رأي

السودان ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية .. ما المطلوب عمله ؟

السفير محمد الحسن إبراهيم

تعتبر منظمة حظر الأسلحة الكيميائية واحدة من المنظمات الدولية المتخصصة، وقد رأت النور في العام 1993 عندما تكامل عدد الدول الموقعة على معاهدة حظر إنتاج وتخزين وتدمير الأسلحة الكيميائية ، واتخذت المنظمة من لاهاي مقراً لها، وقد بلغت عدد الدول الموقعة علي الاتفاقية والدول المنضمة إليها 193 دولة.

انضم السودان إلى الاتفاقية في 16 مايو 1999 ودخلت حيز النفاذ بعد شهر من ذلك، وذلك حسب قواعد الانضمام للاتفاقية،
وقد سبق انضمام السودان للاتفاقية أن تقدم بطلب إلى المنظمة للتحقق في مزاعم إنتاج أسلحة كيميائية في موقع مصنع الشفاء للأدوية، وقد امتنعت المنظمة في ذلك الوقت لأن السودان ليس طرفاً في الاتفاقية الدولية وأن الادعاء بامتلاك أسلحة كيميائية لا يتم التحقق منه إن لم تكن الدولة طرفاً في الاتفاقية وقدمت المعلومات اللازمة عن هذا النوع من الأسلحة بموجب التزام الدولة.

عند البحث عن سبب عدم انضمام السودان للمنظمة تجلت لنا المفارقة التي حرمت السودان من فوائد جمة كان يمكن الحصول عليها، وقد كان المبرر الوحيد هو أن دولة عربية شقيقة هي التي امتنعت عن الانضمام ولأسباب تخصها لكن تم تصوير الأمر بأنه ناتج عن اتفاق عربي علي عدم الانضمام، وقد ساعد في إقناع الرئاسة بالانضمام سعي المرحوم السفير الفاتح عروة من موقعه في نيويورك مندوباً دائماً للسودان، وقام بتقديم الطلب ومن ثم قامت السفارة في لاهاي بإكمال الاجراء.

منذ أن انضم السودان للمنظمة ظل عضواً فاعلاً وسط المجموعة الأفريقية، وترأس المجموعة في أول اجتماع لها ثم أصبح عضوا في المجلس التنفيذي المكون من 41 دولة موزعة حسب المجموعات الجغرافية، ومنذ ذلك التاريخ ظل السودان يحافظ على عضوية المجلس التنفيذي وفي ثلاث مرات كان رئيساً لهذا المجلس.

قدم السودان بموجب تعهداته ملفاً متكاملاً أوضح من خلاله خلو البلاد من الأسلحة الكيميائية وقد استفاد السودان من هذا الانضمام لتدريب القوات المسلحة وقوات الدفاع المدني وكذلك الخبراء المختصين في المجال، وربما بلغ عدد المتدربين الحاصلين علي شهادة معتمدة ما يفوق الـ 200 فرداً.

وبالعودة إلى موضوع اتهام الولايات المتحدة للقوات المسلحة السودانية باستخدام أسلحة كيميائية العام الماضي، فقد ورد التقرير الأولي في تغريدة لصحفي عبر حسابه في منصة إكس ثم تلى ذلك تقرير كتب من قبل صحفيين في 16 يناير من هذا العام، وقد استندت إليه الإدارة الأمريكية في الاتهام باستخدام القوات المسلحة لأسلحة كيميائية في وقت ما من العام السابق !!

ومن المهم هنا التذكير بأن الولايات المتحدة صاحبة سجل كبير من الاتهامات التي طالت دولاً عربية بما فيها العراق وسوريا والسودان، وبموجب ذلك قامت بضرب مصنع الشفاء للأدوية في الخرطوم بحري واتخذت اتهامها للعراق ذريعة لغزو العراق في 2003.

هذا الاتهام غير المسنود بأي دليل فُرض بموجب قانون مراقبة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والقضاء عليها لعام 1991 (قانون الأسلحة الكيميائية والبيولوجية)،
وقد تجنبت الولايات المتحدة إخطار منظمة مراقبة الأسلحة الكيميائية بالاتهام ولم تشاركها المعلومات المدعاة بتوفرها، وبذلك يتضح جلياً أن الاتهام لا أساس له، فالمنظمة هي المعنية بالتحقق من الادعاء وقد أفردت الاتفاقية فصلاً كاملاً بتفاصيل دقيقة تبين الاجراءات الواجب اتباعها من لحظة الادعاء، محسوباً بالساعات، و ماذا يجب أن يتم، إبتداءً من إخطار الدولة المعنية بالاتهام وبقية الدول الأطراف وتشكيل فريق فني للتفتيش والتحقق وبضمانات فنية وتقنية كبيرة توفرها المنظمة، والمدة التي يصل فيها الفريق الفني والتقارير التي يصدرها.

ويعالج كل تلك التفاصيل الجزء الحادي عشر من الاتفاقية، فهو ينظّم التحقيقات عبر الأمانة الفنية ويشمل :
الإخطار من الدولة التي تدعي بأن دولة طرفاً استخدمت أسلحة كيميائية في أراضيها أو أراضي الدولة نفسها
– تعيين فريق التفتيش
– إيفاد فريق التفتيش
– الجلسات الاطلاعية
– سير عمليات التفتيش
-الوصول
– أخذ العينات
– المقابلات
– التقارير

و نلاحظ أن هذه التفاصيل الدقيقة هي ما تجنبته الولايات المتحدة في سوق الاتهام وفي إنزال العقوبات.

