رأي

تطورات بوركينا فاسو وتأثيراتها على مستقبل القارة

رمضان أحمد

شهد الأسبوع الأخير من شهر أبريل الماضي آخر محاولة اغتيال تعرض لها الرئيس إبراهيم تراوري ضمن 19 محاولة منذ توليه السلطة في بوركينا فاسو عبر انقلاب عسكري في سبتمبر 2022.
ومن أهم نتائج هذه المحاولة أن خرج الشعب إلى الشوارع لحماية الرئيس، وفاضت مواقع النخب الأفريقية داخل القارة وفي بلاد المهجر برسائل التضامن والثناء على الرئيس تراوري.

التطورات التي حدثت في دول غرب أفريقيا لها انعكاسات عميقة على القارة، وبالتالي يصعب الإحاطة بما يجري في هذه الدول في مقال واحد. لذلك نستعرض في هذا المقال أهم ملامح التغيير الذي أحدثه الرئيس تراوري في بوركينا فاسو، ونحاول الإجابة عن سبب كل هذه المحاولات للقضاء عليه، وما الذي بدا أنه يمثله لدعاة القومية الأفريقانية. وهل أنظمة الحكم العسكرية الحالية في غرب أفريقيا هي انقلابات عسكرية شبيهة بتلك التي شهدتها القارة في العقود الأولى من التحرر من الاستعمار أم هي موجة ثورية جديدة؟ وهل هذا يعني أن الديمقراطية فشلت في أفريقيا أم أن النخب الأفريقية بحاجة إلى إعادة صياغة ديمقراطية تتناسب مع طبيعة القارة؟

استولى النقيب إبراهيم تراوري – عمره 35 سنة – على الحكم في سبتمبر 2022 وخلال سنتين ونيف حقق ما يلي وفق المصادر الرسمية:
– نما الناتج المحلي الإجمالي لبوركينا فاسو من حوالي 18.8 مليار دولار إلى 22.1 مليار دولار.
– رفض الحصول على قروض من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، قائلاً:
“أفريقيا لا تحتاج إلى البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي أو أوروبا أو أمريكا.”.
– خفض رواتب الوزراء والنواب بنسبة 30%، وزاد رواتب الموظفين المدنيين بنسبة 50%. وسدد ديون بوركينا فاسو المحلية.
– أنشأ مصنعين لتجهيز الطماطم، وهما الأولان من نوعهما في البلاد. في 2023، افتتح منجماً للذهب متطور لتعزيز القدرات المحلية في التصنيع، وأوقف تصدير الذهب الخام من بوركينا فاسو إلى أوروبا.
– بنى ثاني مصنع لتجهيز القطن في البلاد، بعد أن كان هناك مصنع واحد فقط، وافتتح أول مركز وطني لدعم المعالجة الحرفية للقطن لمساعدة المزارعين المحليين، ومنع ارتداء الباروكات والعباءات القضائية البريطانية في المحاكم المحلية، واستبدلها بالزي التقليدي البوركينابي.
– ركز على الزراعة بتوزيع أكثر من 400 جرار و239 آلة حرث و710 مضخة محركة و714 دراجة نارية لتعزيز الإنتاج ودعم الفلاحين، كما وفر بذوراً محسنة ومدخلات زراعية أخرى لزيادة الإنتاج. وقد ارتفع إنتاج الطماطم من 315 ألف طن متري عام 2022 إلى 360 ألف طن متري عام 2024. وزاد إنتاج الدخن من 907 آلاف طن متري عام 2022 إلى 1.1 مليون طن متري عام 2024. ارتفع إنتاج الأرز من 280 ألف طن متري عام 2022 إلى 326 ألف طن متري عام 2024.

– وقد اتخذ إجراءات صارمة تجاه فرنسا حيث حظر العمليات العسكرية الفرنسية في بوركينا فاسو، وحظر وسائل الإعلام الفرنسية في البلاد، فضلاً عن طرد القوات الفرنسية من بوركينا فاسو.

– تقوم حكومته ببناء طرق جديدة، وتوسيع الطرق الحالية، وتحويل الطرق الترابية إلى معبدة.
– ويجري حالياً بناء مطار جديد، مطار واغادوغو-دونسين، والذي من المتوقع الانتهاء منه عام 2025 بسعة مليون مسافر سنوياً.

تحققت كل هذه الإنجازات في سنتين، وانعكست إيجاباً على حياة المواطن حيث ارتفع مستوى العملة الوطنية بفضل الذهب الذي أصبح مملوكاً للدولة، كما أن الإنتاج الزراعي خفض مستوى المعيشة لدى المواطن.
بالنسبة للدول الغربية التي كثيراً ما بنت حضارتها المادية على استغلال الثروات الأفريقية بطريقة غير أخلاقية، يعتبر ظهور أي قائد سياسي أو عسكري يلتف حوله الشعب مهدداً خطيراً. لذلك أصدر القائد العسكري لبوركينا فاسو، النقيب إبراهيم تراوري، رداً صارماً على التهديدات الأخيرة التي أطلقها الجنرال الأمريكي مايكل لانغلي والتي تضمنت احتمالات الاعتقال أو الإقصاء أو حتى الغزو، مُعلناً: “إما أن نوافق على القتال من أجل وطننا أو نبقى عبيدًا إلى الأبد”. وجاء هذا التصريح خلال خطاب ألقاه حول الأمن الوطني، في تأكيد على تصاعد التوترات بين الدولة الواقعة في غرب إفريقيا والقوى الغربية حول مسائل السيادة والتحكم في الموارد واستراتيجيات مكافحة الإرهاب. وأضاف تراوري في خطابه: “لن نسمح لأحد أن يفرض علينا إرادته. لقد اختار شعب بوركينا فاسو طريق الحرية والكرامة، وسندافع عن هذا الخيار بكل ما أوتينا من قوة”. كما أشار إلى أن بلاده لن تتراجع عن سياساتها التي تهدف إلى استعادة السيطرة على مواردها الوطنية وتعزيز التعاون مع الشركاء الذين يحترمون سيادتها.

أما بالنسبة لدعاة القومية الأفريقانية يمثل النقيب تراوري إحياءً لميراث توماس سنكارا الذي استولى على الحكم عام 1983 وأغتيل في أكتوبر 1987 بعد أن أدخل إصلاحات جذرية في الحكم واكتسحت شعبيته القارة الأفريقية.
يرى هؤلاء القوميون الأفارقة أن بوركينا فاسو بقيادة تراوري تمثل جزءًا من تحول تاريخي، حيث ترفض الدول الأفريقية الهيمنة الأجنبية وتستعيد سيادتها. وبينما يدور الجدل حول دور روسيا، يتفق معظمهم على أمر واحد: يجب أن تتحكم إفريقيا في مصيرها.
من أبرز هؤلاء القوميين الأفارقة البروف لومومبا وهو من أبرز منظري الفكر القومي الأفريقاني حالياً، حيث يرى أن ما يجري في غرب أفريقيا عموماً ثورة على الاستعمار ومخلفاته، بدليل التفاف الشعب حوله الانقلابات العسكرية “المزعومة”. هناك كتاب وجمعيات وأحزاب سياسية على امتداد البلاد الأفريقية وفي بلاد المهجر لا يسع المجال لذكرهم.

الحقيقة التي لا مراء فيها أن أغلب البلاد الأفريقية المحكومة بالديمقراطية الغربية تعاني من تدهور اقتصادي وفساد حيث ينتشر فيها الفقر. نجد هذه البلدان في شرق افريقيا وغرب أفريقيا والجنوب الأفريقي، وحتى البلدان التي يزدهر فيها الاقتصاد نسبياً أو ظاهرياً بفضل الاستثمار الأجنبي مثل كينيا وجنوب أفريقيا ونيجيريا وغيرها، ما يزال المواطن فيها يئن من الفقر أو تعاني من الفوارق الطبقية.
ومن المفارقات أن نجد بلداناً ليس فيها ديمقراطية على النهج الغربي ولكنها مزدهرة ويحس فيها المواطن بالتحسن المعيشي مثل تنزانيا (الحزب الواحد) ورواندا وغيرها.

التطورات التي جرت في غرب أفريقيا مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وحتى السنغال التي انتخب شعبها مناوئي الوجود الفرنسي، وما تلى ذلك من التفاف شعبي حول القيادات من ناحية وانعكاس سياسات الدولة إيجابياً على معيشة المواطن في هذه الدول أثارت تساؤلات جدية حول جدوى الديمقراطية الغربية في أفريقيا.

يرى الدكتور فرانسيس دينغ في لقاء عبر قناة الجزيرة أن أفريقيا بحاجة إلى مراجعة النظام الغربي للحكم وتشذيبه حتى يستصحب القيم والتقاليد المحلية في الحكم. ويتفق معه البروف لومومبا في مسألة مراجعة نهج الحكم في أفريقيا ليصبح حكماً وطنياً خادماً للمصلحة الوطنية وليس ممثلاً عن الخارج. وعلى هذا الأساس يرى أن ما جرى في غرب أفريقيا ليست انقلابات عسكرية وإنما ثورات شعبية مدعومة من الجيوش الوطنية.
وعلى هذا الأساس يبقى السؤال قائماً حول جدوى الأحزاب السياسية طالما أنها قائمة على الاستقطاب الأيديولوجي والاثني والجهوي بدلاً من أن تكون قائمة على الرؤى والبرامج الموجهة لخدمة المواطن؟ وما هو جدوى المجالس التشريعية التي تكتظ بالانتهازيين والثرثارين الذين يتقاضون امتيازات عديدة بلا إنتاج؟ وما جدوى الانتخابات إذا لم تمثل الإرادة الشعبية، بدلاً من إرادة النخبة أو القوى الخارجية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى