها جهاديون متحالفون مع تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية، وهو العنف الذي لم تتمكن الحكومات من القضاء عليه على الرغم من المساعدات السابقة من القوات الفرنسية.
ومنذ نشأة التحالف ابتعدت دوله الأعضاء عن فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، وانسحبوا من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في وقت سابق من هذا العام، متهمين الكتلة الإقليمية بالتبعية لباريس.
الحواجز الجمركية المتبادلة
ويرى بعض خبراء الاقتصاد بالمنطقة أن هناك خطراً يتمثل في تطبيق الحواجز الجمركية المتبادلة. إذ سيؤدي خروج شعوب تحالف دول الساحل إلى حواجز جمركية. وقد يؤثر ذلك سلبًا على الوظائف إذا عجزت الشركات عن تأمين أسواق جديدة خارج منطقة تحالف دول الساحل ، أو إذا عجزت شركات منطقة تحالف دول الساحل عن تأمين أسواق أخرى خارج المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا. وتبقى الحقيقة أن بلدان التحالف لا تزال أعضاء في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا، وهي أيضا ذات صلات تجارية قوية مه كوت ديفوار ففي عام 2023، استحوذت مالي وبوركينا فاسو معًا على 13.5% من الصادرات الإيفوارية.
قبول جوازات السفر بمنطقة شنغن
أصبحت جوازات السفر الصادرة عن تحالف دول الساحل، والتي تم تداولها في نهاية شهر يناير الماضي من قبل مالي، معترف بها الآن في منطقة شنغن.و تم تأكيد صحة هذه المعلومة من قبل المستشاريات الأوروبية وهي معلومات أكدها مصدر دبلوماسي في باماكو، فقد قامت السفارات الأوروبية بالتحقق من صحة ومطابقة وثيقة السفر الجديدة هذه في بداية شهر أبريل، مما مهد الطريق لقبولها منذ منتصف الشهر الجاري في جميع أنحاء منطقة شنغن (أوروبا).
رتق بعد فتق
الكلمات والوعود الإيجابية التي تصدرت اليوم الأول للاحتفال بالذكرى الخمسين لنشأة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) والتي علت فيها الأصوات التي تنادي بضرورة المصالحة مع تحالف دول الساحل من أجل ضمان السلام والأمن، والتضامن في مواجهة الإرهاب ، هذا النداء لا يكفي وحده لعودة المياه إلى مجاريها بل لابد من معالجة جذور الأزمة والمتمثلة في التضامن الفعلي والجاد في مواجهة مسببات ومبررات الانسحاب – ويتم ذلك بتكاتف الجهود وتنسيقها في وحدة دفاع مشتركة لمواجهة الخطر المشترك ألا وهو المهدد الأمني فلا سعادة للشعوب في غياب الأمن .