هل فوت السودان فرصة في تفنيد الاتهام ؟
منذ انتشار التقارير الصحفية كنا قد نبهنا المعنيين بضرورة أخذ الاتهام علي محمل الجد، والرد الموضوعي على الصحيفة ووضع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في الصورة، والتواصل مع الولايات المتحدة وذلك للتجارب العديدة للسودان مع مثل هذا الأمر ابتداء من ضرب مصنع الشفاء وانتهاء باتهامات عديدة قدمتها الولايات المتحدة في فترات سابقة منذ انضمام السودان للاتفاقية، ونشوب حرب دارفور الممتدة وقد كان للتعاطي الإيجابي مع الاتهام سداً منيعاً من تطورات كانت ترمي إليها الإدارة الأمريكية ولم يبلغ مرحلة الإعلان عن نتائج أو فرض عقوبات.

وربما يستغرب الناس من تصرف الإدارة الأمريكية وتوجيهها للاتهام ثم فرض عقوبات أحادية دون اللجوء إلى المنظمة الدولية المعنية بالأمر.
وربما يعود عدم تحرك السودان في الوقت المناسب، والتواصل مع الإدارة الأمريكية، كما كان يحدث خلال السنوات الماضية، لانشغال البلاد برد عدوان المليشيا الارهابية المدعومة إقليمياً، وقد وجدت الإدارة الأمريكية ضالتها في هذا الانشغال وفرضت عقوبات بموجب قانونها الخاص، وهي تعلم بأن الاتفاقية تركت مساحة للدول الأطراف للتفاهم فيما بينها بموجب المادة التاسعة من الاتفاقية التي تنص في فقرتها الأولى علي أن تتشاور الدول الأطراف وتتعاون مباشرة فيما بينها أو عن طريق المنظمة أو وفقاً لاجراءات دولية مناسبة بما في ذلك الاجراءات الموضوعة في إطار الأمم المتحدة ووفقا لميثاقها بشأن أي مسألة قد تثار فيما يتعلق بموضوع هذه الاتفاقية والغرض منها أو تنفيذ أحكامها.

المادة 19
أشرنا لهذه المادة لأهميتها في معرفة علي ماذا استندت الولايات المتحدة لاتهام القوات المسلحة وإعلان تطبيق عقوبات اقتصادية ضد البلاد تماشيا من سياسة استهداف السودان على مدى عقود، وتعاقب الحكومات في بلادنا، وتنم عن سياسة معدة سلفاً وكانت تنتظر الفرصة لإعادة السودان للحظر الاقتصادي وتطبيق العقوبات القاسية بينما تواصل علاقتها الدبلوماسية كالمعتاد، وكأن ذلك لا يقدح في سمعة الولايات المتحدة المتدهورة حول العالم.

هل يملك السودان فرصة في الالتجاء لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية ؟
أما وقد انشغلنا عن التعاطي مع الولايات المتحدة ايجابياً كما كان عليه الحال في مرات سابقة لدحض الاتهام وتفنيد الادعاء، ووصل الحال إلى فرض العقوبات، فإن هناك طريقا آخر يمكن أن نذهب إليه لكنه لا يخلو من مشاكل أخرى تتعلق بمدى استعداد الدولة لإجراء عملية تفتيش في مناطق غير معروفة لنا فقد كان الاتهام فضفاضاً في تحديد مكان وزمان الادعاء باستخدام الأسلحة الكيميائية، فلا النطاق الجغرافي محدد ولا الأوان الذي زعمت فيه الصحافة ومن بعدها الإدارة الأمريكية أن الاستخدام كان فيها، هذا بالإضافة إلى أن الجهة المعنية نفسها قد تكون مشغولة بيوميات الحرب وأن اللجنة الوطنية قد مسها التداخل مع المليشيا كما مسّ موسسات عديدة.

الاجراء المطلوب هو أن يتقدم السودان بطلب إيضاح من الولايات المتحدة عبر المجلس التنفيذي للمنظمة. وهذا الطلب يعالج علي وجه السرعة ويقوم المجلس بالطلب إلى المدير العام بإحالته علي وجه السرعة إلى الدولة المطلوب منها في موعد غايته 24 ساعة من وقت استلامه من المجلس. وتلتزم الدولة المطلوب منها الايضاح أن ترد على الطلب في موعد لا يتجاوز عشرة أيام.
وفي حالة عدم توفر رد مقنع للدولة الطالبة يمكنها أن تطلب عقد اجتماع المجلس التنفيذي ولها أن تطلب إحاطة الدول غير الأعضاء في المجلس كما يحق لها دعوة المجلس للانعقاد في حالة لم يكن الرد كافياً.

وفي حالة عدم الرد بما يكفي يمكن للدولة طالبة الإيضاح أن تطلب تفتيشاً بالتحدي ويمكن للسودان أن يطلب تطبيق المادة (9-2) من الاتفاقية وهي تعالج ما يعرف بالتفتيش الموقعي بالتحدي لأي مرفق أو موقع بغرض التحقق وفق المادة التاسعة الفقرتان د /هـ

ليس علينا الاستسلام ولا الرضى بفرض عقوبات وخاصة في ضوء استخفاف الولايات المتحدة بالأمر ، فلا الاتهام كان صريحاً ولا التفاصيل كانت وافية، وحتى البيان الرسمي لم يشر لواقعة محددة ولا لزمان معين ولا مكان مسمي ليُعرف ورغم ذلك ستفرض عقوبات.

دعونا نصدع بقضيتنا هذه في مظانها الفنية وفي وسائل الإعلام ولدى أصدقاء السودان خاصة والمجتمع الدولي بصفة عامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى