الدفاع عن الوطن واجب دستوري

عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
تُعد الواجبات الوطنية حجر الزاوية في بناء الدول والمجتمعات، وهي تجسد العلاقة العميقة بين المواطن ووطنه. هذه الواجبات لا تقتصر على حقوق الفرد فحسب، بل تمتد لتشمل التزاماته تجاه الأمن الوطني، سيادة الدولة، واستقرارها. الدفاع عن الوطن هو أحد أسمى الواجبات التي ينبغي على المواطن القيام بها، حيث يتطلب تضافر الجهود وحسن الانتماء لحماية كرامة الدولة وشعبها.
تولت العديد من الدساتير في أنحاء العالم تحديد وتنظيم هذه الواجبات بما يضمن قوة الدولة ومرونتها في مواجهة التحديات. كيف تعاملت الدساتير السودانية مع هذا الواجب؟ وهل تم تكريس مفهوم الدفاع عن الوطن بما يتناسب مع التحديات الحديثة؟
دستور السودان لعام 1974م نص في المادة (57) على أن: “الدفاع عن الوطن وصون الدستور وحماية المكاسب الثورية واجب مقدس على كل مواطن.” وكان هذا النص يعكس وعيًا دستوريًا متقدمًا بأهمية الدفاع عن الدولة والدستور. فهو يربط الولاء الوطني بواجبات المواطن، مما يجعله مسؤولًا عن حماية الوطن. في هذا الصدد، يتفق مع هذا المبدأ الزعيم المصري جمال عبد الناصر الذي قال: “إن الدفاع عن الأرض والعرض هو الشرف الحقيقي لكل مصري وعربي.”
في دستور السودان الإنتقالي لسنة 2005م، كان النص في المادة (23) يتضمن تحديدًا واضحًا لواجبات المواطن، حيث أكدت الفقرة (1) على أنه: “على كل مواطن سوداني أن يدين بالولاء لجمهورية السودان وأن يمتثل لهذا الدستور ويحترم المؤسسات التي أنشئت بمقتضاه ويحمي سلامة أرض الوطن.” بينما أضافت الفقرة (2) أن: “على كل مواطن، بوجه خاص، أن يدافع عن الوطن ويستجيب لنداء الخدمة الوطنية في حدود ما ينص عليه هذا الدستور والقانون.” هذا النص يعكس التزامًا دستوريًا يتضمن الدفاع عن الوطن كجزء من مسؤوليات المواطن، حيث يُعتبر أداء الخدمة الوطنية واجبًا مقدسًا.
أما في الوثيقة الدستورية لعام 2019م، فقد اقتصرت الديباجة على التأكيد على قيم الحرية والسلام والعدالة دون تضمين نص صريح يلزم المواطنين بالدفاع عن الوطن أو أداء خدمة وطنية. رغم ذلك، أكدت الوثيقة على أهمية تعزيز الوحدة الوطنية والحفاظ على سيادة الدولة. ومع ذلك، تركت هذه الوثيقة فراغًا دستوريًا بشأن إلزام المواطنين بالقيام بالواجبات الوطنية المتعلقة بالدفاع عن الوطن وحمايته، وهو ما يستدعي المراجعة في المستقبل.
في المقارنة مع دساتير الدول الأخرى، نجد أن غالبية الدساتير العالمية، سواء العربية أو الأجنبية، تتضمن نصوصًا واضحة تفرض واجب الدفاع عن الوطن. ففي دستور جمهورية مصر العربية، نصت المادة (86) على أن: “الدفاع عن الوطن وحماية أرضه شرف وواجب مقدس، والتجنيد إجباري وفقًا للقانون.” كذلك في دستور الجزائر ، نصت المادة (63) على أن: “كل مواطن ملزم بحماية وطنه والدفاع عنه.” أما في دستور ألمانيا، نصت المادة (12a) على أنه: “يجوز إلزام الرجال بالخدمة في القوات المسلحة أو الخدمة المدنية أو الدفاع المدني في حال الدفاع الوطني.” وقد أيدت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية حق الحكومة في فرض الخدمة العسكرية الإجبارية عند الضرورة الوطنية.
في ظل الظروف الحالية في السودان، التي تمر بمرحلة صعبة بسبب التمرد العسكري المسلح الذي قادته ميليشيا الدعم السريع، تتضح أهمية تعزيز الحس الوطني وروح الانتماء في المجتمع السوداني. على الرغم من تقدم القوات المسلحة في الميدان، إلا أن بيئة الحرب وما بعدها تتطلب تعزيز القيم الوطنية كحائط صد ضد الانهيار والفشل. كما يقول الرئيس الأمريكي الأسبق جون إف. كينيدي:
“Ask not what your country can do for you – ask what you can do for your country.”
“لا تسأل عما يمكن لوطنك أن يقدمه لك، بل اسأل عما يمكنك أن تقدمه لوطنك.”
هذه المقولة تُعد دعوة للعمل الجاد والتضحية من أجل رفعة الوطن، وتؤكد أن خدمة الوطن هي مسؤولية مقدسة.
ويقول رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ونستون تشرشل:
“Each individual is presented with a moment in their life when they are figuratively tapped on the shoulder and offered the opportunity to serve their country. What a tragedy it would be if that moment found them unprepared or unworthy of the occasion.”
“لكل فرد تأتي لحظة في حياته يتم فيها مجازيًا النقر على كتفه وعرض فرصة لخدمة وطنه. يا لها من مأساة إن جاءته تلك اللحظة وهو غير مستعد أو غير جدير بها.”
هذه المقولة تُبرز أهمية الاستعداد لخدمة الوطن في اللحظات الحاسمة، وتؤكد على أن كل مواطن يجب أن يكون مستعدًا دائمًا للقيام بواجبه الوطني في أوقات الحاجة.
ومن هنا، يتضح أن تطوير مفهوم الدفاع عن الوطن كواجب دستوري في السودان هو ضرورة ملحة في الدستور المقبل. يجب التأكيد على أن الدفاع عن الوطن لم يعد خيارًا بل هو التزام حتمي. ولذا، يُقترح أن يتضمن الدستور مادة نصها: “الدفاع عن الوطن والالتحاق بالخدمة الوطنية واجب مقدس على كل مواطن، ينظمه القانون.”